تحف فسيفسـائية في فلسطين وسنابك خيل الصليبيين في حطين
تمتاز فلسطين بوفرة وندرة مكتشفاتها الأثرية لكن صفورية موقع أثري مميز وفريد تروي معالمه تاريخ البلاد على امتداد كل العصور.
على تلة مباركة بينابيع غزيرة تتوسط منطقة سهلية بين الناصرة وحيفا قامت صفورية وتوالت الحياة فيها على امتداد التاريخ حتى دمرتها إسرائيل عام 1948 وأقامت على أنقاضها مستوطنة تحمل اسمًا مشابها، " تسيبوري".
ومنذ الحفرية الأولى،على يد بعثة أثرية أمريكية عام 1931 تتواصل التنقيبات الأثرية في صفورية ومنطقتها وهذا الأسبوع تم اكتشاف البلدة في العصرين البرونزي والكنعاني.
ويؤكد الباحث الأثري ابن مدينة سخنين د. محمد خلايلة، نائب المدير العام في سلطة الآثار والمسؤول العلمي عن التنقيبات الأثرية الجديدة لـ دوت كوم أنه تم اكتشاف موجودات عمرها سبعة آلاف سنة.
العهد الكنعاني
ويشير خلايلة الى انه تم العثور على ملامح مدينة عمرها أربعة آلاف سنة من بداية العهد الكنعاني، تمتد على مساحة 80 دونمًا.
ويوضح أن الموجودات الأثرية التي يتم اكتشافها اليوم في تنقيبات على جانبي شارع صفورية - الرينة( ستستمر عاما آخر) والمعروفة بتنقيبات " عيون صفورية تظهر انتقال الإنسان من الأدوات الحجرية (الصوانية ) للأواني الفخارية التي ساهمت بتطوره وبدء ازدهار الناحية العمرانية.
ويضيف" وجدنا تماثيل صغيرة، صحونا،أدوات وجرارا فخارية وأدوات زينة وأدوات دينية خاصة بتقديم القرابين وغيرها من الآثار التي تدلل على ازدهار الحياة آنذاك في المكان".
عاصمة الجليل
وقد احتل الرومان صفورية عام 63 قبل الميلاد وما لبثت أن تحولت لمركز إداري للحكم الروماني في الجليل.
و يشير خلايلة الى أن سر ازدهار صفورية عبر العصور يكمن بوفرة ينابيعها وآبارها هذا لجانب الظهير الزراعي والمراعي ومساحات الصيد كالغابات الكثيفة المحيطة بها.
ويتابع" الماء سر الحياة فالقدس التاريخية مثلا نواتها سلوان المتميزة بعيون مائها".
كما يشير أن تحف الفسيفساء التي يتواصل اكتشافها في صفورية من العصرين الروماني- البيزنطي (بعدما اكتشفتها للمرة الأولى بعثة أمريكية قبل عقدين) تعتبر من أجمل الأعمال الفسيفسائية في البلاد والعالم ويقول إن أجزاء كبيرة منها نجت وبقيت طيلة 1500عاما.
لوحات فسيفسائية
ومن ضمنها أرضية بيت كبير معروف بـ" البيت الروماني" مرصوفة بالفسيفساء المزركش من الحقبة الرومانية تزدان برسومات في غاية الدقة والجمال.
البيت الذي هدم جراء هزة أرضية عام 363 تتخلله ساحة داخلية تحيط بها أعمدة وغرف سكن ومخازن. وداخل صالة طعام تحتوي الأرضية الفسيفسائية رسومات جميلة تصف الاحتفالات الخاصة بإله الخمر،ديونيسيوس وصورة نادرة لإمرأة ابتسامتها غامضة.
موناليزا الجليل
ولقبت المرأة هذه على يد الباحثين والأثريين بـ " موناليزا الجليل" فهي كالموناليزا الإيطالية ترمقك بنظرتها من أينما نظرت لها.
وفي موقع مجاور اكتشفت أعمال فنية من الفسيفساء داخل بيت " عيد النيل " تصف احتفالات وأعياد الناس بارتفاع منسوب نهر النيل وفيها تظهر مدينة الإسكندرية ومنارتها الأسطورية،أحدى عجائب العالم السبع القديمة.
كما تشمل أرضية فسيفسائية أخرى مجاورة رسمت فيها بحرفية وجمالية عاليتين أشكال آدمية،حيوانات عادية وأسطورية ونباتات وزوج من الصيادين.
فلسطين ومصر
وتعكس هذه اللوحات الفنية، برأي الباحثين، علاقات التعاون بين فلسطين ومصر في الفترة البيزنطية ويرجحون أنها بنيت على يد فنانين من مصر.
وتمتاز البلدة القائمة على موقع أثري بوفرة عيونها وبخصوبة أراضيها وبشبكة طرقاتها المعبدة بالحجارة الجيرية الصلبة.
وبمحاذاة الشارع المركزي تبدو آثار حوانيت كانت جزءا من السوق ويمكن ملاحظة آثار عجلات العربات في ألواح حجارة الشارع نتيجة تكرار مرورها مدة طويلة.
واكتشفت في المكان أنفاق لتزويد المدينة البيزنطية بالمياه تنبع من جبل الناصرة وهي بطول 260 مترا وبارتفاع عشرة أمتار حفرت في الصخر تحت الأرض وتمت طلاوتها بغلاف من الطين.
وتشمل المدينة الأثرية مسرحًا رومانيًا يتسع لـ 4500 مقعد حجري يشرف على سهل البطوف ويعتبره الباحثون دليلا على مدى ازدهار المدينة وعلى مقربة منها آثار كنيسة وحمامات وبقايا بيوت وبرك للطهارة.
وعلى مقربة منها قلعة إسلامية مكونة من طابقين تقوم على أسس قلعة صليبية، بناها حاكم الجليل ظاهر العمر الزيداني في القرن الثامن عشر.
واستخدمت في بنائها أحجار منحوتة بعضها يحوي نقوشا فنية ومدافن صخرية من الفترة الرومانية ومدخل القلعة واسع يزينه بناء قوسي.
ويشير الباحث الأثري الدكتور ابن دبورية وليد أطرش المسؤول العلمي في سلطة الآثار في منطقة الشمال لـ" للقدس دوت كوم" أن صفورية وقعت بيد المسلمين بعدما فتحها شرحبيل بن حسناء عام 13 هجري.
ويوضح أن صفورية لم تحتل مكانة بارزة في التاريخ الإسلامي مقارنة بمواقع فلسطينية أخرى، عدا في فترة المماليك حيث شهدت ازدهارا كمركز إستراتيجي على منتصف الطريق بين عكا وطبريا.
وفي الفترة الصليبية استخدمت صفورية كمدينة وقلعة حصينة انطلق الصليبيون منها نحو معركة حطين المجاورة عام 1187 حيث هزمهم صلاح الدين الأيوبي وحرّر القدس من احتلالهم.
ويقول أطرش أن الحفريات الحالية كشفت عن عدد كبير من حذوات الخيل والأسهم الخارقة للجلد في منطقة عين صفورية التي انطلق منها الصليبيون نحو حطين.