كهرباء غزة وشرعية التمثيل عند حماس
تطل بين الفينة والأخرى ، تصريحات إعلامية نارية ، من قبل متحدثي وصحفيي حركة حماس في قطاع غزة ، وكأنهم يقصدون من ذلك تلوين الوقائع وحرفها بإدعاءات معوجة ، ليحققوا انتصارات وهمية ، مكاسبها تجنى من الخارج ، وخساراتها يتحملها المواطن في قطاع غزة ، فإعلام حماس اعتاد أن يحقّر الكبير إن كان من غير صناعة حركته ، ويكبّر الصغير مهما كان مجهرياً ولكن يكفي أن حركته صنعته ، وليس في ابو تمام الشاعر غير صدق التشهيد على حالٍ يعيشه المواطن في غزة اليوم!! .
الانقلاب الدموي الذي نفذته عناصر تنتمي الى حركة حماس عام 2007 في حارات وشوارع وأسطح منازل القطاع ، والذي تحمّل الشعب الفلسطيني اثره أكثر من ألفين قتيل وطوابير من الجرحى والمعاقين ، وعدداً من الفارين في الجوار العربي ، إضافة الى سنوات خمس من الانقسام والشرذمة ، كلفت الشعب الفلسطيني الكثير من العناء ، والحصار والارهاق الجسدي والذهني ، وكادت أن تعصف بالنسيج المجتمعي برمته ، فحماس التي اطلقت لإذرعها الأمنية كامل الحرية في التعامل مع من يهدد "سلطتها" غضت الطرف عن كثير من التجاوزات اللانسانية ، من سحل للجثث وقتل للمصابين ورمي احياء من فوق الطوابق العليا، ولا تنسى الذاكرة اقتحام الافراح بالجيبات المدججة بالمسلحين ، وتمزيق صور الشهداء ، وتكسير الكراسي على رؤوس المدعوين الى أن هدأت وتيرتها وأصبحت تتعامل بقبضة أمنية باردة ولكنها لاسعة لدرجة الاغتيالات الجسدية الغير متبنّاه ، والتي تنسب الى مجهولين ، وحوار القضاء مع النائب العام وادارة السجون ، تمثلية فكاهية مكشوفة لسكان قطاع غزة ، والقول بالموقفين الغير جنائيين والغير محكومين وهم بالعشرات في سجونها ، أمر يقدح مصدقية حركة تدعي أنها " مقاومة" و أنها " إسلامية" فهولاء المعتقلين منذ خمس سنوات ، قادة أذرع مسلحة لمقاومة الاحتلال ، منهم زكي السكني قائد كتائب شهداء الاقصى الذراع المسلح لحركة فتح المحظورة اليوم في قطاع غزة ، والقول فيهم أنهم ليسوا معتقلين سياسيين ، قول هزيل يحتاج الى بنج موضعي في مسامع السامعين حتى يمرروا هذا الادعاء دون اشمئزاز .
بالعودة الى أزمة الكهرباء التي أصبحت أمراً طبيعياً جداً وحضورها من عدمه بات معتاداً ، في ظل القمع الذي من الممكن أن يواجهه أي معترض في حال عبّر عن عدم رضاه لواقع الكهرباء ، وبعد أن ادرجت أجهزة أمن حماس مثيري مشكلة الكهرباء ضمن قوائم الاتهامات الأمنية ، والارتباط مع العدو ، تراجعت نسبة المحتجين على الأزمة ، حتى قادة الفصائل ووجهاء المجتمع المدني ومتضرري القطاع الخاص ، كل هؤلاء اختفت اعتراضاتهم ليس بسبب حل أزمة الكهرباء ، ولكن حتى لا يقابلوا بعصى الشبه الأمنية ، والدخول في مربع الاتهامات بقلب نظام الحكم " الرباني " لصالح العدو الاسرائيلي .
فالكهرباء التي يتشرف بنورها سكان قطاع غزة ستة ساعات فقط ، لا تصلهم بوتيرة موحدة ، او برامج عادلة ، فالواسطة تشتغل في الوصل والقطع ، كما أن مربع اسماعيل هنية في مخيم الشاطيء ، ومحمود الزهار في شارع الصناعة بغزة قلما يجد المرء فيها الكهرباء غائبة ، فهي حاضرة لدواعي أمنية ، وقيادات أخرى أمثالهم يترفهون بالكهرباء تحت مظلة الدواعي الأمنية ، بينما البسطاء من الناس والمعارضين لحركة حماس وهم العامة ، طوافون على الظلام ، طواف المتعبّد في الصفا والمروة بعد غزارة ذنوبه .
