صناعة الإعلام الملتزم الممكن والمرغوب 3/4- بكر ابو بكر
إن النهج أو المنهج يأتي بمعنى السياسات المرسومة والمحددة للسير وفقها، وهي تتحكم بالخطة وتشتق من الأهداف، وعليه فان أي عمل يدار يحتاج لقواعد إدارة وعلى رأسها التخطيط ورسم السياسات وبالتالي أن تخيط نهجا أو منهجا.
ويتضمن النهج على الخبرات المتراكمة والمدخلة في رسم السياسات، وعليه فلكل إعلام منهجه وربما نتحدث بلغة الإعلام هنا تلك التي يعرفها د. صبري محمد خليل بأنها من جهة الموضوع تتناول جملة الأفكار أو المفاهيم السابقة على حصول الاتصال (التواصل) والتي تستند عليه هذه العملية، ومن جهة المنهج تصف، التناول لهذه المفاهيم بالشك والمنطق والعقل الناقد.
وعليه ينطلق د.صبري خليل من ذلك للتعريف المنهجي للإعلام في وسائله المختلفة باعتباره مصدرا للأخبار في المجتمع والأخبار هي بيان للواقع الاجتماعي وأحداثه بما ينطوي عليه من مشكلات داخلية وخارجية.
(يعرف الخبر أيضا انه: حدث أو معلومة يتميّز بالجدة، وينقل حادثة مكان وزمان ما قريباً من موقع صناعة الخبر،أو أن يتميز بالغرابة أو الدهشة أو يثير الفضول).
وبالتالي فإن آراء الناس في المشكلات وحلولها يتوقف إلى حد كبير على هذه الوقائع التي تذاع أو تبث.
الصورة الإعلامية :
أضحت الصورة الإعلامية الثابتة والمتحركة عنصرا رئيسا في صناعة (الرسالة الإعلامية) وصياغتها لتكون مكملة للنص الإعلامي أو مستقلة عنه كما يقول د. محمد بن مسعود البشر ومضيفا انه منذ حرب الخليج عام (1990 -1991) أصبح الرائي (التلفزة) ومعه الصورة أداة حرب فاعلة ومؤثرة ولما لها من دلالات ايديولوجية وقدرة على مخاطبة الناس، وهي أصبحت تستهوي القارئ والمشاهد وحتى المشارك في الشابكة ومواقع التواصل الاجتماعي بل إن كثيراً من الناس كما يقول د.محمد البشر أصبحت تشاهد الصورة وتطرح النص جانبا.
وما المشاهد المليئة بالصورة في الانتخابات الرئاسية المصرية إلا دليل قوي على الاستخدام الكبير للصورة حيث رأينا في سباق الإعادة بين المرشحين الفريق أحمد شفيق ود.محمد مرسي استنادهما للصورة سواء من خلال اللقاءات في الرائي أو الجماهيرية وما تحمله من تهليل وتكبير أو تصفيق، أو من خلال الدعاية المدفوعة الأجر حيث استخدم أحمد شفيق مثلا إثارة المخاوف واستخدم صوت الممثل محمود المليجي الذي يدعو للوحدة، وكذلك ما استخدمه مرسي بذات الاتجاه مثلا قائلا: قوتنا في وحدتنا.
صياغة الخبر:
إن صياغة الخبر كما هي فن فهي علم لأن صياغته كحروف وجمل وترتيب وابراز تعني الإخبار أو الإقناع أو التجييش أو ببساطة التأثير، وحاليا لم تعد صياغة الخبر تعني الجمل أو الفقرات فقط بل دخل معها الصور الثابتة والمتحركة في كل من الإعلام المرئي والإعلام الاجتماعي بحيث إن مقطع (يوتيوب) عن الشيخ البرهامي متحدثا في دقيقة عن عنف الاخوان المسلمين ضده أكثر وقعا من التعرض لهم بالندوات، وإظهار تناقض أقوال خيرت الشاطر مع محمد مرسي بالصورة والصوت أهم كمثال من كتابة الأبحاث.
لقد علق في ذهن المشاهدين ما فعلته حماس في سميح المدهون من تمثيل بجثته وبشكل بشع ولا إنساني مقرف بحيث تساوى مع بشاعات المذابح السورية وقصف حماس للمساجد في رفح، وأصبح المشاهد يقارن هذه الصور بالقصف السوري للمساجد في سوريا، وعليه فان صياغة الخبر وابرازه كلمات وصورا له من الوقع والتأثير الكثير.
ان الخبر كما أشرنا سابقا ونكرر ما هو الا حدث يتميز بالجدة (انه جديد) ينقل حادثة في مكان وزمان قريبا من موقع صناعة الخبر ويجيب على الأسئلة الستة الشهيرة (من، ماذا، متى، اين، كيف، لماذا).
