حرب في غزة.. أم مواجهة بين إيران وإسرائيل؟- كامليا انتخابي فرد
من الواضح أن قادة حماس قرروا الابتعاد عن إيران وسورية. في سبتمبر الماضي، فعندما قال الرئيس محمود عباس إنه لن يحضر قمة حركة عدم الانحياز في طهران، سحبت إيران الدعوة التي كانت قد وجهتها إلى إسماعيل هنية
عندما أغلقت مكاتب حماس في سورية وغادر خالد مشعل دمشق، أعرب الكثير من الإيرانيين عن عدم رضاهم. في أصعب الأوقات، عندما لم يمنح أي زعيم عربي ملاذا آمنا لخالد مشعل، استضافت سورية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. ولكن بعد قيام الثورة في سورية، أعربت حماس عن تضامنها مع مطالب الشعب السوري وقررت الرحيل من دمشق.
حماس كانت قد برزت كبديل لحركة فتح التي خسرت بعض شعبيتها بين الفلسطينيين بسبب سلبيتها. وباعتبار أن مواقف سورية من إسرائيل كانت عدائية، وجدت حماس تقاربا بين مواقفها ومواقف النظام السوري ولجأت إليه. وكانت إيران، ولم تزل حتى الآن، الحليف الأقرب إلى النظام السوري وتشكل معه ما يطلق عليه "الممانعة" ضد إسرائيل.
بعد خروج حماس من دمشق، بدأت قيادتها تنأى بنفسها عن النظام الإيراني أيضا. منذ ثلاثة أشهر، مثلا، صرح رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة والقيادي في حماس، إسماعيل هنية، بأن حركة حماس ستقف على الحياد في حال نشوب حرب بين إيران وإسرائيل. ذلك التصريح كان مؤشرا واضحا على أن العلاقات القوية بين إيران وحركة حماس قد انتهت. الإعلام الإيراني بدأ ينتقد القيادة الإيرانية التي أنفقت الكثير لدعم حركة حماس.
وبغض النظر عن حسابات قادة حماس، فمن الواضح أنهم قرروا الابتعاد عن إيران وسورية. في سبتمبر الماضي، عندما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه لن يحضر قمة حركة عدم الانحياز في طهران، سحبت إيران الدعوة التي كانت قد وجهتها إلى إسماعيل هنية، وفهم قادة حماس أن أبواب طهران لم تعد مشرعة لاستقبالهم دائما ودعمهم كما كانت في السابق.
يتذكر الإيرانيون جيدا أنه عندما هاجمت إسرائيل غزة في أواخر 2008/أوائل 2009، تم نقل كثير من الجرحى الفلسطينيين إلى إيران لمعالجتهم، وقد تعاطف الشعب الإيراني كثيرا مع أبناء الشعب الفلسطيني الذين فقدوا بيوتهم وأرواحهم نتيجة العدوان الإسرائيلي، لكنهم كانوا ضد تقديم التأييد غير المحدود لحركة حماس. لكن النظام الإيراني كان يريد أن يجعل من حماس حليفا يعتمد عليه في حال تعرض إيران للخطر من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.
مواقف حركة حماس اليوم تذكر الإيرانيين مرة أخرى بمواقف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي دعمته طهران ماديا وعسكريا، لكنه سرعان ما وقف مع صدام حسين ضد إيران في بداية الحرب العراقية – الإيرانية عام 1981. وبعد وفاة الرئيس عرفات وصعود نجم حركة حماس، عادت العلاقات الإيرانية مع الفلسطينيين إلى اكتساب ما فقدته من قوة بشكل تدريجي.
غزة الآن تحت النار. إسرائيل هاجمت القطاع لتدمير مخزون حماس من الصواريخ، وحققت نجاحا جزئيا. العدوان الإسرائيلي على غزة حول اهتمام الإعلام قليلا عن الأحداث في سورية، وهذا جيد للرئيس السوري وإيران. لكن قادة إيران لا يزالون غاضبين من حماس ولذلك فإن إسماعيل هنية يجب ألا يتوقع الكثير من النظام الإيراني.
لذلك فإن حماس تعتمد الآن على مصر لمساعدتها على دخول مفاوضات سلام مع إسرائيل. الرئيس المصري محمد مرسي وجه تحذيرا لإسرائيل من القيام بهجوم بري ضد قطاع غزة. وفي اعتقادي أن حركة حماس ستكون الخاسر الأكبر بعد هذه الحرب، وأن حركة الجهاد الإسلامي بدأت تكسب مؤيدي حماس الذين بدؤوا يحولون دعمهم إليها، وبالتالي فإن إيرن قد تكون الرابحة بشكل غير مباشر بسبب العلاقة الجيدة التي تربط حركة الجهاد الإسلامي مع طهران.
ربما ترغب إيران في أن تخسر حركة حماس المعركة السياسية لصالح حركة الجهاد، وهذا ما لا تريده إسرائيل. تل أبيب تريد تدمير مخزون الصواريخ الذي لدى حماس، وتأمل إسرائيل ألا تستطيع الحركة تعويض ما تخسره من تلك الصواريخ بسبب بعدها عن كل من سورية وإيران في هذه المرحلة. لكن إسرائيل حققت هدفا آخر أيضا. كان هناك الكثير من الحديث عن احتمال عقد مباحثات أميركية – إيرانية ثنائية مباشرة، لكن هذه الحرب على غزة حولت انتباه المسؤولين الأميركيين عن الإعداد لمثل هذه المفاوضات، ويعتقد مراقبون أن الطرفين الإيراني والأميركي قد لا يفكران في دخول مفاوضات ثنائية خلال فترة قريبة، وهذا يعني استمرار الضغوط الأميركية على إيران بخصوص برنامجها النووي. لفترة أطول.
وفي النهاية فإن إسرائيل تمكنت من تجريب واستعراض "القبة الحديدية" التي يفترض أنها تحمي إسرائيل من هجمات صاروخية. هذا النظام الدفاعي الصاروخي الإسرائيلي حقق بعض النجاح لكنه لم يكن كاملا. وبحسب الادعاءات الإسرائيلية فإن نظام "القبة الحديدية" قد نجح في الاختبار وسيكون مصدر تحد للصواريخ الإيرانية في حال فكرت طهران في ضرب تل أبيب بالصواريخ. ومن ناحية أخرى، قد يلعب الادعاء الإسرائيلي بنجاح "القبة الحديدية" دورا في المعركة السياسية الانتخابية في إسرائيل، حيث سيحاول نتنياهو بالطبع لعب هذه الورقة لصالحه في الانتخابات القادمة.
ولكن من سينجح في تحقيق أهدافه من هذه الحرب على الفلسطينيين في غزة: إسرائيل أم طهران؟
*نقلا عن "الوطن" السعودية