الحوار الاقتصادي ورؤية الأطراف المشاركة
زلفى شحرور
طلب الرئيس محمود عباس من الحكومة إدارة حوار اقتصادي لنقاش خطوات يمكن أن تخفف من حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع الفلسطيني على خلفية ارتفاع الأسعار وعلى الأخص منها المحروقات.
وأعلن رئيس الوزراء سلام فياض عن فتح هذا الحوار، والذي من المقرر أن يستضيفه معهد الدراسات الاقتصادية "ماس" مساء اليوم الأحد.
"وفا" استطلعت أراء جهات مشاركة في هذا الحوار، وظهر تباين في فهم الأطراف للحوار.
وزير الاقتصاد: الحوار لمناقشة وتبادل الأفكار للخروج من الأزمة
وقال وزير الاقتصاد الوطني جواد ناجي عن الحوار: "هو لقاء لمناقشة وتبادل الأفكار فيما يتعلق بالأزمة التي نمر فيها، وفيما يتعلق تحديدا بغلاء الأسعار والوضع الاقتصادي مع شركائنا من القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأضاف "تسعى الحكومة جاهدة لإيجاد أفضل السبل لمعالجة هذه الظاهرة، وتبحث مع شركائها عن أفضل الآليات للتدخل.
وأوضح ناجي أن الحكومة ستقوم بعرض توصياتها الأولية في اللجنة الوزارية الاقتصادية لنقاشها معهم، وأن هذا الحوار اليوم سيكون فقط مخصصا لمناقشة الأوضاع الاقتصادية مع الأزمة المالية، وأن هذا الاجتماع سيشكل رؤية أولية لكيفية معالجة هذا الوضع الناشئ عن غلاء الأسعار لبعض السلع وستعرض على الحكومة لتنفيذها ضمن الإمكانيات.
وأكد أن الحوار يختلف عن الحوار المالي الذي ركز على قضايا خلافية بين الحكومة والقطاع الخاص، وأن الحوار الاقتصادي مع القطاع الخاص دائم ومستمر وهو شريك للحكومة.
حليلة: هذا ليس حوارا بل ندوة للنقاش
من جهته، رفض القطاع الخاص وعلى لسان المدير التنفيذي لـ"باديكو" سمير حليلة رؤية الحكومة لهذا الحوار واعتبره ندوة للنقاش سيشارك فيها.
وقال حليلة "نحن مدعوين لندوة اقتصادية بدعوة من "ماس" وليس لحوار على أسس وطريقة لتنظيمه، والدعوة له من المفروض أن تتم بصورة مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص.
وأضاف أن الدعوة لنقاش الموضوع في ندوة بحضور رئيس الوزراء وعدد من وزرائه، إضافة إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني، وسنذهب ونقدم وجهة نظرنا، وهذه الندوة ليست انطلاقة لحوار اقتصادي وليست جزءا من الحوار الاقتصادي الذي ندعو له (سبق لحليلة أن دعا أكثر من مرة في تصريحات صحفية لحوار اقتصادي يهدف لدراسة إعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني).
وعن موقف القطاع الخاص من الأزمة الراهنة، قال "نرى أن هناك أكثر من طريقة لحل الأزمة والتخفيف عن الناس، ورأينا أن هناك طرقا مختلفة لا تزيد أزمة ولا تزيد العبء على المواطنين. سنقدم اقتراحاتنا، ولكن ليس في إطار حوار.
ويرى حليلة أن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى بحث تفصيلي يتعلق بالسياسات المالية والاقتصادية التي تتخذها الحكومة من اليوم الأول لسد العجز بدءا من فرض ضرائب جديدة، قائلا "الحكومة لم تحدد سياسية اقتصادية بالتعاون مع شركائها، وقراراتها أحادية قصيرة المدى وذات طبيعة ضاغطة على المجتمع".
وأكد حليلة ردا على سؤال لـ"وفا" حول دور القطاع في حل هذه الأزمات والتخفيف منها، أن أبوابهم مفتوحة للحوار، قائلا "دفعنا ثمن هذه الأزمة برفع الضرائب، ونحن جاهزون ولكن في إطار الشراكة، وسنقدم في إطار حوار اقتصادي شامل حزمة شاملة من الترتيبات والاتفاقيات والسياسات وجاهزون لتحمل مسؤوليتنا، ولكن في الإطار الحالي من العلاقة التي تدار فيها السياسات بطريقة أحادية، نحن غير جاهزين لأي شيء وليس مطلوبا منا أي شيء.
عبد الله: الحوار يجب أن يكون سريعا ويتوصل لاقتراحات عملية
وقال مدير عام معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية "ماس" سمير عبد الله، إن الهدف من الحوار دراسة مخرج لهذه الأزمة المالية وارتفاع أسعار، والاحتجاجات في الشارع على ربط الأسعار بالضريبة المضافة وبالذات المحروقات، والبحث عن بدائل، وربما اقتراح سياسات لمحاربة التهرب الضريبي تساهم في معالجة الموضوع.
