الاحتلال يهدم منشأة تجارية ومنزلين ويجرف اشجار زيتون في حزما وبيت حنينا    "التربية": 12,820 طالبا استُشهدوا و20,702 أصيبوا منذ بداية العدوان    الاحتلال يجبر الجرحى والمرضى على إخلاء المستشفى الاندونيسي شمال قطاع غزة    إصابة 3 مواطنين واعتقال رابع إثر اقتحام قوات الاحتلال مدينة نابلس ومخيم بلاطة    الأمم المتحدة تطلب رأي "العدل الدولية" في التزامات إسرائيل في فلسطين    عدوان اسرائيلي على مخيم طولكرم: شهيد وتدمير كبير في البنية التحتية وممتلكات المواطنين    الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان  

"التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان

الآن

من أين نبدأ النعي يا علي؟ - تامر المصري

على غير العادة، طلب مني عند مدخل السفارة، قبل وفاته بأيام أربعة؛ لا أكثر، وهو بكامل بشاشته وأناقته المتواضعة، في جو ربيعي ماطر، أن التقط له صورة لأرسلها له، فأجبته؛ لك أكثر من واحدة. ثم جاءني صباحا في اليوم التالي، ليخبرني بأن الطبيب قد نصحه بإجازة لمدة عشرين يوما سائلا: هل أطلبها وفقا لمسودة النص هذا؟ فأجبته: إن كنت ستأخذها وتلتزم الراحة فلمَ لا تطلبها، فرد قائلا: انسَ الأمر إذن. وقبل ذلك بأشهر، كانت لا تزال تحتفظ سفارة دولة فلسطين لدى جنوب إفريقيا، بأكبر علم فلسطيني، تم رفعه في مباريات كأس العالم عام 2010م، فطلب مني الاحتفاظ به وعدم إنهاكه في الفعاليات؛ مبررا ذلك؛ جادا ومازحا في آن واحد بقوله: قد نحتاجه يوما لنلف به تابوتا ما.
وذات مرة؛ خطر له أنه يفضفض عن نفسه، مستشيرا إياي في مسألة كتابة سيرته الذاتية، بما لا يتجاوز الصفحة الواحدة، ففعلت ذلك، وقدمتها له بنسختيها العربية والإنكليزية، دون أن يسألني عنها لاحقا، بعد أن اطمأن إلى أنني أحتفظ بها لدي. ثم أحضر لي في غيرة مرة أخرى، صورة شخصية بخلفية خضراء، يظهر فيها شبابه وشيبه معا، وقال إن هذه أحب الصور إلي، وأودع نسخة الكترونية منها طرفي. وفي مناسبة مفجعة بوفاة صديق تنزاني له، قال لي: قد تصحو ذات صباح، وتجدني ميتا.. وأنا أتساءل الآن؛ لماذا أعطاني علي حليمة كل هذه الإشارات، حول إحساسه بدنو الأجل، دون أن أنتبه إلى أنه قد يفاجئنا برحيله على هذا النحو، الذي اعتصرنا حزنا وألما وتعبا ..؟؟
 أعترفُ أن رحيل سفير دولة فلسطين لدى جمهورية جنوب إفريقيا علي حليمة، من أكثر الهزائم النفسية التي تعرضت لها في حياتي، وأفدح الخسارات المعنوية التي تهون بعدها أي خسارة. وأعترف أيضا أن هذا الرجل قد أبكاني حيا وميتا، وشدني إليه في وقت كنت أعتبر فيه أن تحرير العاطفة من أي أسر، سمة من سمات النضج المبكر، للتحلل من أي ضغط نفسي، في حياتنا الفلسطينية المليئة بالمطبات والأحزان. كما أعترف بأنني مدين لهذا السيد النبيل كما أراه دائما، بالكثير مما لا ينبغي التنكر فيه إليه، على المستويين الشخصي والمهني، وذلك في أوقات التناغم والتباين معه.. وأشهد بأن الشهم علي حليمة من خيرة السفراء، وأكرم الناس، وأكثرهم عملا وتفانيا وتواضعا، وحبا للوطن والأمة والإنسان.
 كثيرون من يمتدحون الموتى، من باب اذكروا محاسن موتاكم، ولكن ماذا لو لم يستطع هاو مثلي أن يعدد محاسن فقيده في مقالة أو اثنتين أو عشرة أو عشرين.. لقد صار الذكر منقوصا في هذا المقام. ولكني أجتهد لاستنهاض فكرة مفادها أن السفير علي حليمة، كان أنموذجا قائما بذاته، يصعب عليه القياس، ولا يخضع للمقارنة، وكان مدرسة أعتز بأنني أحد تلامذتها المقربين منه.
يراودني شعور بالتمني، منذ أول ساعة، شهدت أولى ردات الفعل على وفاته، في فلسطين وجنوب إفريقيا وزيمبابوي على وجه التحديد، والدول الإفريقية عموما، على المستويات السياسية والدبلوماسية والإعلامية، لأقول له كم كان رحيلك حدثا. وأخبره أن موته قد أفسد إجازة نهاية الأسبوع لدى الكثيرين، من سفراء ونواب وزراء ووزراء ورؤساء أيضا، خرجوا ليؤبنوك ويعلنوا أنهم قد خسروك، كما خسرتك القضية الفلسطينية، في ظرف لا يحتمل الخسارات.. أريد أن أقول له؛ أنت كبير يا أبا أحمد، وكبير جدا أيضا، وأنت رقم فلسطيني مهم، في الدبلوماسية والكرامة والانتماء.
ما أضيق الحياة، وأسوأ المرحلة، وأقبح الظرف، وأشد البلاء، حينما يولد من هو مثل هذا الرجل لاجئا، ويربو يتيما، ويعيش غريبا، ويموت في بلد، لينقل فيدفن في بلد آخر، دون أن يكون له قبر في ترشيحا التي كان يفاخر أنها آخر أرض فلسطينية سقطت عام 1948م، من غير أن أعرف من أين يبدأ النعي لوريد القلب؛ علي حليمة، بعد قراءة الفاتحة وأداء التحية على روحه بالسلام والرحمة والغفران!

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024