الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم  

"فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم

الآن

زهير أبو شايب يشتق الشعر من «ظل الليل..» - احمد دحبور

كما ينفجر الفطر في ربيع خصيب، فاجأتنا كوكبة من الشعراء الفلسطينيين المقيمين في الأردن. بزغوا بلا مقدمات أو تمهيد، وسرعان ما شكلوا حركة نوعية في خريطة الشعر العربي ذي الحركات المتنوعة. وقد شد انتباهي بينهم بصورة خاصة، شاعران متميزان، لا لتفوقهما على أقرانهما، فقد ولى زمن المفاضلات التسطيحية، ولكن هذين الشاعرين وهما طاهر رياض وزهير أبو شايب، فرضا حضورهما بأناقة اللغة، واعادة الاعتبار إلى الكلاسيكية لا بما هي نسق تقليدي، بل بما هي خطاب صادر عن موهبة مثقفة تعنى بقوام القصيدة وامتلائها بزخم الماضي بقدر انفتاحها على الجديد.. ويناديني لهذه المناسبة زهير أبو شايب في آخر مجموعاته الشعرية «ظل الليل» وقد صدرت عام 1911، في طبعة بهية يزينها غلاف رصين صممه الشاعر ونفذه.. فهو بهذا المعنى تشكيلي أنيق بقدر ما هو شاعر مجيد.
ولد زهير ياسر أبو شايب عام 1958، في دير الغصون من أعمال طولكرم، وعمل في التدريس ردحاً من الزمن إلى أن استقرت به الهواية والموهبة في مجال التصميم والغرافيك، وقد أصدر عددا من المجموعات الشعرية، هي «جغرافيا الريح والأسئلة - دفتر الأحوال والمقامات - سيرة العشب - باب النعاس» وأخيراً هذه المجموعة: ظل الليل..
وزهير الذي يعنى بالنقد الأدبي، شارك في تحرير كتاب «الشعر الحديث في الأردن» كما أصدر سلسلة مقالات في كتابه «شجرة الجوز القاسية»، وله مسرحية بعنوان «بياض أعمى» ومخطوط يصدر قريباً بعنوان «الخطاب الفردوسي» وهو مقاربات في الشعر الجاهلي.
ولا يزال في ريعان عطائه الشعري أساساً، المواكب للحياة والثقافة في مختلف نواحي الابداع وإلى ذلك لا يظل زهير أبو شايب مثقفاً متعففاً عن الاعلان المجاني تاركاً لانتاجه ان يقول الكلمة السواء.. وقد قيلت هذه الكلمة حتى لا يمكن رسم خريطة للمشهد الثقافي الراهن من غير الوقوف بكل اعتراف واحترام لهذه القامة المتطلعة.
ظل الليل
والليل في العرف الشعري الذي يتبناه زهير أبو شايب، هو تلك اللحظة التي تشكل مدخلاً إلى كل معجزة، إذ هي خلاصة أسرارنا التي تعتمل في الخفاء «حيث يخرج الكائن واللاكائن من الجوهر نفسه فلا يختلفان إلا باسميهما» وعلى هذا الجوهر المكنون في النفس الانسانية يراهن الشاعر ويسبح في فضاء شبه ميتافيزيقي مسلحاً بما يكفي من العتمة، مستطلعاً ما يرى من الأسماء، ناشداً تفسير الظلام، وحتى لا نكون كالأعمى الذي يبحث في غرفة معتمة عن قطة ليست موجودة، تعالوا نمسك طرف الخيط من الشرفة التي تطل منها القصيدة، فماذا نرى وماذا نأخذ من هذه التجربة؟ يقول في أحد مقاطعه الشعرية المركزة:
.. سنقول للتاريخ:
خذ ما شئت من أسمائنا،
واترك لنا بعض السراب،
لكي نرى كم نخلة فصحى، وكم حلماً،
وكم صحراء فينا
ففي هذا الشعر المختلف عن الشعر الشائع، استقصاء لموجوداتنا الخفية من النخلة إلى الحلم إلى الصحراء حتى لو أتت هذه الموجودات محمولة على السراب، على انه سراب غير معطل ما دامت المعادلة تقايض أسماءنا بالتاريخ.. وهذا كلام يقول ولا يقول، إنه غمضة تشف عن تطلع صعب إلى تحقيق الذات في ضوء قراءة التاريخ، وهي غمغمة تحتاج إلى تراكم الأقوال والرؤى حتى تنبلج الفكرة غير المصرح بها. ولعل هذا الاستقصاء مكابدة لشق العتمة عسى أن تسفر عن شيء أو ضوء فتنطق النخلة، بما هي ركن من ذاكرتنا العربية، وتفصح عن الأحلام المخبوءة في لاوعينا وعن الخيبات التي تأخذ شكل الصحراء.. لكن هذا السراب الليلي لم يقل كلمته بعد:
ولكنني بعد لم أتعلم من الليل،
كيف أعود إلى حضن أمي
ونلاحظ أن التوغل في السراب كان على لسان الجماعة: نحن، أما الاعتراف بالعودة إلى النبع، إلى حضن الأم، فمن الطبيعي أن يأتي فردياً: أنا، حيث يقول: ما تعلمت شيئاً سوى اسمي.
