عن صديقي " الرخ " الذي عاد في كفن- عكرمة ثابت
بعد مضي اربعين يوما على رحيل الأخ والصديق العزيز عقيد " هشام الرخ – ابو سامي " نعود مسلحين بالعزيمة والصبر لنقف أمام ضريحه في مقبرة مخيم الشهداء بقلوب مؤمنة وضمائر حية وقامات عالية ما هدها الحزن ولا القهر ولا نال منها الإجرام ولا القتل ... نقف امام مصاب جلل إذ لم يكن حدث إستشهاد المناضل هشام عاديا ...لا.. ولم يكن عابرا لا .. لكنه كان بفعل أيادي مجرمة عابثة ... أيادي جبانة غادرة ... تسللت من سوادها الآسن لتخطف نجما كان الودود البديع وتزهق روحا كانت الصفاء والبهاء ... فكل من عرف وعاشر هشام الرخ عرف ذلك الأسم الوطني المطرز على جدران مخيم الصمود والإباء " جنين الشهداء " ... عرف هشام الوفي المخلص الصادق للمخيم والقرية والمدينة ... هشام المشاعر الإنسانية الشفافة والرجل الثائر الذي لم ينحني امام سنوات الاعتقال الطويل والمرير ... إبن التنظيم الفتحاوي المعطاء ... رجل العمل النضالي الذي لا يمل ولا يكل ... هشام الإبتسامة التي فيها من من طهر الملائكة ما يضيء فضاء جنين وسماء مخيمها النازف دما وحزنا .
نقف اليوم في اربعينية الخلود لحبيبنا الذي رحل مغدورا لا لنرثي ونؤبن فحسب ، بل لنؤكد من جديد أن درب الإستقلال وبناء الدولة الفلسطينية هو درب شاق وطويل ، فإذا خر نجم سريع تعالت الوف وان ساعدا قطعوا سيعلو مليون ساعد ، ففي البذل فيك ايها الشهيد الأشم قدوة وفي القلب منا لك الموضع ، فنحن والله على دربك ودرب من سبقوك سائرون ولعهدك وعهودهم حافظون ولأسرتك وأبنائك صائنون راعون بإذن الله ، ولدمك الطاهر مخلصون .
كم هو مؤلم أن تموت الزهور بين أيدينا .. وان تقتل الفرحة في أعيننا .. وان نقيم المآتم ونزرعها في نفوس الأبرياء والمحزونين .. هكذا تمضي الأحداث في جنين القسام منذ رحيل قائدها المناضل الصلب قدورة موسى ومن قبله رحيل الفنان الانساني " جوليانو" ومرورا بمحاولة اغتيال النائب المناضل " شامي شامي " ووصولا الى جريمة اغتيال بسمة الطفولة من وجنتي خالد برهم والتي سبقها إغتيال جبان لإبتسامة الشرف في العقيد "هشام الرخ " يوم 5/9/2012 هذا اليوم الذي هو مأساة بكل ما توصف به المأساة .. وهو نزيف اللوعة والحسرة لجراح جديدة واستنزاف جديد ودمار جديد خطط له القتلة المجرمون ، لكنهم ابدا لن يمروا ... لن يمروا يا هشام ويا قدورة ويا جوليانو ويا شامي شامي ويا خالد برهم ويا كل المستهدفين في جنين القسام ... لا لن يمروا ولن تمر مؤامرتهم الدنيئة ولن ينالوا من وحدة شعبنا وأمننا وإستقرارنا الوطني ... قسما وعهدا أن لا يمروا ...
إننا ونحن نتفيء في ظلال هذه القامة العالية من الشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين ، فإننا نستذكر واياكم مسيرة شهيدنا البطل هشام الرخ وحياته الحافلة بالعطاء والتضحية والنضال منذ ان التحق في صفوف حركة فتح شبلا يافعا صلبا وتجشم مخاطر العمل الثوري والكفاح الوطني وكان أحد ابرز نشطاء الإنتفاضة الأولى الكبرى ومن اهم مطارديها لأجهزة الإحتلال الإسرائيلي الغاشم ... نعم فقد برز البطل الشهيد قائدا شعبيا متميزا في أزقة المخيم وسهول جنين وأحراشها وتعرض كبقية ابناء شعبه الى الملاحقة والاعتقال والتعذيب ولم تنل من عزيمته سنوات السجن الطويلة التي قضاها بين جدران الاسر والاعتقال والتي طالت وطال معها الصبر والصمود .
وتواصلت مسيرة الرخ النضالية عبر سنوات ومراحل من معركة إسترداد الشخصية الوطنية الفلسطينية وإعادة التكوين الوطني الذي رافق بداية التأسيس للسلطة الوطنية الفلسطينية فكان من رعيل الاوائل من بناة الأجهزة الامنية والمرافق الحكومية ومؤسسات السيادة الوطنية في جنين وباقي محافظات الوطن ، فقد مر الشهيد بكل مراحل البناء والتطوير لجهاز الامن الوقائي الفلسطيني وشغل عدة مناصب ومواقع قيادية كان فيها الوطني المخلص والمهني المعطاء والثوري الغيور على مصالح شعبه وقضيته ...
