مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

الطفل محمد حلايقة والتليف الكيسي

ينتظر محمد حلايقة بفارغ الصبر وصول أمل، اخصائية العلاج الطبيعي، وزميلتها هبة، باحثة اجتماعية، في مستشفى الأطفال في بيت لحم (مستشفى الكاريتاس) ... ينتظر وصولهما على أحر من الجمر. وعندما وصلتا بيته في قرية الشيوخ، جنوب مدينة الخليل، كاد محمد أن يصرخ من الفرحة لرؤيتهما. كانت أمل وزميلتها هبة بالنسبة له بمثابة أهل وأقارب. إرتسمت البسمة العريضة على وجه الطفل محمد عندما رأى أخصائيتا الكاريتاس تحملن أجهزتهما لعمل جلسة علاج طبيعي له. ولكن ما كان يشغل باله في ذلك اليوم الجميل هو سرد حكايته أمام الكاميرا مع مرض التليف الكيسي (Cystic Fibrosis) والذي لازمه منذ ولادته قبل أحد عشر عاما.
التليف الكيسي هو مرض وراثي ومزمن، أي أن الطفل يولد به ولا يكتسبه في وقت لاحق من حياته. يصاب الطفل عندما يرث زوجا من الجينات الحاملة لمرض التليف الكيسي، واحد من كل من الوالدين، أما الطفل الحامل للمرض فيعني أنه ورث جينا واحدا حاملا للمرض ولكن لن يعاني من أعراضه.
يؤثر التليف الكيسي على العديد من أعضاء الجسم، وتسبب الرئة والأمعاء والكبد والبنكرياس أكبر كم من المشاكل. إلا أن التليف الكيسي لا يؤثر على ذكاء الأطفال. في الرئة، يكون المخاط الذي تنتجه رئتا الإنسان العادي رقيقا، لكن المخاط الذي تنتجه رئتا مريض التليف الكيسي سميك جدا وشديد اللزوجة، ويلتصق بالرئتين مسببا إنسداد بعض قنوات التنفس. إذا ظل هذا المخاط داخل الرئة فسيغلق الممرات الهوائية الدقيقة وسيجعل من السهل نمو الكائنات الدقيقة (التلوث الجرثومي) هناك، ولهذا فإن العلاج الطبيعي مهم جدا لتنظيف الممرات الهوائية.
أما البنكرياس فيحدث فيه انسداد بواسطة العصارات الكثيفة، ونتيجة لذلك لا تستطيع أنزيمات الهضم الوصول إلى الطعام الذي نأكله، مما يؤدي إلى عدم هضمه. وعندما يحدث ذلك، لا يمكن للجسم امتصاصه ويخرج من الأمعاء، وفي بعض الأحيان يصاب الأطفال بالإمساك الشديد وقد يتعرض لانسداد الأمعاء.
وكثيرا ما تظهر أعراض المرض في العامين الأولين من عمر الطفل، ومن بين أعراضه: سعال متكرر ينتج عنه مخاط، إصابة متكررة بما يشبه الإلتهاب الرئوي، عدم نمو وفقدان الوزن، مشاكل في الأمعاء، إنسداد الأمعاء عند الأطفال حديثي الولادة. وأحد الصفات المميزة للأطفال المصابين بالمرض هو أن عرقهم يكون شديد الملوحة. وفي التحليل الأولي المسمى "تحليل العرق"، يمكن الكشف عما إذا كان الطفل مصابا بالمرض.
يعيش محمد مع عائلته المكونة من الأب والأم وإخوته وأخواته لارا وحامد ومرح في بيت صغير مكون من غرفتي نوم ومطبخ وحمام، ولكن في الخارج، هناك حديقة كبيرة يزرعون فيها العديد من أشجار الفاكهة وبعض الخضروات، حيث يشارك إخوته وأقاربه وجيرانه اللعب وقضاء الوقت معهم. يقع البيت في أطراف البلدة حيث الهواء العليل والهدوء الجميل. يجلس محمد على الكرسي الوحيد في الغرفة التي يتشاركها مع إخوته وأخواته، وبنظراته الثاقبة يتفحص الجميع ليتأكد من أن الجميع يبدي له الإهتمام. وتبدأ أمل، أخصائية العلاج الطبيعي، بربط أحزمة سترة التدليك، بينما يتحدث هو معها ساردا كل ما قام به في الأيام الأخيرة من رياضة وتدليك وتبخير وما إلى ذلك من أمور العلاج الذاتي الذي يمارسه، حتى يحافظ على حالته تحت السيطرة. لا يبدو عليه الإعياء أو الإحباط أو التعب، بل علامات الأمل والإصرار على العيش وقهر المرض.
