إحنا أحرار الوطن!!! - رامي الغف
ولدت في أرض قيل لي إنها (الوطن) , فنشأت في كنفه أراقب الحياة مذ عرفت أن هناك شيئاً إسمه الحياة، وكلما مرت سنة من العمر كنت أزداد عشقا لهذا المجهول الذي كان إسمه (الوطن).
فبدأت أتلمس عمق جراحه التي تمتد بعمق التاريخ ونزيفها المتحول إلى بحرين كبيرين هما البحر المتوسط والبحر الميت، فلم تكن طفولتي مرتعا للبراءة واللامبالاة، وإنما هي مزيج من التأمل والألم والأمل , وكأن يد القدر أرادت أن أعرف معنى الجراح وأتذوق مرارة الظلم لأتعايش معهما الى آخر لحظة من الحياة .
وكان والدي رحمه الله قد سجل بصوته على شريط مسجل قصيدة توفيق زياد " أناديكم وأشد على آياديكم، وأبوس الأرض تحت نعالكم" فكنت أسرق جهاز المسجل من غرفته وأستمع إلى القصيدة الرائعة وأنا في العاشرة من العمر حتى حفظتها عن ظهر قلب رغم إنني لم أكن أفقه معاني الكثير من كلماتها، إلا إنني كنت أهتز من أعماقي لكل حرف فيها. ترعرعت وعشت في هذا الوطن، وطن الإباء والفداء، فرضعت من بحره وقدسه وكنائسه، وأكلت من شجره وثماره وخيراته، وتنفست هواءه وأريج أزهاره، وتعلمت عشق الشهداء من أجواء عائلتي المتواضعة مع عدم التعصب، فوالدي مناضل كبير إستشهد على أثر إصاباته المميته في معارك النضال والبطولة، وشقيق والدتي قائد كبير في حركة فتح إستشهد في باستيلات بني صهيون، وزوج شقيقتي قضى 28 عاماً في السجون الإسرائيلية، وأنا مثله أسير محرر لمدة خمس سنوات وجسمي مرشوم برصاص إسرائيل، قضوا على أحلامي الكبيرة فقصفوا بيتي ودمروا مكتبي الإعلامي في الحرب الأخيرة على مسقط رأسي غزة، وهذا كله شرف لي لا أدعيه، كان لي أصدقاء من كافة الأديان، فصديقي أنطون المسيحي زار معي باحة الأقصى الشريف في مدينة القدس في يوم ما، وذهل مما رأى في يوم جمعة مقدسي مزدحم بالزوار المسلمين وغير المسلمين، صليت مع صديقي الآخر محمد في مرقد سيدنا خليل الرحمن في مدينة الخليل، وزرت وزميلتي الإعلامية بيسان حداد الدرزية المولد بيت لحم وشاهدنا مرقد أمنا مريم العذراء.
عشنا أمتع أيامنا رغم الإضطهاد الذي عانيناه من الحكم الدكتاتوري الصهيوني الدامي البغيض الذي لم يعرف مله أو طائفة أو دين بممارساته الدموية، تعرضنا لشتى أنواع المضايقات والإنتهاكات والإعتداءات التي ليس لها مثيل، والتي مرت على كل الفلسطينيين الشرفاء بدون إستثناء الرافضين لسياسات بني صهيون، زال الحكم العسكري الإسرائيلي في يوم بهيج لم يكن في الحسبان، كان للشعب الفلسطيني يوماً حقيقياً للإستقلال والنصر والحرية الأبدية، فتحول وطننا إلى حقبة جديدة، مخاض لسلطة جديدة بقيادة رجل إسمه ياسر عرفات ومن ثم إنتخابات تشريعية فتشكيل حكومه تلو حكومة، ومن ثم تصويت على القرارات والبرامج والدساتير الوطنية، فحرية تعبير عن الكلمة والرأي، وتعددت الأحزاب والحركات السياسية والوطنية، وقررت أنذاك السلطة وأعطيت هامشا كبيراً لحرية الإعلام، فصحف وفضائيات وإذاعات، أسست بعض المشاريع الوطنية التي دمرها الإحتلال كالمطار والميناء والمدن الصناعية والمشاريع الإسكانية إلخ.
دخل الوطن الفلسطيني عالم الحداثة والتنوير، فأسست شركات الإنترنت والموبايل والمقاهي الأدبية والإلكترونية، وأمام التحولات السريعة والعميقة والكبيرة التي أغاظت كثير من أعداء الوطن الفلسطيني، فأدخلوه من أبواب عدة، الإنقلابات والإنقسامات والمهاترات والإتهامات والمجاذبات والمناكفات والإقتتال والعنصرية والطائفية البغيضه منها والقومية والأدهى من ذلك تغلغلت الأفكار السوداوية المتطرفة وشكلت الجماعات التكفيرية، والمحزن أنهم وجدوا حاضنات وملاذات آمنة تؤيهم وتنطلق من خلالهم العمليات الإجرامية بحق المدنيين الأبرياء تحت ذريعة (الإحتلال) مع دعم دولي وإقليمي وعربي وإعلامي ومادي ومعنوي ونفسي، والضحية المدنيين الأبرياء. ولكن رغم كل هذا فإن العملية السياسية والتنموية النهضوية في الوطن ماضية بإذن الله بفضل رجال عاهدوا الله ورغم أنوف كل أولئك المتربصين ورغم محاولاتهم اليائسة بتحشيد كل جيوشهم للإطاحة بالسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس المنتخبة التي صوت عليها أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، فلن تفيدهم كل مخابرات العالم ولا شركات الإعلانات الأميركية للنيل من خيار الشعب الذي لابديل له سوى صناديق الإقتراع. سلام أبعثه اليكم يارجال الوطن الشرفاء، سلام أبعثه اليكم يا قادتنا الأحرار، وقلوبنا معكم والنصر لكم كما وعدكم الله أنه لا يخلف الميعاد .
إعلامي وناشط سياسي كاتب وباحث صحفي
mediaramy@yahoo.co