رحيل موجع- فؤاد ابو حجلة
ودع الأردنيون قبل أيام واحدا من رموز النزاهة ونظافة اليد والصلابة في الدفاع عن الحق والحقيقة، كان نقابيا معارضا ووزيرا معارضا ايضا لسياسات الهيمنة والتحكم الرأسمالي في غذاء ودواء الناس.
رحل الدكتور عبد الرحيم ملحس بهدوء بعد سنوات طويلة من الضجيج الذي طبع مسيرته المهنية الحافلة بالتحدي ومواجهة سياسات الاستقواء على قوت الغلابى الذين يسميهم الكتاب والسياسيون أغلبية صامتة.
في وداع الدكتور ملحس حزن الناس البسطاء الذين يقدرون للرجل دفاعه عن حقهم في الحياة الكريمة وافتدائهم بنفسه وبوظيفته وبمستقبله السياسي في مواجهة الحيتان الكبيرة التي تنهش في لحم فقراء يتكدسون كالسردين في الأحياء الشعبية وفي عنابر مستشفيات القطاع العام.
وفي رحيل الرجل بكى من يعرفونه عن قرب وترحم على روحه من لم يحظ بلقائه في الحياة. وفي هذا الرحيل الموجع تنفس كبار المستثمرين في صحة الناس وفي غذائهم، ولم ينس هؤلاء ما فعله الدكتور ملحس حين قصقص اجنحتهم الملوثة عندما كان وزيرا للصحة في الحكومة الاردنية.
للمستثمرين ان يفرحوا الآن فلم يعد هناك من يدق جدران خزان الغذاء الأردني، وقد انحصر دور وزير الصحة في الحكومات التي تتغير باستمرار في اطلاق حملات مكافحة التدخين والتحذير من خطر الارجيلة على البيئة، بل إن الليبراليين الجدد الذين تولى بعض مسؤولية القرار الغذائي والصحي ينهمكون في محاصرة رغيف الأردني بكل ما اوتوا من تبريرات سخيفة تصل أحيانا حد اعتبار الغذاء الشعبي تهديدا للبيئة وخرقا لمعاهدة كيوتو!
لم يكن عبد الرحيم ملحس مجرد وزير صحة، بل كان انسانا حقيقيا ولم يقبل المساومة على انسانيته مهما كانت مغريات المنصب وعائدات الفساد، لذا لم يعمر طويلا في الوزارة، وشاءت ارادة الله التي لا اعتراض عليها الا يعمر طويلا في الحياة.
في وداع الراحل تترسخ الحسرة في النفس لأن الكبار يرحلون ويظل صبيان الحكومات والشركات يعبثون في حياة الناس.
وفي هذا الرحيل يظل السؤال قائما: ما الذي حدث أو سيحدث لأقران عبد الرحيم ملحس في الحكومات العربية؟
أغلب الظن أنهم محاصرون ومهددون بالموت كمدا، فهذه المرحلة هي مرحلة الشركات وحكومات البركات.