إن الحديث عن هشام سامي الرخ " ابو سامي " هو الحديث عن البدايات التي يعرفها شعبنا وهو الحديث عن الصعوبات التي تخططتها المؤسسة الامنية الفلسطينية وأرست في بواكيرها ونهاياتها مؤسسات الحكم الرشيد والقضاء العادل ودولة الامن والقانون ومكافحة الجريمة الاجتماعية والسياسية وإعلاء شأن المواطنة والدفاع عن الحقوق العامة والخاصة وإحترام مباديء وقواعد حقوق الانسان ... وفي سبيل تحقيق كل ذلك قدمت المؤسسة الامنية الفلسطينية بكافة اجهزتها وفروعها خيرة ابنائها شهداء وجرحى واسرى على طريق الإستقلال والبناء والمواجهة مع الاعداء المتربصين والمتآمرين على وحدتنا الوطنية وعلى شرعية تمثيلنا السياسي والنضالي وعلى قيادتنا الفلسطينية ممثلة بالاخ القائد الرئيس محمود عباس " ابو مازن " ... وحري بنا ونحن نقف في حضرة شهيدنا الرخ أن نستذكر كل شهداء معارك الدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل ... شهداء الدفاع عن الشرعية الفلسطينية والمشروع الوطني الاستقلالي .. شهدائنا الذين ارتقوا في سبيل فرض القانون ومحاربة العصابات الاجرامية والفلتان الأمني والتصدي لمحاولات المساس بالسلم الاهلي والمجتمعي .
إن المؤسسة الامنية وهي تستذكر شهدائها الميامين ومسيرتهم الحافلة بالبطولات والتضحيات لتؤكد على كامل جاهزيتها لحماية شعبنا وممتلكاته وإحترام حقوق مواطنيه في حرية الرأي والتعبير إستنادا لقواعد القانون ومباديء العدل والديمقراطية ، وانها لن تسمح أبدا بالإعتداء على أمن المواطن والمساس بهيبة ومكانة الحكم الفلسطيني والتطاول على حقوق الابرياء الآمنين والسكان العزل والممتلكات والمرافق العامة والخاصة ... وهي بذلك تعاهد ابناء شعبها بأن تكون بالمرصاد لكل العابثين والمجرمين والقتلة والمتآمرين على المشروع الوطني التحرري واولئك الذين تتطاولوا على حرمة الانسان الفلسطيني وإستباحوا دم وروح شهيدنا هشام وغيره من كوادرنا الوطنية والامنية ... ولن تتهاون اجهزتنا الأمنية في ملاحقة كل هؤلاء وإعتقالهم وسوقهم الى عدالة شعبنا وقضائه الوطني ومحاسبتهم لينالوا ما يستحقون من عقاب .
جنين اليوم تقف مشرعة اليدين أمام فوهة بندقية جديدة متفجرة غاشمة.. ادوات قتل مجرمة خلت قلوبها من الإنسانية والرحمة ... جنين اليوم تستعيد عافيتها وتمسح عن وجهها الحزين دموع الحسرة واللوعة بعد أن تحولت السعادة فيها إلى تعاسة..والفرحة إلى حزن.. والراحة إلى آلام وجراحات وبكاء مر.
جنين اليوم وبهمة سواعد حماة ترابها الطاهر ... بهمة الساهرين على امنها وتضميد جراحها تميط اللثام عن عصابة القتل والاجرام ... عن تلك الوجوه المسودة الملطخة بالحقد والعار ... نعم جنين اليوم تعلن وفائها واخلاصها لمناضليها وتعري القتلة على اعواد مشانقها الجاهزة لكل مجرم آثم حاقد لعين ... جنين ستصب نار غضبها على اولئك الذي خطفوا منها خيرة ابنائها ...
فالخزي للقتلة والعار كل العار لمؤامراتهم الدنيئة والقصاص بالمرصاد ... القصاص من القتلة بالمرصاد ... جنين تؤمن وتثق بعدالة قضيتها وستنتظر حكم القصاص بمغتصبي امنها وسكونها واستقرارها ... الخزي والعار والموت للقتلة المجرمين ... والمجد والخلود لقادة جنين ومناضليها الاوفياء .
نم قرير العين " ابا سامي " فلا نامت أعين الجبناء ... فظلك خيمة العدل والانصاف وتاريخك مضاء الحق وصدق الحقيقة ... نم قرير العين ايها الحبيب فدماؤك دين في رقابنا وابناؤك بالنجيع نفديهم وبسياج المحبة والأبوة نحميهم ... وانت وإن رحلت ستبقى فينا ومنا وبيننا ولن تموت ... فانت المارد الجبار يرنو بإبتسام لن تنحني همم الرجال ... لن تنحني همم الرجال .
المجد والخلود لجميع الشهداء وشهيدنا البطل هشام الرخ والموت والعار للقتلة والمأجورين