على انه حصاد غير قليل، فان يظفر الشاعر باسمه، معناه في حومة الشعر، أنه ظفر بهويته التي إن لم يتعلم سواها فهي خلاصة معارفة ورؤاه. هكذا ينطلق من الذات بما هي مرآة للوجود، ألم يقل شعرنا القديم:
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر؟
فإلى العالم الأكبر نمضي مع هذا الشاعر في سعيه لاختراق ظل الليل حيث يرى في اهابه صورة الوجود وتضاريس الحياة:
وأنت كما أنت، تزداد أودية،
وتطل على اللامكان الذي ينبت الليل فيه،
وما علينا إلا أن نتقرى الأودية والسهول والبحار التي تتموج في رؤياه حتى ندرك إلى أين تقوده خطاه.
تفسير الظلام
في قصيدته الأولى من هذه المجموعة، «تفسير الظلام» تنبو عبارة دالة: كل هذا الليل لي وحدي.. ولنا أن نفهم الليل بما هو وقت الوحدة والتأمل كما أن له محمولاته المثقلة بالظلام، وسرعان ما نكتشف ان ظلامه كامن فيه فهو القائل: «لا أدري إلى أين»، والمعترف بعدم الانسجام: «اختلفت مع التراب على اسمه واسمي، اختلفت مع الطبيعة والحقيقة والفضيلة والرذيلة، واختلفت معي وليس معي دليل واحد يكفي لأعرف من أنا»، فخلال وحدته في الليل يصل إلى أن الليل هو ظلام الرؤيا من حيث أنه لا يرى الدليل الذي يهديه إلى نفسه، وأولى علامات الغربة عنده، تلك القطيعة مع الأصول :
الآن، لا أنا ذكريات أبي،
ولا أنا ظله
وفي مكان آخر، القصيدة التالية تحديداً، يقول: «لا أهل، لا أعداء لي، لا ضوء، لا رغبة» بل إنه يعترف بصراحة: «ولم أطع قط سوى الغربة».
على أن هذا الاغتراب الوجودي لا يعني عدم المعرفة، بل يعني، بكل أسى ومعاناة، عدم المصالحة، حتى مع النفس، وإلا فإن عليه أن يجد هذه النفس حتى تستقيم الأشياء:
ليكن.. تقمصت الظلام ونمت فيه،
ولم أجد نفسي لأصحو
على أن هذا الاغتراب الوجودي ليس مجرداً، فلنستعن بالنقد الثقافي الذي يسمح لنا أن نطل على المبدع من خارج النص، حيث تمنحنا الحياة المحيطة بحالة الابداع أضواء نسقطها على المبدع فنعرف منه، ومن معرفتنا به نعيد اكتشاف النص، وما نعرفه عن حياة زهير من خارج النص هو أنه فلسطيني.. وهذه المعلومة ستشرح لنا مباشرة ما يريد حين يقول:
لم تتركوا أرضا لنحلم فوقها
فدعوا السماء مكانها لنرى
وإذا كان التأويل السياسي يعد تدخلاً في جوّانيه القصيدة، فإن تجربة الشاعر تشف عن أسرار تسمح بالتدخل:
جئنا ولم يكن المكان هنا
وهي مفارقة تؤسس للدهشة بما هي كلمة الشعر السرية. فالشعر بؤرة مفاجآت لغوية وسيكولوجية ووجودية، وبهذا المعنى فأن تكون شاعراً فلسطينياً مشغولاً بفلسطينيتك يعني أن الدهشة ازاء العالم وقراءة مفارقات هذا العالم ستكونان من مفاتيح القارئ لولوج أبوابك المغلقة. فكل أرض تصلح لتكون مكاناً، أما مكان الشاعر فهو أرض ذات حيثية خاصة، يقول محمود درويش:
كل البلاد بلادنا ونصيبنا منها بريد
فأنت المتاح لك بوصفك بشرياً، أن يكون لك مكان وبلاد، يصدمك واقع فلسطيني محذوف المكان، ويواصل زهير أبو شايب مفارقته الوجودية الوطنية:
وعلقنا المنازل في الجبال،
كأنها أرواح جدات
وألفنا السنينا
والواقع أن التغريبة الفلسطينية لم تعلق المنازل بالجبال فقط، بل على جدران القلوب والأرواح أيضاً ليصار إلى زمن آخر لم نعش فيه بعد وإن قمنا بتأليف السنين.
