الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة  

شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة

الآن

لمن تزرع الورد في دخان الكلام يا خالد الشوملي؟- احمد دحبور


هذا شاعر لا يبني مضاربه بعيدا، مع انه بعيد في ألمانيا.. وهو كذلك لأنه لا مضارب له او خيام، فهو مهندس مدني قضى اكثر من عشرين عاما في ديار الغربة حتى غدت ألمانيا موطنا ثانيا له بعد بيت ساحور الفلسطينية التي رأى اول النور فيها عام 1958، واذا كان الشعر قد أتاه في حقل الرعاة، فان تجربته الفنية قد ترعرعت واعطت ثمارها في بلاد الحديد والاسمنت والمصانع الشاهقة، فظهرت مجموعته الاولى «لمن تزرع الورد» عام 2008، واصدر مع شعراء عرب آخرين مجموعة «مراتيج باب البحر» عام 2009، وها هي مجموعته الثالثة «معلّقة في دخان الكلام» تظهر هذا العام 2012، وقد فهمت ان له مجموعتين جديدتين لا ادري ان كان قد دفع احداهما الى المطبعة..
ولأنه في محيط الحداثة والحوار مع الآخر، فقد اتيح لشعره ان يزور اللغات العالمية من انكليزية وفرنسية والمانية واسبانية وايطالية وحتى كرواتية، والى ذلك هو عضو في ملتقيات ونواد ادبية وثقافية، بل انه ترأس لجنة تحكيم مسابقة الشعر لجائزة يوم الارض في دورتي 2011 و2012 في ملتقى للأدباء والمبدعين العرب، بل انه كان عضوا في لجنة التحكيم لغير مسابقة شعرية، اضافة الى ولعه في كتابة نصوص الاغاني الوطنية والقومية، مثل نشيد الانتفاضة، حي القصبة، هذي الأغاني يا عرب..
لكنه لم يكتف بالقصيدة ونص الأغنية، بل كتب ايضا في مجال القصة فحصل على جوائز ادبية في مجال الشعر والقصة القصيرة..
ومن الطريف ان الغربة الغربية لم تصرفه تماما عن بناء القصيدة العربية الموزونة من نظام البيت الشعري الى نظام التفعيلة، وانه لأمر لافت ظهور قصائد له قائمة على مبدأ البيت، ولا اقول العمودية، فهذا الذي عارك الحداثة اختيارا وموضوعات شعرية يعمل على تحقيق فهمه للحداثة بأدوات عربية لغة وعروضا، وهو ما يعيدنا الى ما بدأنا به من انه لا يبني مضارب خيام بل يفيء الى العمارة الشعرية التي اورثنا اياها الرواد من امثال السياب ونازك وخليل حاوي والبياتي الى آخر كوكبة التجديد. على انه يعيش تجربته الشعرية كما يهواها وعلى طريقته، حيث يختلف احيانا ولكنه لا يغني خارج السرب..
المتوحد المتعدد
كأنما رسم خالد الشوملي طريقه في الشعر بموازاة خطته لدخول الحياة، فهذا المؤمن بالقول العربي:
«من خلع ثيابه فانه تعرى»، هو نفسه الذي يجسر على مفارقة «ان تزرع الورد في ساحة الحرب»، ولا يتردد في ان يعطينا «حكمة» لكتابة الشعر:
في الحزن كن متوحدا
في غابة الشعر الجميلة،
كن اناشيد الطفولة والهوى..
في الوزن كن متعددا..