وأضاف "الحوار يجب أن يكون سريعا ويتوصل لاقتراحات عملية قادرة السلطة على تنفيذها، والحديث عن إلغاء اتفاق باريس الاقتصادي هو نوع من الهذيان لأنه مرتبط باتفاق أوسلو، والتحرر منه يعني التحرر من أوسلو، وهو ما يعني حل السلطة الوطنية.
وعن إمكانيات السلطة بالتخفيف من قيم الضريبة المضافة على المواد الأساسية، أكد عبد الله صعوبة ذلك لأنها خدمات مشتركة، لكن يمكن ذلك فقط في الخدمات المصرفية وخدمات صفقات الأراضي المعزولة عن إسرائيل وهذه لا تمس حياة الفقراء.
وأشار إلى أن الحل يكمن في توسيع قائمة المستفيدين من الشؤون الاجتماعية، وإيجاد آلية للتكافل الاجتماعي من قبل الجاليات الفلسطينية لدعم خدمات الصحة والتعليم من هذه المبادرات.
ولفت عبد الله إلى أن الارتفاعات التي يشهدها السوق مثل ارتفاع أسعار البندورة هي مؤقتة، وتشكل شهر عسل للمزارع، لافتا لوجود منافسة حادة في السوق الفلسطيني على المواد الغذائية والملابس وغيرها باستثناء الكهرباء والمياه والمحروقات.
وأشار لأهمية هذا اللقاء، خاصة وأن هناك ارتفاعات في أسعار الطحين والزيت والذرة والسكر عالميا خلال الشهر الماضي والجاري، ومرشحة للارتفاع في ظل فقدان دول المصدر لحوالي 45% من إنتاجها بسبب المناخ، وأن نسب التضخم خلال السنة والنصف الماضية كانت معقولة وسجلت فقط نسبا وصلت إلى 3.5%.
الشعيبي: الحوار تحت ضغط الحاجة يضعفه
واتهم المفوض العام للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" عزمي الشعيبي، المجتمع المدني بالتقصير تجاه هذه القضية، وأنه لم يناقش بالأفكار والحلول لهذه الأزمة، معيدا ذلك لانشغال مؤسسات المجتمع المدني بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، واهتمام المجتمع المدني بالحياة اليومية ضعيف.
وتمنى الشعبي أن يكون هذا الحوار آلية دائمة وليست موسمية حتى يعطي نتائجه الموضوعية، لأن إجراء الحوار تحت ضغط التوترات يضعف القدرة على تقديم اقتراحات تضامنية شاملة من كل الأطراف.
وقال: في التوتر كل طرف يدير البساط لمصلحته وتغيب الموضوعية، وهذا لا يمكن تسميته حوارا لأنه يبحث عن مصالح ضيقة لمجموعات ولا يبحث عن حلول لمشكلة وطنية.
وأضاف "من حيث المبدأ رحبنا بالحوار، ونأمل أن يخرج باقتراحات تؤدي إلى توزيع الأعباء، لأن العبء إذا وزع وفقا لقدرات الناس على التحمل، يسهل حمله.
ويرى الشعيبي أن القطاع الخاص العقلاني والذي يفهم مصالحه بعيدة المدى سيساهم في الحل، لأن قدرته على التحمل أكبر من الأطراف غير القادرة على الصمود أكثر، لكن شرط التحمل إلى المدى الذي لا يكسره، ويمكن للقطاع الخاص تقليل نسب أرباحه لحين مرور الأزمة لأن للقطاع الخاص مصلحة كبيرة في الصمود، وهو من سيرث الاقتصاد في مرحلة التحرر.
وقال الشعيبي "المطلوب من السلطة التدخل في هذه المرة، وتحديد هامش الربح في قائمة المواد الأساسية وألا تتركها للمنافسة في السوق، وأن تفرض رقابة شديدة على السوق لضمان تنفيذها مع عقوبات رادعة للمخالفين، مع وجود برنامج اجتماعي لتوفيرها لمن لا يستطيعون.
وأضاف "كذلك على السلطة التحرر من بعض بنود اتفاق باريس الاقتصادي بتخفيض الجمارك والضرائب على هذه المواد، وعلينا عدم الالتزام بالضريبة المضافة كما تفرضها إسرائيل على السلع الأساسية.
واعتبر الشعيبي ما يجري مناسبة لكسر القيد الإسرائيلي على الفوارق بالسعر بيننا وبينهم في تسعيرة الوقود، داعيا لدعم الغاز لأنه مادة يستخدمها الغني والفقير، وكذلك السولار لصالح المواصلات العامة، مع فرض تسعيرة مخفضة لمواصلات النقل العام بحيث تتناسب مع سعر السولار.