الدم يكسر السيف- امين قمورية
لم أسمع خطاب خالد مشعل ولا أريد سماعه، ولا أعير البيانات الرنانة الصادرة عن "القسام" او"الجهاد" او غيرها من الفصائل المسلحة اهتماما، ولم أحصِ كم صاروخا أطلق من غزة، ولا أتوقع مفاجأة من مصر الجديدة تقلب الموازين وتغير المعادلات، ولا أنتظر جديدا لا من "الاخوان" ولا من أمثالهم. من زمان قطعت الامل من جامعة الدول العربية، ولا أراهن اطلاقا لا على دول الربيع العربي ولا على دول الخريف. أراهن فقط على أطفال غزة.
مثلي مثل الملايين في العالم، أتابع بأسى وقلق ما يتعرض له هؤلاء الصبية والبنات من ويلات في ديارهم المستباحة. أذرف دمعة على ولد يسقط، وأتألم مع كل جريح يئن، وأغص لدى سماع صوت أم ثكلى او أرملة. أتوجع لآلامهم، حصارهم فظيع، خسائرهم هائلة. ولكن صدقوني أحسدهم، فهم لايزالون أحرارا. إرادتهم في يدهم، يقاتلون الهزيمة، يرفضون اليأس، يقاومون الاحباط والذل. أطفال غزة اضعفنا بنية لكنهم أقوانا عزيمة. على رغم ما أصابهم، فهم لايزالون بخير ونحن أبعد ما نكون عنه. نحن "الاحرار" مقيدون لا نستطيع حتى ان نجاهر بتضامننا معهم إلا باذن مسبق، نريد ان نعبّر عما يخالجنا من شعور حيالهم لكن حتى التعبير لا يخرج عن الخط المرسوم له. صدقوني ان أزيز الرصاص ودوي المدافع وهدير المقاتلات الحربية التي تقصف منازل غزة وتحوم فوق رؤوس ساكنيها، هي اكثر رحمة وأقل ازعاجا من الخطب الفارغة والتصريحات المسمومة للمسؤولين الجدد الذين حملهم "الربيع" الى الكراسي والتي ثبت انها أكثر خبثا ودهاء من خطب زعماء "الخريف" المخلوعين منهم او الصامدين بقوة القهر والنار.
أطفال غزة يحققون مجددا المعجزة. بصمودهم الذي لا يتكرر يحققون أعجوبتين: واحدة عندما سيردون اسرائيل خائبة من غير ان تحقق أيا من أهدافها وسيرغمونها على إسكات مدافعها بعدما عجز "عمود السحاب " عن صهر ارادتهم وسلخ جلودهم على رغم حمم جهنم التي ما انفكت تسقط على رؤوسهم منذ ولادتهم. وواحدة عندما ذكّرونا بدمائهم بأن ثمة أرضا عربية اسمها فلسطين، وان أهلها يبادون عن بكرة أبيهم بدم بارد على مرأى العالم ومسمعه.
اسرائيل مرة اخرى ستخرج خاسرة من "مهرجان جنوني بالالعاب النارية" على رغم اتقانها فنونه الملعونة. لكن الخسارة هذه المرة مضاعفة، اذ ثبت ان من يفوز في مثل هذه المعارك هو من كان أقدر على التضحية والفداء، فكيف اذا كان الضحية صاحب حق معتدى عليه وعبء دمه ثقيلا، ولا يملك من وسيلة للدفاع عن نفسه سوى اللحم الحي.
بعد أسبوع من الجبروت واستباحة الاخلاق والقيم والحياة الانسانية، سيكسر الدم السيف.