ناصر والمقاومة..... الشبيبة الطلابية - الجامعات الأردنية
لا بد أن الاخوة في مصر سيتحدثون كثيرا ً عن مناقب الزعيم الراحل، وأنا لا أريد إطلاقا ً أن أزيد على كلامهم أو أنقص منه، وانطلاقا ً من القاعدة التي تقول أن على الشعوب التعلم من دروس الماضي، وأن الاقتداء لا بد وأن يكون بالقادة العظام، فقد وجدت من الضروري الإشارة إلى أحد مناقب القادة العظام في ذلك الوقت، أولئك الذين تحولوا بمبادئهم وأسلوبهم في القيادة قبل كل شيء إلى رموز تلهم الأجيال حتى بعد رحيلهم عن هذا العالم المادي بسنوات طويلة تمتد لعقود وأجيال وقرون.
في كتابه (فلسطيني بلا هوية) يتحدث الرجل الثاني في منظمة التحرير الشهيد صلاح خلف أبو إياد عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بكلام كثير، لكن هذه الجملة توضح ملخصاً بسيطا ً للعلاقة بين الزعيم العربي ناصر والقضية الفلسطينية حيث يقول أبو إياد: "كان سقوط عبد الناصر يعني بالنسبة إلينا نهاية كل أمل. إذ أن الريس يبقى برغم كل شيء، رمزا لرفض الأمر الواقع وللمقاومة التي يجب في نظرنا أن يشتعل فتيلها ضرورة".
عند انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة على يد أبناء حركة فتح في أواسط الستينيات من القرن الماضي، اختلف قادة الحركة مع النظام الناصري حول الأولوية الواجب اتباعها، وأطلقت الحركة شعارا ً يصطدم في ظاهره مع الشعار الناصري، فالتوجه المصري كان يقوم على أولوية الوحدة العربية، فالوحدة طريق التحرير، أما حركة فتح فقالت أن الأولوية للتحرير لأن التحرير طريق الوحدة، مبادئ تبدو للوهلة الأولى في قمة التناقض الفكري والعملي، لكن خلافا ً آخر ظهر على الساحة، وهو (من هو الجدير بقيادة النضال الوطني الفلسطيني؟)، فكان التخوف من القيادة الناصرية أن يكون التوجه الفلسطيني نحو إبعاد القضية الفلسطينية عن عمقها القومي، والنأي بالقضية الفلسطينية بعيدا ً عن الحوض العربي حيث مكانها الطبيعي، ولا بد من القول أن سرية الحركة وغموض بداياتها كان من العوامل التي ساهمت في تغذية تلك المخاوف، ولعل ذلك واضح في كلام هيكل لموفدي فتح إلى مصر عندما قال: " إننا نعرف القليل عنكم. والملف الذي فتحته مخابراتنا حول العاصفة. فارغ عمليا. والقناع الذي تتقنعون به يحيرنا. وعلى أي حال فإن قدرتكم على التكتم والتخفي، هما مؤشر على جديتكم".
ورغم ما سبق فإننا لم نسمع يوما ً أحدا ً من السلطات الرسمية في مصر يشتم أو يهاجم حركة فتح، بل كان ناصر على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه كأبرز قائد للأمة العربية، فكان في تلك الظروف كما وصفه الشهيد أبو إياد أباً حانيا ً وصدرا ً رحبا ً استطاع جمع الفلسطينيين على حبه حتى وإن خالفه بعضهم الرأي، فكان كما يقال رجلا ً نختلف معه ولا نختلف عليه، فأين الأمة العربية اليوم من تلك السماحة والتأني قبل إطلاق الأحكام، فنحن اليوم نسمع يوميا ً أحكام التخوين والتكفير.