فهو في مساحة الشجن مفرد وحيد، بل انه متوحد بصريح العبارة ما دامت ساحته الروحية خاصة به، الا انه حين يرسل صوته الى الشعر، يأتمر بقوانين الفنية التعددية حيث «الشعر» بلا ضفاف مع الاستئذان من مصطلح روجيه غارودي الذي اخذ عنوان كتابه الشهير «واقعية بلا ضفاف».. واذا اتينا الى الشاعر من اواخر ما وصل اليه، نراه يؤكد هذا المذهب مع الانتباه الى ان دورة الحياة انما تسير قدما في الحياة والاسلوب معاً:
متعرج كالنهر عمري،
تارة يسري ببطء،
تارة كالخيل يجري
ولأنه مسار متعرج فلن يفاجئنا اذا انتحى جانبا تقليديا حينا، حتى لنتساءل ما اذا كنا امام شاعر حديث حقا، كأن يقول:
لا تبخلي بالزيت والحطب
رشي عليّ النار والتهبي
شجر البلاد يصيح منتفضا
هبت عليها موجة الغضب
وتارة يخلد الى تأملات رومانسية تضعه على عتبات الشعر الحديث كهذه العينة التي نرى منها الكثير في مجموعتيه لمن تزرع الورد ومعلقة في دخان الكلام:
احاور روحي،
فتهزمني ببراعة منطقها،
ادعي انني بعد تلك الهزيمة،
لن ادع الحب يحزنني من جديد
فنراه يتعمد استخدام الكلام اليومي «براعة منطقها» و«لن ادع الحب يحزنني»، لكن هذا الاستخدام المقصود يأتي مشفوعا بمحاورة الروح والجرس المتواصل الذي لم نكن نعرفه قبل الشعر الحديث، بل انه يتبع اشكالا متطورة من قصيدة التفعيلة، حيث يعمد الى تدوير النص حتى لنحصل على مقطع كامل يستهلك عشرين تفعيلة من فئة «فاعلاتن» من غير انقطاع، مثلا:
غفوة تخطفني من تعب اليوم وفوضى السير، تلقيني بعيدا في مكان هادئ، ذاكرتي صافية، تبهرني مملكة في آخر الدنيا على العرش، ارى صورتها باسمة، اما انا فالغيم منطادي اليها..
بالطبع لم يترك الشاعر هذا المقطع ممتدا بهذه الطريقة النثرية، بل وزع السطور حسب الايقاع النبري، فيما لو قمنا بتقطيع الوزن عروضيا لكان المقطع متصلا كما رأينا.. والواقع ان هذا الاسترسال العروضي قد شهده بعض الشعر العربي في العصور الوسطى المتأخرة، واطلقوا عليه اسم «البند»، الا ان الذائقة التقليدية لم تستسغه في البدايات حتى اتت الحداثة لترضى باشكال التعبير كافة في سياق محدد محكوم بحسابات فنية خاصة.
مفردات الطبيعة
وشاعر كهذا، يغويه الذهاب الى منطقة لغوية خارج الخطاب الشعري السلفي، فنحن هنا لا نقع على تعابير جاهزة، مثل «انقض مضجعة» او «زرافات ووحدانا» او «آذنت الشمس بالشروق»، بل نراه يحنو على براءة الطبيعة حتى ليطلع الورد علينا منذ العنوان في «لمن تزرع الورد» وتغص المجموعة بعناوين مثل «الورد يذبل - يا وردة - لمن تزرع الورد»، وهو ما يظهر في المجموعة التالية حيث تأخذ الطبيعة مداها في عناوين مثل «حين تقترب الفراشة منك - لا يشتكي النهر - قمر يرافقني - يطير السحاب الى القدس - اذا طرت فوق السحاب»، الخ.
على ان الورد والسحاب والليل وما الى ذلك من مفردات، لا تعني ان الشاعر متعبد في هيكل الطبيعة، بل هو داخل في تجربة الحياة حتى شحمتي اذنيه، فليست مفردات الطبيعة الا وعاء فنيا ملائما لمزاج شاعر يميل الى اتساع الأفق بدلاً من الاكتفاء بجهامة المعاجم والقواميس. اذ من الصعب، بل من غير الضروري ان نحصي الموضوعات التي تطرق اليها، بل ان ثمة في الحداثة من يرى في الموضوع مجرد ذريعة للتعبير عما يعيشه صاحب النص من مشاعر ونوازع وأفكار.. خذ مثلا هذا المقطع التأملي:
كان طفلا يعشق الأرقام،
يحصي الناس في الشارع،
من غير انتباه لتضاريس الوجوه،
عدَّ ألفين وأكثر
