الاراضي الفلسطينية المحتلة وقانون حقوق الانسان
ترافق الاحتلال الحربي الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 بإنتهاكات مستمرة وخطيرة لحقوق الإنسان الفلسطيني. لقد إرتكبت سلطات الإحتلال إنتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة، وصلت احياناً حد جرائم الحرب ضد الانسانية. كل ذلك خلافاً للأسس والمبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي المعاصر بفرعيه المذكورين سابقاً القانون الدولي الانساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
abوتباينت مواقف الدول ووجهات نظر فقهاء القانون الدولي حول مسألة انطباق المعايير الدولية لحقوق الإنسان في أوقات النزاعات المسلحة، وما ينشأ عنها من حالات احتلال حربي. فمن منطلق الايمان بعالمية وشمولية حقوق الإنسان، هناك من ينادي بوجوب سريان القانون الدولي لحقوق الإنسان في أوقات الحرب والسلم على السواء، وعدم إقتصار تطبيقه على أوقات السلم فقط. وفي المقابل، هناك من يعتقد بأن سريان القانون الدولي لحقوق الإنسان يقتصر على أوقات السلم فقط، ولا ينطبق بالتالي في أوقات النزاعات المسلحة وحالات الاحتلال الحربي، لأن هذه الحالات تدخل ضمن اختصاص القانون الدولي الانساني.
وكانت القرارات الدولية في هذا الصدد غاية في الصراحة والوضوح، فطلبت من كافة الدول الاعتراف بمبدأ عالمية وشمولية حقوق الانسان، والذي يتطلب تطبيق مبادئ وقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان في وقت السلم كما في أوقات النزاعات المسلحة، وما قد ينشأ عنها من احتلال حربي. كما عمل مؤتمر فيينا لحقوق الانسان المنعقد بتاريخ 25 حزيران / يونيو 1993، بمشاركة ممثلين عن 171 دولة، على تثبيت هذا المبدأ بتبنيه إعلاناً (إعلان فيينا) يعترف بالطبيعة العالمية لقضايا حقوق الانسان والحريات الاساسية. وفي هذا السياق، شدد المؤتمر على ضرورة توافق ممارسات الدول المشاركة في النزاع المسلح مع قواعد وأحكام القانون الدولي الانساني من جهة، ومع المعايير الواردة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان من جهة ثانية. وقد جاءت القرارت التي تضمنها الاعلان الصادر عن مؤتمر فيينا مطابقة لنصوص قرار الجمعية العامة لأمم المتحدة رقم 2675 (دورة رقم 25) لسنة 1970. وتضمن اعلان فيينا ايضاً المعايير الاساسية الواجب اتخاذها لحماية السكان المدنيين وقت النزاعات المسلحة، ونص على " ضرورة تطبيق المعايير الاساسية لحقوق الانسان التي نص عليها القانون الدولي، وكفلتها الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان إبان النزاع المسلح".
وقد خلصت اللجنة الاوروبية لحقوق الانسان الى وجوب تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان اثناء النزاعات المسلحة. فمثلاً، قضت اللجنة المذكورة بقبول إدعاء قبرص القاضي بأن تركيا قامت خلال غزوها لهذه الجزيرة عام 1974 بإنتهاك العديد من معايير الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان والحريات الاساسية. واعتبرت اللجنة أنه يتوجب على تركيا بصفتها محتلاً حربياً احترام وتطبيق القواعد التي نصت عليها الاتفاقية الاوروببية لحقوق الانسان، حتى في هذه الحالة. ورأت اللجنة أنه طبقاً لما نصت عليه المادة الاولى من الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان، فإنه يقع على عاتق الدول الاطراف مسؤولية حماية الحقوق والحريات الاساسية لكافة الاشخاص المتواجدين تحت سلطتها الفعلية في الاراضي الخاضعة لسيادتها وخارجها. وخلصت اللجنة الى نتيجة مؤداها أن ممارسات تركيا تجاه مواطني شمال الجزيرة القبرصية تمثل انتهاكات لإلتزاماتها التعاقدية بموجب الاتفاقية الاوروبية المذكورة.
كما جاء على لسان الامين العام للامم المتحدة أنه "يتوجب تطبيق معايير حقوق الانسان التي نص عليها ميثاق الامم المتحدة في حالات السلم والحرب دون تمييز"، مضيفاً: "أن المعايير الواردة في الميثاق تساهم في رفع مستوى وفي تشجيع احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع دون استثناء". كذلك اكد أمين عام الامم المتحدة يوثانت في كلمة ألقاها في المؤتمر الدولي الاول لحقوق الانسان الذي عقد في طهران عام 1968، على وجوب تطبيق اتفاقيات الامم المتحدة لحقوق الانسان كالإعلان العالمي، اتفاقية حظر ومعاقبة جرائم الابادة، والعهديين الدوليين لحقوق الانسان في وقت السلم والحرب معاً.
هذا وقد تم تضمين الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الانسان أحكاماً تؤكد سريانها على الاراضي المحتلة. فمثلاً، نصت المادة (2/1) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن تتعهد الدول الاطراف بإحترام حقوق الاشخاص الموجودين في اقليمها وتحت ولايتها. يمكن أن يفهم من هذا النص ضرورة إلتزام دولة الاحتلال بتطبيق احكام هذا العهد على سكان الاراضي التي تحتلها. وهذا ما ورد في تقرير الامم المتحدة لحقوق الانسان، عندما نص على سريان معايير العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في حالات الطوارئ العامة، بما في ذلك حالة النزاع المسلح.
لكن اسرائيل تصر على رفض تطبيق الاعلان العالمي والعهدين الدوليين لحقوق الانسان وغيرهما من الاتفاقيات والمواثيق الدولية على الاراضي الفلسطينية المحتلة. فقد جاء على لسان المستشار القانوني لوزارة الخارجية الاسرائيلية عام 1948: "ان الاعلان العالمي والعهدين لا يسريان على الاراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة للوضع الاستثنائي للعلاقة بين قوة الاحتلال وسكان الاقليم المحتل، والتي تقع خارج دائرة ونطاق قانون حقوق الانسان".