أبـــا عمـار .. شمسك لــن تغيــب - رمـزي صادق شاهيـن
كثيرون هم الذين يأتون ويرحلون دون أن يتركوا أي ذكرى لدى شعوبهم ، وكثيرون هم الزعماء الذين ارتاحت شعوبهم منهم ولا يريدون أن يتذكروهم حتى في بعض المواقف الإيجابية ، فقد تعودت الشعوب العربية على نوع من الزعماء والقادة الذين مارسوا الدكتاتورية ضد شعوبهم واستخدموا القمع والتنكيل ضدهم ، وتعاملوا معهم من وراء جدران وأسوار ، وكأن الشعوب عبارة عن مجموعة من العبيد .
لكن هناك من يبقى وتبقى ذكراه خالدة في عقول ووجدان شعوبهم ، وتظل تتذكر مواقفهم البطولية والشجاعة .. مواقف أعطت لشعوبهم احتياجاتها ولبت لها مطالبها .. مواقف دافعت عن حقوقهم وساهمت في إيصال صوتهم وصورتهم للعالم أجمع ، فكان ياسر عرفات واحد من هؤلاء الزعماء ، لدرجة أنه أصبح أسطورة هذا الزمان ، وشكلت مواقفه حالة خاصة تحدثت عنها حركات التحرر في العالم ، واتخذوا من شخصيته ومواقفه العبرة في كيفية الإصرار على انتزاع الحقوق المسلوبة بالتضحية والنضال والعمل الجاد بعيداً عن التطلع للذات ، إضافة على انه مدرسة هامة تعلمت منها الأجيال الأخلاق والأبوة ، مدرسة للصمود والتحدي وعدم التفريط بالحقوق ، مدرسة التضحية والموت لأجل أن يحيا الوطن والشعب بحرية وكرامة .
اليوم وكُل يوم نتذكر أبا عمار ، هذا الزعيم الاستثنائي ، الذي عاش في زمن استثنائي أيضاً ، زمن تكالبت فيه الأمم على شعب أعزل وقضية وطنية هي الأقدم تاريخياً ، هذا الزعيم الذي لازال حاضراً بين أبناء أمته وشعبه فمواقفه لا يمكن إلا أن تكون مرجعية لكُل من يناضل لأجل هذه القضية الشريفة والتي تشكل عصب الصراع العربي الإسرائيلي ، مواقف كانت ولازالت نموذج للقائد الذي ضحى من أجل أن يحيا شعبه حراً كريماً ، زعيماً ضحي بكل المناصب والكراسي لأجل أن تبقى قضيته حاضرة دون أن ينتقص منها أي جزء ، فكانت فلسطين والأسرى واللاجئين والقدس عناوين مهمة لمشروع ياسر عرفات التحرري .
هناك زعماء وقادة سقطت سيرتهم وأهملتهم ذاكرة الشعوب ، وأصبحت صورتهم في عداد النسيان ، إلا أن ياسر عرفات كان ولازال رمزاً للهوية الفلسطينية التي عرفها العالم من خلال كوفيته المشهورة ،هذه الكوفية التي أصبحت عبارة عن نموذج للتعبير عن الرفض للظلم والاضطهاد ، وأصبحت شعوب أوروبا وأمريكا تستخدمها في التعبير عن رأيها .
لن نقول فقدناك يا أبا عمار ، ففي ذكرى استشهادك ، نؤكد على أنك باقٍ في عقول وذاكرة كُل الشرفاء من أبناء هذه الأمة ، وستبقى مواقفك الرجولية والبطولية مدرسة لكُل من يُريد أن يتعلم أصول المقاومة والنضال ضد المُحتل .. لن تسقط يا أبا عمار سيرتك الطاهرة بالتقادم ، وستبقى عطرنا اليومي ورائحة الزهر على أسوار القدس إلا أن نلتقي إن شاء الله في جنان الخلد مع الصديقين والنبيين والشهداء .
شمسك لن تغيب يا أبا عمار ، طالما تركت فينا هذا الإرث من أفعالك وأقوالك ، وتركت لنا الوصية الكبيرة ، بأنه لا تنازل ولا تفريط بحقنا في العودة والحرية والكرامة والاستقلال ، فشعبك وأبناءك من كوادر فتح الذين أحبوك وأقسموا على العهد ، هم الآن يحملون راية النضال من بعدك ، حتى يتم تحقيق حلم الشهداء في وطن الشرفاء ، وحتى يعيش أطفالنا في وطنهم أعزاء كرماء كباقي شعوب الأرض .
إعلامي وكاتب صحفي – غزة
rm_sh76@yahoo.com