وله من المقاييس مثل أن يكون حقيقيا بمعنى انه وقع فعلا وليس خيالا أو حلما، وان يكون مثيرا ويهم قطاعا من الناس ولغته كخبر بسيط موجز متينة وله من الحداثة ما يثير الدهشة والانتباه.
الإعلان والدعاية:
لأنهما مرتبطان بالإعلام ويقع بينهما الخلط دوما، فمن المهم التعريج على الدعاية والإعلان، والإعلان هو أحد الأنشطة الإعلامية التي لا غنى عنها للأنشطة الاقتصادية من صناعة وتجارة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، وكذلك بالنسبة للمؤسسات والمنظمات الخيرية غير الربحية والتي دون الإعلان عن مجهوداتها فلن تحصل على الدعم المجتمعي والتمويل المادي اللازم لاستمرارها في عملها وأدائها لرسالتها (ونضيف أيضا للتنظيم السياسي حديثا كما نرى على الأشهر في الانتخابات).
تعرفه دائرة المعارف الفرنسية بأنه " مجموعة الوسائل المستخدمة لتعريف الجمهور بمنشأة تجارية أو صناعية وإقناعه بامتياز منتجاتها".
ويعرفه (غراو والتر) على أنه أداة لبيع الأفكار أوالسلع أو الخدمات لمجموعة من الناس، ويستخدم في ذلك مساحات من الملحقات أو الصحف أو المجلات أو أوقات إرسال المذياع أو الرائي=التلفزيون أو دور العرض الخيالي= السينمائي نظير أجر معين.
ومن أحسن التعريفات التي وُضعت حديثا، ما وضعته جمعية التسويق الاميركية :
" الإعلان هو مختلف نواحي النشاط التي تؤدي إلى نشر أو إذاعة الرسائل الإعلانية المرئية أو المسموعة على الجمهور بغرض حثه على شراء سلع أو خدمات، أو من أجل استمالته إلى التقبل الطيب إلى الأفكار أو أشخاص أو منشآت مُعلن عنها"، أو " هو وسيلة غير شخصية لتقديم الأفكار والترويج عن السلع بواسطة جهة معلومة مقابل أجر مدفوع".
وعلى ذلك يمكن تحديد وظائف الإعلان بوظيفتين:
1- حث المستهلكين المرتقبين على اقتناء السلع أو شراء الخدمات (أو الأخذ بالفكرة السياسية التي يدعو لها الحزب/التنظيم السياسي).
2- تهيئة هؤلاء المستهلكين إلى تقبل السلع أو الخدمات أو (الأفكار أو الأشخاص) أو المنشآت.
ومن هنا وجب التفريق بين الإعلان والدعاية وبين الإعلام حيث إنه من الممكن في الدعاية وعبر الإعلان والترويج إظهار أنصاف الحقائق أو حتى الأكاذيب على أنها حقائق بينما المفترض من الإعلام أن ينقل الوقائع والحقائق.
الالتزام:
إن الالتزام كمفهوم: تكرّس لتحقيق الغرض، وبالتالي فإن أي وسيلة إعلامية تكرس جهدها ووقتها ونشاطاتها المتصلة لتحقيق غرضها اتفقنا معه أو اختلفنا فهي ملتزمة، فقد تكون قناة ملتزمة بالاستعراضات الفنية أو قناة ملتزمة بالأخبار السياسية أو أخرى طائفية أو دينية عامة أو قناة شرائط=أفلام، وعليه فان الإشارة إلى الالتزام تخضع في حقيقة الأمر للأهداف لان الالتزام قيمة وممارسة متصلة في الاتجاه المحدد كهدف.
عندما يقول مسؤول في الإذاعة المصرية انها إذاعة ملتزمة منذ سنوات، فهو قطعا يعني (التكرس والاستمرار والجهد المحقق لهدف) الإذاعة ذات الطابع الوطني المصري المرتبط بالعمق العربي والإفريقي والإسلامي، ما يعني أن تسميته الإعلام بالملتزم لا يعني بالضرورة صفة جامعة شاملة لما أريده أنا حيث الحكم هي الأهداف.
تقول صحيفة البيادر أن (الإعلام الملتزم المسؤول-الذي تبتغيه أو تسير عليه هي كصحيفة- هو ذاك الذي يخدم قضايا الوطن،ويدعمها لا أن يسيء إليها، وذلك الذي يقدم صورة مشرقة عن الوطن ويدعم استقراره، وأمنه وأمانه ولا يضم إلى فرقة مطلقي الأبواق الخادمة والمأجورة لأعداء الوطن وهو يعاني لأنه يقول الحقيقة ولا يقبل غير ذلك).
بعد رحلة من البحث عن الإعلام (المطلوب) برأينا كوطنيين وعروبيين وإسلاميين، وأقول برأينا لأنه قد تأتي جماعة أخرى تعرف نفسها فكريا أو مصلحيا بشكل آخر وبالتالي تطلق أهدافا أخرى ثم ترسم اعلامها المطلوب هي، ما يخالفنا في النظرة والمرغوب.