بين مقابلة الرئيس عباس وصرخة الاخ عباس- احسان الجمل
اردت الكتابة في وقت هادئ يتلو العاصفة التي سبقت ولحقت المقابلة التي اجراها الرئيس ابو مازن مع القناة الثانية في التلفزيون الاحتلال الاسرائيلي. لا اعتقد ان جديدا في مواقف الرئيس، ولا شيئا يشكل منعطفا ينتقص من ثوابتنا، شاهدت المقابلة مرات عديدة مع ملحقاتها من الاجزاء المحذوفة، علني اجد ما يغلب العاطفة على العقل، لم اجد شيئا مما يروج له بعض الحاقدين على القيادة الفلسطينية الشرعية برئيسها ابو مازن. سوى تأكيد المؤكد.
يقولون لكل مقام مقال، هذا ما فعله الرئيس ابو مازن، عندما كان يخاطب في الدرجة الاولى العقل الاسرائيلي، وبتقديري ان الرئيس ابو مازن يريد توسيع دائرة الاختراق فيه، هذا العقل الاستيطاني الاحتلالي العنصري، هو خصمنا وسبب مشكلتنا ولا خلاف على ذلك. السلام والحرب هما يقومان مع العدو، وعندما قبلنا مدريد وبعدها اوسلو، قلنا اننا نريد سلام الشجعان، وهذا ليس مجانيا، وقد يحتم تنازلات مؤلمة في هذه المرحلة السياسية، ويتطلب شجاعة فائقة في مخاطبة عقل العدو، والتوغل في اسباره، واجباره على التراجع الى الخلف.
لا احدن يزاود على الرئيس ابو مازن، فإذا بعضكم يكتفي بالشعارات وسطورها، فهو قرأ بوضوح ما بين السطور، وقال ما يجب ان يقال، او ماهية الوضع اذا توصلنا الى اتفاق السلام المتفق عليه فلسطينيا، وعربيا واسلاميا ودوليا، ولا يعارضه عمليا سوى الاحتلال الاسرائيلي مدعوما من الولايات المتحدة. فلسطينيا فليراجع الجميع، من قرارات المجلس الوطني في الجزائر العام 1988 الى اتفاق القاهرة وما بينهما وبعدهما، ما عدا اتصالات الطامحين عبر قنوات سرية واطروحات عبر وسطاء عرب وغرب الذين يقدمون ما هو دون الثوابت لتعويم انفسهم كشركاء بدلاء بحدود مؤقتة وهدنة طويلة. رغم ان الجميع دون استثناء وافق على دولة بحدود العام1967 اي دون صفد والجليل وعكا وحيفا ويافا واللد وغيرهم. ثم ان هناك قرارا، ان ما يتفق عليه سيخضع لاستفتاء شعبي.
عربيا فإن العرب هم من اقروا المبادرة العربية، وخارطة طريقها بالاعتراف الكامل بحدود فلسطين في مناطق العام1967 مع الاعتراف الكامل ايضا بالكيان الاسرائيلي المغتصب لارضنا والتطبيع معه، اضف الى ذلك ان بعضهم يمارس الضغط على الرئيس ابو مازن لثنيه عن التوجه الى الامم المتحدة، ويشارك في الحصار المالي على السلطة، حتى وصلت الامور الى البعض ان يدعي ان الضفة كانت تحت السيادة الاردنية قبل احتلالها.
اسلاميا تبنى مجلس التعاون الاسلامي المبادرة العربية ودعمها، اضافة الى ذلك ان ما يسمى الربيع العربي جاء بالقوى الاسلامية الى سدة الحكم، ومن تداعياته، ان اثر على المصالحة بانتظار نتائجه النهائية ومدى استفادت بعض الاطراف الفلسطينية منها على المستوى الفصائلي وليس الوطني.
وهناك بعض المؤشرات التي لم تكن في الصالح الفلسطيني، رغم قول البعض انه من المبكر الحكم على التجربة ومدى دعمها للقضية الفلسطينية.
دوليا لم تتخل امريكا عن دعم دولة الاحتلال الاسرائيلي والسباق الرئاسي اظهر ذلك، اضافة الى تهديد امريكا للامم المتحدة بوقف مساعدتها اذا وافقت على طلب فلسطين، ناهيك عن الضغط الممارس على الكثير من الدول لعدم التصويت، ومهما تكن نتائج الانتخابات الامريكية فإن سياستها الخارجية ثابتة تجاه القضية الفلسطينية.