تقول الأم أنها لم تعرف عن المرض من قبل. "عندما ولد محمد كان وزنه طبيعيا، ولكن في الأسابيع الأولى بدأ يفقد الكثير من وزنه، مما اضطرنا للذهاب إلى المستشفيات والعيادات في الخليل لفحص حالته، ولكن دون جدوى. وبعد مرور ستة شهور، لم يتجاوز وزن محمد كيلوغرامين اثنين. شعرنا بالخوف الشديد، فقد كان الأبن الأول لنا بعد أخته البكر. وبالصدفة، سمعنا عن مستشفى الأطفال الكاريتاس في بيت لحم، فتوجهنا هناك، حيث تم تشخيصه على أنه مصاب بالتليف الكيسي. لم نكن نعرف ما هو هذا المرض. صدمنا بشدة عندما علمنا أنه وراثي ولا علاج له، ولكن في نفس الوقت، سررنا جدا لإمكانية العيش مع هذا المرض ضمن نظام علاجي يقدمه المستشفى. ومنذ ذلك الحين ونحن مستمرون في علاج محمد، فلولا هذا التدخل، لم يكن محمد موجود بيننا الآن. أشعر بالسعادة وبالفخر وبالإمتنان أن لدينا مؤسسة صحية كهذه، بإمكانها السهر على صحة أبنائنا وتقديم المساعدة لهم. يشعرنا محمد بالسعادة عندما يعود من المستشفى بعد كل زيارة له هناك، يأتي بحالة نفسية رائعة وسعيدة، يأتي مليئا بالحيوية والنشاط مما ينعكس إيجابا على جميع من حوله.
يلم محمد جيدا بمرضه، ويعرف أن لديه مشكلة في البنكرياس والرئتين. عندما سألته إلى ماذا تطمح في حياتك، أجاب، وبحزن شديد وكأنه يعرف أن الجواب مجرد أمنية، "أريد بنكرياس!!"
وضمن حرصها على الرعاية الصحية في الضفة الغربية، وبالإضافة إلى عملها المستمر ودعمها المتواصل لوزارة الصحة، تقدم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الدعم والمنح لمؤسسات صحية غير حكومية لتوفير خدمات إضافية مكملة للخدمات التي توفرها وزارة الصحة، وخاصة الخدمات التأهيلية. حصل مستشفى الأطفال، الكاريتاس، على منحة لدعم إنشاء عيادة متخصصة لتأهيل مرضى التليف الكيسي، والتي من شأنها تشخيص وعلاج وتوعية المصابين بهذا المرض وعائلاتهم. وضمن هذه المنحة، إستطاع المستشفى شراء الأجهزة الطبية التي تساعد في تأهيل مصابي المرض، والقدرة على الإستمرارية في تقديم الخدمة الأفضل لمصابي هذا المرض وعقد ورشات عمل توعوية وتثقيفية للمصابين وذويهم حول كيفية التعامل مع المرض والعيش معه، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم. لقد ساهم هذا الدعم في تمكين المستشفى من تقديم خدمة صحية أفضل، وأعاد للمرضى وأهاليهم الأمل في الحياة. تقول أمل، أخصائية العلاج الطبيعي، والتي تابعت محمد منذ اليوم الأول لتشخيص حالته، والتي تقوم بزيارات بيتية للحالات التي تعالجها ضمن هذا البرنامج، "نحن نشخص حالتهم، نثقفهم حول الحالة، نقدم لهم العلاج، ونعطيهم الأمل في حياة أفضل."
يقدم المركز حاليا العلاج لـ 54 حالة من التليف الكيسي في الضفة الغربية. تضيف أمل، أخصائية العلاج الطبيعي، "لقد تمكنا من إعطاء محمد الدافع للإستمرار في حياته في المجتمع. إستطاع بمتابعتنا وإصراره الإنخراط بمن حوله. أن أكثر ما يطمح له في هذه الأيام هو القدرة على العودة إلى المدرسة. لقد زرعنا فيه الأمل والتصميم والإرادة القوية، فحياته تهمنا كما تهمه. تعطي زياراتنا البيتية محمد وعائلته الدعم والتشجيع لمتابعة حالة ابنهم والاستمرار في مساعدته على التواصل مع العلاج والحياة." يعبر خالد، والد محمد، عن شعوره تجاه المركز ويقول، "مستشفى الكاريتاس هو نعمة من الله."
أصر محمد على العودة للمستشفى مع أمل وزميلتها هبة لكي يخضع للعلاج، فحالته تستوجب أن يرقد في المستشفى مدة أسبوعين كل ثمانية أسابيع لكي يأخد المضادات الحيوية في الوريد، بالإضافة إلى جلسات علاج طبيعي مكثف. هناك، يعرف محمد كل قسم وكل غرفة وكل ممرض وموظف داخل المستشفى. في زيارته الأخيرة للمستشفى، إستقل محمد الحافلة وحيدا من قريته ووصل إلى المستشفى لكي يخضع للعلاج. "أشعر بالراحة الشديدة عندما أكون بين أهلي هناك،" يقول محمد، ويتابع، "أشعر أنني طفل طبيعي، من حقي أن ألعب وأمرح وأمارس هواياتي، وأضحك وأحلم بماذا سأصبح عندما أكبر!"
عن pnn

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024