الأرض والسماء
أعترف لقارئ يتابع محاولاتي النقدية، انني لم أتميز في هذه الزاوية بالوضوح الذي ربما كان من علاماتي في محاولاتي السابقة. على أنني لم أدخل الغرفة المعتمة لأبحث عن القطة السوداء كما أشرت في بداية المقالة وللمناسبة: هذه مقاربة نقلتها من محفوظات مطلع شبابي، ولعل من رواها لي صديق العمر الشاعر نزيه أبو عفش - وبالعودة إلى السياق، لا أعتذر عن غياب الوضوح بقدر ما أحاول تفسير المفارقة. فأنا أمام شاعر فلسطيني يبحث عن مفقوداته في فضاء شبه ميتافيزيقي.
أما لماذا هو شبه وليس ميتافيزيقياً تماماً، فلأن هذا الشعر لا يخوض في الغيب مباشرة، ولكن ما يقارب خطاب الغيب عنده، هو الحيرة أمام المجهول واللامعقول، فهو الذي يهمس:
خل المكان مكانه لتعود،
خل الأرض أكثر والسماء أقل
وكما سبقت الاشارة، إن التأويل السياسي يتدخل في أسرار النص أحياناً، فهل أستطيع مثلاً أن أتجاوز فلسطينية هذا الكلام الذي يفتقد صاحبه المكان؟ إن الصوت الآخر، هو الأنا الأعلى للشاعر وهو يهيب به أن يبقى المكان - الوطن، حيث هو في الذاكرة حتى يتمكن من العودة إلى هذا المكان يوماً، وهو يدعوه إلى استبقاء كثير من الأرض في الذاكرة، والكثير هو أن تكون الأرض المفقودة مكانه الكلي، أما السماء الأقل فهي باب الانتظار اللامحدود، وقد اكتفى الفلسطيني من هذا الانتظار، أما الشعر فها هو:
خل الذئب في الرؤيا،
لتبحث عن دم كذب على القمصان
فاستعارة النص الغائب من سورة يوسف، تأتي بموازة الأنا الأعلى، لتعيد من خلال الرؤيا والدم المكذوب مأساة خذلان الأشقاء للشقيق المرمي في الجب، وهو لا يحاكم الأشقاء تاريخياً:
ولينته التاريخ
ما لك أنت والتاريخ
والتاريخ في هذا السياق هو مدى شعري، يتعامل مع المأساة بحساسية الأسطورة وحرج الواقع، وليس المقصود بالتاريخ في هذا السياق محاكمة الماضي بعين الحاضر أو محاكمة الحاضر بما هو آلام وجراح:
ولدي ما يكفي من الماضي،
لأدفن فيه رأسي عند كل اشارة،
لكنني اخترت الحياة على ضفاف الموت
والمفارقة أن الحياة على ضفاف الموت هي حياة مؤجلة، ولكن الماضي مليء بكل مقدمات الليل، فليختبر حظه من الماضي والحياة والموت في هذا الليل بمعنييه الظلامي والحالم:
ليأت الليل من كل الجهات إذن،
ليأت بكامل المعنى إليّ،
وكامل الارباك
وفي هذا الارباك السرمدي لا يملك الشاعر نعمة المكان حتى لو اتسعت الأرض، ولا تسعفه السماء بما هي انتظار فادح الألم، فهل الليل منزلة بين المنزلتين؟ إن اللغة المشتقة من تراب هذه الأرض لها حلولها، فهي لا تتوزع بين الأرض والسماء، لكنها قد تختار من أهل الأرض من هم ماضون إلى السماء. الشهداء مثلاً، وفي قصيدة «شهداء» نقرأ: «رفعوا الهواء على سواعدهم ومروا تحته طلقاء» وهم في حريتهم يثوون ليعلموا الأرض كيف تحفظ ذكراهم:
.. قالوا للبيوت! خذي روائحنا،
وعودي، واحفظي أسماءنا
وبين الأرض والسماء ينمو الشهداء ويأملون فنقول بلسانهم: لا شيء يمنعنا من الأمل..
النص الغائب
ما من نص أدبي يخلو من نص غائب، فنحن إنما نعيد انتاج آثار سابقة وتجارب سابقة، وللمفارقة فإننا نصل إلى نتائج سابقة، واذا قال الكتاب المقدس: لا جديد تحت الشمس، فإن مسيرة الابداع في التاريخ تقول إن الجديد هو اعادة الاكتشاف ورؤية الأشياء.