ومن يعيش في قطاع غزة ، يسبح في غرائب الحياة ، بتفاصيل يومية من وجعها تضحك ، وشر البلية ما يضحك ، وفي الغريب ، ما صرح به قبل يومين طاهر النونو الناطق الرسمي باسم مكتب اسماعيل هنية ، القيادي الأبرز في حركة حماس بقطاع غزة ، أن اتفاقاً عقد مع الحكومة المصرية برئاسة هشام قنديل ينص على موافقة مصر زيادة توريد الكهرباء الى قطاع غزة ، وأن هذه الزيادة جاءت ثمرة زيارة هنية كرئيس للحكومة الفلسطينية ، الى مصر ، والانجاز " الحكومي" الحمساوي هذا كلامٌ في إعلام ، لم يلمسه بعد أو بعض المواطنين لا من قبل زيارة هنية الأولى ولا من بعدها ، وكثيرة هي ادعاءات حماس منذ تولي محمد مرسي " كرسي الأخوان" في القصر الجمهوري المصري ، بأن مصر تعرقل دخول الوقود القطري ، وأنها لا تعمل على حل أزمة الكهرباء ، ومستوى هذه التصريحات متخصصون ومعنيون ومطلعون في سلطة الطاقة التابعة لحركة حماس نفسها ، وللمشككين ، البحث عبر مستر جوجل عن هذه التصريحات ، لينير العقل بحقائق الأمور ، حتى قبل أيام من زيارة هنية الى مصر أو في فترة التأجيلات الغير معروفة أسبابها ، فسلطة طاقة كهرباء غزة ، علقت عجزها عن حل أزمة الكهرباء على مشجب العرقلة المصرية ، ولكن السيد النونو فجّر انتصاراً اعلامياً لحركة حماس ، ربما لكي يغيظ به السلطة الوطنية المستبعدة تماماً من زيارات الوفود الحمساوية الى مصر هذه الأيام ، بقوله أن مصر وافقت على زيادة كهرباء غزة ، الأمر الذي لم يلمسه المواطنون بعد .
النونو وتصريحاته تعبر فقط عن انجازات لـ "حكومة" وجدت نفسها مسيطرة على مليوني انسان في قطاع غزة ، بعد نهر من الدم ، ولكنه لا يعّبر عن هذه الملايين عندما تنام مغمومة ومدفونة بالعتمة ، ودوشة المواتير الخطرة ، وكان للنونو أن لا يختصر انتصارات هنية بعد غزوة التمثيل للشرعية الأخيرة في مصر ، بأزمة الكهرباء فقط ، وكان لتصريحه رنة وطنة عند شريحة الشباب العاطل عن العمل لو سمعوا منه حلاً لمشاكلهم ، أو المرضى الذين يدفعون الطائل والغالي في مستشفيات تحت الدرجات المعروفة في مصر ، لكي يعودوا أكثر مرضاً ، او ليته تحدث عن فتح المعبر لكل فئات الشعب ، ورفع المنع من السفر عن خصومهم الفصائليين ، وليته لم يتحدث عن التمثيل والشرعية ، حيث أن الحديث في هذا الموضوع له مطبات عميقة وجارفة ، فحماس بعلقيتها التي تدير شئون قطاع غزة ، تسير عاجلاً بالقطاع الى الانفصال عن الوطن فلسطين ، سواء المحتل منه عام 1948 أو الخاضع للسلطة الوطنية في الضفة الغربية ، والقدس ، والمسير في مخطط الانفصال مؤامرة ضد القدس والثوابت والأسرى و حق تقرير المصير ، واللاجئين ، وكان على الأخوة في مصر وخاصة الاخوانيين الحاكمين منهم اليوم أن يدركوا تماماً أن حركة حماس بكل ما جاءت وأحضرت وسيطرت وقالت ووعدت هي جزء من شعب فلسطين وليست كل الشعب ، وفوزها بالتشريعي وترأسها للحكومة العاشرة الى ما بعد الانقلاب ، فترة وانتهت ، ليدخل بعدها الشعب الفلسطيني مرحلة اللاشرعيات لأحد ، وأن الشرعي الوحيد في فلسطين أو مناطق الحكم الذاتي، ومنها قطاع غزة الفلسطيني هي شرعية الغلبان العاطل عن العمل والمريض المنهك من خدمات صحية معدمة وخريجي الجامعات فاقدي الوظائف ، ولدافعي الضرائب ، وفاقدي كهرباء حقيقية ومياه صالحة للشرب ، وللمحبوسين بدون محاكمات وللمطاردين على خلاف بالرأي ، وللمهددين بلبس تهم العمالة للمحتل اذا "شاغبوا" قرب الجندي المجهول ، تعبيراً عن ألألأمهم ، الشرعية لعامة الشعب المطحون في غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار ، وللذين يمارسون عشق الفلافل والحمص ، اضطرراً ونسوا مذاق اللحوم والسير في أسواق الطيبات من الرزق ، الشرعية لإيهاب ابو ندى الذي حرق نفسه احتجاجاً على الظلم ، وأن قبض والده ثمن ناره من هنية!! .
زيادة الكهرباء في غزة لن تجلب الشرعية لهنية ، لأن الكهرباء قبل وصوله الى الحكم كانت حاضرة بكامل نورها ومنيرها ، ومع حضوره غابت كثيراً وحضر ظلامها ، وعلى النونو أن يكون أدق بتصريحاته حتى لا يصدّر لسكان قطاع غزة أمالاً كانت حياةً معاشة قبل أن يسمع له تصريح .
عفا الله غزة وابقاها في قلب الوطن وابطّل مخطط الانفصال .