اذا اين المشكلة في حديث الرئيس ابو مازن؟ المشكلة ان هناك تهديدات جدية من الاعداء الاسرائيليين، وخصومات شديدة من قوى فلسطينية انقسامية، وترصد مع سبق الاصرار لكل ما ينطق به لشن حملة وزيادة الضغط عليه. فليس من باب الصدفة ان تتقاطع ردود فعل قيادة الاحتلال الاسرائيلي والانقساميين في موقف موحد ضد الرئيس عباس، وهما يتشاركان في معارضة فلسطين بالذهاب الى الامم المتحدة، بالتزامن مع تصريح هجومي لوزير الخارجية العدو الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لإذاعة الجيش الاحتلالي الإسرائيلي متهما فيها الرئيس عباس "بالكذب" وطالب بالإطاحة به, كما دعا المستشار السياسي لرئيس حكومة حماس المقالة في غزة يوسف رزقة بنزع الشرعية عن الرئيس عباس.واذا كان هذا مطلب جدي فليسمحوا باجراء الانتخابات وينزعوا عنه الشرعية. لكن مشكلة الرئيس عباس او من حوله انهم لم يقدروا ان الكثيرين ما زالوا من فئة مخاطبة القلب وليس العقل، وان مثلنا الشعبي يقول ( ان الشيطان يكمن في التفاصيل) وهو توغل فيها الى حدود الشفافية التي يرفضها القلب والعاطفة ولو قبلها العقل والمنطق. هذا من جهة. اما من جهة اخرى مشكلة الرئيس ابو مازن في حركته فتح، وهذا ما صرح به عضو اللجنة المركزية عباس زكي، في قوله ان الحركة تحتاج الى قيادة تشبه القيادة التاريخية ولديها رد فاقع. ونجح عضو اللجنة المركزية في وضع اصبعه على الجرح، لان برنامج الرئيس ليس برنامجه الشخصي، بل هو برنامج ومشروع منظمة التحرير الفلسطينية وعمودها الفقري حركة فتح، التي اثبت عجزها وعقمها عن مجاراة الحركة السياسية واللحظة السياسية الراهنة، اين قيادة فتح من الهجمة على الرئيس؟؟. وهل شكلت له الحماية التنظيمية والسياسية والاعلامية، والاهم تعبئة الشارع؟؟، ان عدم التحصين السياسي والتنظيمي والشعبي، جعل من ردة الفعل على مقابلة الرئيس قاسية وخاصة من المزاج الشعبي والقاعدة الفتحاوية، وهذه الرسالة يجب ان تصل للرئيس حتى نكون صادقين في نقل الصورة له. نعم، ان اقتراح عضو اللجنة المركزية عباس زكي ان حركة فتح تحتاج الى مؤتمر عاجل، هو اقتراح جدي وعملي لانقاذ الحركة من اوضاعها الراهنة، والعودة بها الى دورها التاريخي، والكل يعترف ويقر ان سلامة القضية من سلامة الحركة، التي اصبحت كالقنديل الذي ينقصه الزيت ليستعيد نوره ووهجه، وخاصة ان الجيل الصاعد لم يلمس انجازات على مستوى عال للحركة، وهو لم يعايش مرحلة المد بل مرحلة الجزر. وعلينا ان نهيئه لان فيه من الكفاءات والحماس والشجاعةوالوطنية ما يؤهله لحمل الراية، ويحتاج الى رعاية وتأهيل ليمتلك الخبرة والتجربة لانه في النهاية سيكون في الصفوف الامامية، ويجب ان يكون بقدر المسؤولية، لذا من الضرورة فتح الطريق للجيل الصاعد عبر اعادة صياغة حركة فتح من جديد. وعلى قاعدة فكر ومبادئ الانطلاقة وجذورها، مع الاخذ بعين الاعتبار التطورات والمتغيرات السياسية والفرق بين ما هو مرحلي وما هو استراتيجي. وبالعودة الى مقابلة الرئيس ابو مازن، التي كانت حمالة اوجه، وممكن ان تفسر باتجاهات متعددة، لسنا بوارد الدفاع عن الرئيس لانه اولا ليس متهما، وثانيا لم يخطئ بالمعنى السياسي، وهو الذاهب الى الامم المتحدة للتصويت على عضوية فلسطين، وهذا يتطلب حنكة سياسية وخطاب عقلاني يحشد له رأي عام دولي . ثم اذا اردنا ان نقرأه جيدا علينا ان نلاحظ ردود الفعل الاسرائيلية بعد المقابلة، فالرئيس ابو مازن اعاد الملف الفلسطيني الى عقل الاحتلال الاسرائيلي الذي ينفي حاليا وجود شريك، وفرض عليهم جدلا واسعا حول كيفية التعاطي مع القضية الفلسطينية التي رحلت الى حساب الملف الايراني. هذه الردود هي مقياس الخطاب العقلاني. سألني احدهم لو كنت مكان الرئيس ماذا فعلت، قلت كنت اجريت المقابلة، ولكني كنت اشترطت ان تكون مباشرة حتى لا تتعرض للتحريف والاجتزاء.