ذاك الطفل لم يعد هناك - عطا الله شاهين
أصّر ذاك الطفل على اللعب في باحة منزله، فهو لا يأبه لصوت الطائرات ، ويمسك كرته ويركلها والابتسامة لا تفارق محياه ، ورغم القصف من حوله فهو يصمم على أن تستمر حياته كباقي أطفال العالم.. يداعب الكرة ويقبّلها ويضمها الى صدره وكأنه يقول لها سأشتاق اليك ذات يوم.. فأنت انتظريني على سريري سأعود من المدرسة لكي نمارس جنون اللعب .
الطائرات تقصف وهو يركل الطائرة في كل الاتجاهات، ويركض خلفها ويحاول أن يكون محترفا في مداعبتها ويضربها برأسه ويسدد أهدافا رائعة على مسمع صوت الانفجارات من حوله، ولكنه يحب اللعب ويريد أن يكون كأطفال العالم لهم حقوق يجب صونها. أمه تحضر له طعام الغداء وتحاول ارجاعه الى البيت، ولكنه مصمم أن يبقى تحت القصف لأنه يحب أن يكون طفلا مخلصا لوطنه، فأمه تراقبه عبر النافذة فهو ما زال هناك في باحة المنزل ، وتناديه بصوتها الحنون لكي يأتي ويأكل طعامه.
يرد ذاك الطفل بأنه مشتاق لكرته، فهو لا يريد أن يفارقها ويحاول تهدئتها بيديه، ولا يخاف اللعب هناك خلف الشجيرات بعيدا عن بيته، يبحث عن كرته بين الركام فهو لا يجدها، يحاول الوصول الى بيت جاره المدمّر ربما تكون هناك.. القصف يشتد من حوله وهو مصمم على الوصول اليها... أمه تناديه فلم يعد يجيب عليها... تذهب لتبحث عنه فتجده بين الركام ممسكا كرته ويبتسم، فتدرك أن الطفل سقط شهيدا وتصرخ، ولكن لا أحد يسمعها .. تحمله بين يديها الى المنزل وتبكي بحرقة.. تأخذ الكرة وتضعها على السرير.. تنتظر عودته من المدرسة.. فذاك الطفل لم يعد هناك..