لم يدم الخلاف بين القيادة الفلسطينية والقيادة المصرية التي عبرت عن التوجه الشعبي العربي بشكل عام وسارعت لاحتضان حركة فتح، وتم العمل على إذابة الخلاف سريعا ً فالقيادة الفلسطينية الجديدة سارعت بشرح مبادئها ومنطلقاتها للزعيم العربي، وتوضيح المنطلقات القومية لحركة فتح، فالقضية الفلسطينية هي قضية عربية بالمقام الأول، وأن هدف الحركة هو إقامة دولة فلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني، تساهم هذه الدولة في تحقيق آمال الأمة العربية بالوحدة والرقي العلمي والسياسي والاقتصادي، والتأكيد على أن أحقية الشعب الفلسطيني في قيادة مشروع التحرير ليس ابتعاد عن الحوض العربي ولا اقتناع بالحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار لتقسيم الوطن العربي إلى دولايات هزيلة، بل هو ضمان لإبقاء القضية الفلسطينية على السكة الصحيحة، ودفع للدور الجماهيري للشعب الفلسطيني الذي يمثل نقطة القوة الأهم في الصراع مع العدو المستعمر، والخروج بالقضية الفلسطينية من الصراع على ورقة قرارها بين الأنظمة العربية التي حارب كثير منها الشعب الفلسطيني نكاية بالزعيم الراحل.
لقد تم التفاهم بين القادة، ولم يكن التطرف يوما ً صفة تسودهم، بل كان العمل بروح التعاون والتآخي عنوان المرحلة التي شهدت نهضة مصر، وانتصار الشعب الفلسطيني في معركة الكرامة، وتعاظم الكفاح الفلسطيني ليبلغ أوجه ويبلغ صوته جميع أنحاء العالم، فكان تقسيم الأدوار واضحا ً بين القيادات، فالقيادة العربية الفلسطينية تمارس الكفاح والنضال الوطني، والقيادة العربية المصرية تمارس دورها في دعم ذلك النضال، والتحضير للمعركة القادمة، وخلق جبهة عربية مساندة، والمساهمة في جمع تأييد أحرار العالم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
لقد كان مؤسسوا فتح (وعلى رأسهم الشهيد الرمز أبو عمار) على دراية وفهم للرسالة الناصرية، لقد فهموا أن ناصر يدعو لعودة الأمة العربية إلى دورها الريادي في العالم، وفهموا أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم حلها بعيدا ً عن عمقها الحقيقي العربي، وبادلهم النظام الناصري الفهم بأن إطلاق شعار (التحرير ثم الوحدة) ليس مناقضا ً لشعار (الوحدة ثم التحرير)، فالمشروعان داعمان لبعضهما البعض ولا ينفصلان بحال من الأحوال، لكن من الضروري أن يبدأ الفلسطينيون مشروع التحرير، وأن يتحد العرب تحت لواء دعم تحررهم، وأن ينطلقوا من هناك لتنفيذ المشروع العربي الوحدوي، ففلسطين هي من يجدر بها أن تكون المحرك الأول للوحدة العربية، لا أن تكون ورقة يتنازع العرب على الحصول عليها، لقد فهم ناصر أن حركة فتح تخوض نضالاً وطنيا ً يعتمد ابتداء على الشعب الفلسطيني ثم ينمو إلى أن يتم تتويجه بمعركة تخوضها الجماهير العربية، ولأجل ذلك الفهم فقد كان الزعيم الراحل خير داعم للقضية الفلسطينية ولمنظمة التحرير بقيادة حركة فتح، وكان خير مرجع للقيادة الفلسطينية تلجأ إليه في صعاب الأمور وبسيطها، ولعل هذا ما دفع الشهيد صلاح خلف للقول:"كل المصائب تبدأ كبيرة ثم تصغر تدريجياً، إلا مصيبة فقدان عبد الناصر فسوف تكبر آثارها يوما بعد يوم".