فعندما يقول زهير أبو شايب: «أضع ظل عمتك النخلة العربية» فهو يستحضر نصاً غائباً ويوقظ فينا الحديث النبوي حول عمتنا النخلة، ولكن بعد أن يضيف إليها «الزمن المترامي من حولنا»، وعندما يشير إلى دم حجر، فإنه يستحضر بالضرورة مأساة الشاعر الجاهلي أمرئ القيس وصاحبه وملك قيصر ومطالبته بثأر أبيه الملك حجر، وقوله:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
واسم قيصر يضمر نصاً غائباً يتعلق بملك روما التي سرعان ما تحضر في هذا الشعر. حتى إذا اقتربت الصورة الشعرية من الواقع، لم يعد النص غائباً بل هو البلاد: «ولا تسأل الليل، من أين أنت، وأين بلادك فالليل لا يتذكر»، وتكون رحلته بالتالي ضرباً من المنفى بعيداً عن البيت - الوطن:
لكني حين رجعت
وجدت المنفى ينطر خلف الباب
ولم أجد البيت
وسيوصله النص الغائب إلى آدم وحواء وغواية الأفعى التي أغرتهما بالتفاحة فتكشفت عن حقيقة ابليس. لكن هذا الشطط الميتافيزيقي له جذر في الواقع يتناول متاهة الانسان بين ثنائيات الليل والنهار، والأرض والسماء، والخير والشر، لكن كما تسائل جائعاً عن حصيلة جمع واحد إلى اثنين فيجيبك على الفور: ثلاثة أرغفة.. بمعنى أن الشاعر يحوم ما شاء له التحليق في التأملات التاريخية والمجردة لكن النص الغائب سرعان ما يجتمع اليه في اهاب فلسطين. فالجرح الوطني هو جرح وجودي، وما عليه إلا مواصلة البحث ليصل إلى ما بدأ به وحتى يتحول النص الغائب إلى وطن حاضر.
هذا الشعر
يقع هذا الشعر جمالياً في منطقة حذرة، فهو ينتمي إلى الحداثة من حيث الافتراق عن الخطاب التقليدي، لكن جمهرة غير قليلة من المحدثين ترفض امتثاله للوزن والقافية:
مع انه وزن حساس لا يجامل الأذن الممعنة على الطرب حتى لو تميز بجرس مختلف وايقاع جديد، فهو يستمد حداثته من خصوصية الخطاب وأناقة العبارة.
«انني أتذكر، كان لنا وطن عند تلك السماء - وحين ذهبنا إلى غدنا لم نجده - ولكننا لم نعد قط - ظلت خيالاتنا تذرع الليل سرا - كليل يفتش عن نفسه» بهذا الانتقال الرشيق من ضمير المتكلم المفرد إلى ضمير الجمع، والرحلة البادئة بحدود السماء لتصل إلى غد لم يوجد بعد، يصعب على الثقافة التقليدية أن تلتقط المعنى، وليس في ذلك حرج لسبب بسيط، هو أن المعنى هنا غير مطلوب، وإن كان يعوضه الاحساس بالاغتراب الوجودي في لغة تتقن الدهشة والمفاجأة.. وفي خطاب كهذا تتداخل الصورة في الفكرة ويلتبس الوعي الدلالي فلا نثق بأن هذا الليل الذي يبحث عن نفسه سيجد نفسه حقاً. ومن هنا صعوبة هذا الشعر وسلاسته معاً، واذا كان الليل عبارة عن هيمنة للظل على الموجودات، فإنه عند الشاعر يكتسب ظلاً بدوره، حتى لنسأل: إلى أي مكان يؤدي ظل الليل؟ وبطبيعة الحال، يحملنا التأويل على افتراضات تمنح النص قراءتين لا واحدة، فمن جهة هناك الانطباع الأول وهو جمالي محض، ومن جهة ثانية هناك الغموض الشفيف الذي يستفز المخيلة.
إن الشاعر يصغي إلى أشباح قابعة في ذاكرته ومخيلته، ويبلغ إلينا ما سمع:
قالوا لنا: موتوا على مهل موتوا من النسيان والملل
لا تذكرونا نحن من زمن آت، وأنتم عنه في شغل
إنما إيانا أن نظن أنها دعوة إلى النسيان والملل، إذ هي صيحة القوى الخفية فينا تدعونا إلى استشراف زمن لا تزال العين القاصرة المحدودة في شغل عنه، وليس علينا إلا الانتصار على النسيان والملل الذي تعيب هذه القوى الخفية على الوعي المسطح أن يغرق فيهما.
فالمطلوب، والأمر هكذا، ان نستنفر الحدس والخيال حتى نكون في كامل الأهلية لاستقبال هذا النوع من الخطاب الشعري.
 
 

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024