ونحن اليوم كأمة عربية بعد عقود من رحيل الزعيم العربي البطل نرى من الواجب علينا أن نسأل أنفسنا تلك الأسئلة الصعبة التي تدمي إجاباتها القلوب، فأين نحن من المشروع الوحدوي؟ وأين نحن من مشروع النهوض العربي؟ بل أين نحن من التعاون العربي المشترك؟ وأين نحن من مشروع التحرر من الاحتلال؟
تبقى الإجابات حائرة بانتظار ناصر يتم بعثه من رحم حرة لعله يجيب، وأنا على إيمان أن ناصر سيبعث.
zaفي كتابه (فلسطيني بلا هوية) يتحدث الرجل الثاني في منظمة التحرير الشهيد صلاح خلف أبو إياد عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بكلام كثير، لكن هذه الجملة توضح ملخصاً بسيطا ً للعلاقة بين الزعيم العربي ناصر والقضية الفلسطينية حيث يقول أبو إياد: "كان سقوط عبد الناصر يعني بالنسبة إلينا نهاية كل أمل. إذ أن الريس يبقى برغم كل شيء، رمزا لرفض الأمر الواقع وللمقاومة التي يجب في نظرنا أن يشتعل فتيلها ضرورة".
عند انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة على يد أبناء حركة فتح في أواسط الستينيات من القرن الماضي، اختلف قادة الحركة مع النظام الناصري حول الأولوية الواجب اتباعها، وأطلقت الحركة شعارا ً يصطدم في ظاهره مع الشعار الناصري، فالتوجه المصري كان يقوم على أولوية الوحدة العربية، فالوحدة طريق التحرير، أما حركة فتح فقالت أن الأولوية للتحرير لأن التحرير طريق الوحدة، مبادئ تبدو للوهلة الأولى في قمة التناقض الفكري والعملي، لكن خلافا ً آخر ظهر على الساحة، وهو (من هو الجدير بقيادة النضال الوطني الفلسطيني؟)، فكان التخوف من القيادة الناصرية أن يكون التوجه الفلسطيني نحو إبعاد القضية الفلسطينية عن عمقها القومي، والنأي بالقضية الفلسطينية بعيدا ً عن الحوض العربي حيث مكانها الطبيعي، ولا بد من القول أن سرية الحركة وغموض بداياتها كان من العوامل التي ساهمت في تغذية تلك المخاوف، ولعل ذلك واضح في كلام هيكل لموفدي فتح إلى مصر عندما قال: " إننا نعرف القليل عنكم. والملف الذي فتحته مخابراتنا حول العاصفة. فارغ عمليا. والقناع الذي تتقنعون به يحيرنا. وعلى أي حال فإن قدرتكم على التكتم والتخفي، هما مؤشر على جديتكم".
ورغم ما سبق فإننا لم نسمع يوما ً أحدا ً من السلطات الرسمية في مصر يشتم أو يهاجم حركة فتح، بل كان ناصر على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه كأبرز قائد للأمة العربية، فكان في تلك الظروف كما وصفه الشهيد أبو إياد أباً حانيا ً وصدرا ً رحبا ً استطاع جمع الفلسطينيين على حبه حتى وإن خالفه بعضهم الرأي، فكان كما يقال رجلا ً نختلف معه ولا نختلف عليه، فأين الأمة العربية اليوم من تلك السماحة والتأني قبل إطلاق الأحكام، فنحن اليوم نسمع يوميا ً أحكام التخوين والتكفير.
لم يدم الخلاف بين القيادة الفلسطينية والقيادة المصرية التي عبرت عن التوجه الشعبي العربي بشكل عام وسارعت لاحتضان حركة فتح، وتم العمل على إذابة الخلاف سريعا ً فالقيادة الفلسطينية الجديدة سارعت بشرح مبادئها ومنطلقاتها للزعيم العربي، وتوضيح المنطلقات القومية لحركة فتح، فالقضية الفلسطينية هي قضية عربية بالمقام الأول، وأن هدف الحركة هو إقامة دولة فلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني، تساهم هذه الدولة في تحقيق آمال الأمة العربية بالوحدة والرقي العلمي والسياسي والاقتصادي، والتأكيد على أن أحقية الشعب الفلسطيني في قيادة مشروع التحرير ليس ابتعاد عن الحوض العربي ولا اقتناع بالحدود المصطنعة التي رسمها الاستعمار لتقسيم الوطن العربي إلى دولايات هزيلة، بل هو ضمان لإبقاء القضية الفلسطينية على السكة الصحيحة، ودفع للدور الجماهيري للشعب الفلسطيني الذي يمثل نقطة القوة الأهم في الصراع مع العدو المستعمر، والخروج بالقضية الفلسطينية من الصراع على ورقة قرارها بين الأنظمة العربية التي حارب كثير منها الشعب الفلسطيني نكاية بالزعيم الراحل.
لقد تم التفاهم بين القادة، ولم يكن التطرف يوما ً صفة تسودهم، بل كان العمل بروح التعاون والتآخي عنوان المرحلة التي شهدت نهضة مصر، وانتصار الشعب الفلسطيني في معركة الكرامة، وتعاظم الكفاح الفلسطيني ليبلغ أوجه ويبلغ صوته جميع أنحاء العالم، فكان تقسيم الأدوار واضحا ً بين القيادات، فالقيادة العربية الفلسطينية تمارس الكفاح والنضال الوطني، والقيادة العربية المصرية تمارس دورها في دعم ذلك النضال، والتحضير للمعركة القادمة، وخلق جبهة عربية مساندة، والمساهمة في جمع تأييد أحرار العالم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
لقد كان مؤسسوا فتح (وعلى رأسهم الشهيد الرمز أبو عمار) على دراية وفهم للرسالة الناصرية، لقد فهموا أن ناصر يدعو لعودة الأمة العربية إلى دورها الريادي في العالم، وفهموا أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم حلها بعيدا ً عن عمقها الحقيقي العربي، وبادلهم النظام الناصري الفهم بأن إطلاق شعار (التحرير ثم الوحدة) ليس مناقضا ً لشعار (الوحدة ثم التحرير)، فالمشروعان داعمان لبعضهما البعض ولا ينفصلان بحال من الأحوال، لكن من الضروري أن يبدأ الفلسطينيون مشروع التحرير، وأن يتحد العرب تحت لواء دعم تحررهم، وأن ينطلقوا من هناك لتنفيذ المشروع العربي الوحدوي، ففلسطين هي من يجدر بها أن تكون المحرك الأول للوحدة العربية، لا أن تكون ورقة يتنازع العرب على الحصول عليها، لقد فهم ناصر أن حركة فتح تخوض نضالاً وطنيا ً يعتمد ابتداء على الشعب الفلسطيني ثم ينمو إلى أن يتم تتويجه بمعركة تخوضها الجماهير العربية، ولأجل ذلك الفهم فقد كان الزعيم الراحل خير داعم للقضية الفلسطينية ولمنظمة التحرير بقيادة حركة فتح، وكان خير مرجع للقيادة الفلسطينية تلجأ إليه في صعاب الأمور وبسيطها، ولعل هذا ما دفع الشهيد صلاح خلف للقول:"كل المصائب تبدأ كبيرة ثم تصغر تدريجياً، إلا مصيبة فقدان عبد الناصر فسوف تكبر آثارها يوما بعد يوم".
ونحن اليوم كأمة عربية بعد عقود من رحيل الزعيم العربي البطل نرى من الواجب علينا أن نسأل أنفسنا تلك الأسئلة الصعبة التي تدمي إجاباتها القلوب، فأين نحن من المشروع الوحدوي؟ وأين نحن من مشروع النهوض العربي؟ بل أين نحن من التعاون العربي المشترك؟ وأين نحن من مشروع التحرر من الاحتلال؟
تبقى الإجابات حائرة بانتظار ناصر يتم بعثه من رحم حرة لعله يجيب، وأنا على إيمان أن ناصر سيبعث.