ان هذا الكلام، في حسابات الموضوعات الشعرية القديمة، لا يعني شيئا. ولكن دعونا نتأمل اللحظة التي يطل منها على العالم، فمن فينا من لم يشد انتباهه احيانا منظر عابر في الطريق او بكاء طفل، او حركة عاطفية بين عاشقين؟ او اذا كان منعزلا في البيت الا يستغرق هذا المتوحد في تأمل الجدار او شكل السقف او عدد المارة في الشارع؟ لقد كان الشعراء قديما محكومين بما يسمى الاغراض الشعرية، فمن مديح الى هجاء الى رثاء الى غزل الى حنين الى آخر هذه العناوين التي اسهب اسلافنا من النقاد في تبويبها والموازنة بين العاملين على انوالها، اما الحياة الحديثة فهي تتسع للمستويات النفسية المتداخلة والتأمل كما رأينا في المقطع السابق. والواقع ان هذا الخطاب الشعري الحديث قد تعرض كثيرا للنقد، او حتى السخرية، من سدنة الهيكل التقليديين الذين لم يكونوا يتورعون عن كتابات عبثية لا معنى لها على اساس ان هذا هو الشعر الحديث، ولكن العين القادرة على النفاذ ترى الشعر من مواقع مختلفة، فليس الشعر وحده الذي تغير، وانما المتكلم والمخاطب قد اصبحا بعيدين عن المادح والممدوح. والينا هنا «اسئلة بريئة» من مجموعة معلقة في دخان الكلام:
ترشقون الفواصل في جملي،
تمنعون التواصل بين الحروف الحنونة،
ماذا ستبقون لي حين تبتر من لغتي الألف؟
في هذا الكلام يستطيع الشاعر ان يوظف حتى مكونات الكلام من فواصل وجمل وحروف، فالحروف لها مهمة درامية في هذا السياق، حيث يصبح حرف الألف المبتور تعبيرا عن انقطاع المد والاسترسال في الخطاب، ولأن الشعر الحديث لم يتقيد بنظام البيت المقفل على فكرة محددة، فاننا نمضي الى مقطع آخر ليتسع أفق المعنى، فهو يقول:
تزرعون الخناجر في كبدي
إخوتي
وانا لكم الكتف
واذا مر معنا، من قبل، تعمد الشاعر استخدام الكلام اليومي، فان هذا ليس خاتمة المطاف، إذ إنه يعمد أيضاً الى المجاز، فليست الخناجر في الكبد هنا جريمة جنائية بقدر ما في الأمر من رمز للأذى والغدر اللذين يقابلهما انه كتف لأهله، بمعنى السند والدعامة، وفي الطباق بين اذى الأهل واقتداء الشاعر لهم بوصفه كتفا للجموع تصبح الصورة واضحة شاملة. وهو ما يحيلنا الى المعنى الآخر للطبيعة فهي بمستواها الاول شجر ونجوم وأمكنة، وفي مستواها الثاني تتعلق بالنفس الانسانية أي بطبيعتها.
سحر الكلمات
في المقطع الأول الذي يفتتح مجموعة «لمن تزرع الورد»، يميز خالد الشوملي بين وظائف الكلام على النحو الذي نشعر به ان الكلمات كائنات من لحم ودم:
هي الكلمات - اذا شئت - سيف
يقطع اوصالنا،
وهي - ان هذب الحرف - ام
تجمع اطفالنا
ولأن الكلمات ملغومة بالقدرة على التغيير فانه يدعو الشاعر - ام انه يخاطب نفسه بنبرة خطابية مباشرة - لتخفيف وقع الكلام على سامعيه:
يا ناظم الكلمات خفف وقعها
فحروفها امضى من الصمصام
على انه أخبرنا في المقطع الاسبق، ان الكلام سلاح ذو حدين، ما يعني ان وقع الكلمات قد يكون جارحا كما تقدم، لكنه قد يكون بلسما يحن اليه بوصفه امتدادا للآخر وعلامة تدل عليه، هو ذا يقول:
اشتهي في الليل بحرا من كلام وابتسامات،
وبستانا مليئا بورود ا لشمس،
في الصبح تحن النفس للنفس،
ويشتاق فمي للهمس
ودعونا نقبض، في هذا المقطع الصغير على بضع ملاحظات، منها ان البستان والورود والشمس هي من مفردات الطبيعة التي يؤثرها كما اشرت سابقا، ومنها القوافي الداخلية حيث يجري السين اربع مرات متلاحقة: الشمس، والنفس للنفس، والهمس.
كما يلفت نظرنا التدوير العروضي، كما رأينا غير مرة، فتتراكم «فاعلاتن» اثنتي عشرة مرة خلافا لما نعرفه عن نظام البيت الشعري، ولما شاع في بداية اكتشاف الشعر الحديث حيث لا يوجد قانون عروضي لعدد التفعيلات، لكنها في العادة لم تكن تمتد الى هذا العدد لولا ان الشعراء الذين مضوا بعيدا في استخدام التدوير فعلوا ذلك وما هو أكثر. واللافت انه يختم المقطع هذا بتفعيلة ناقصة «فاع» كأنما للايحاء بأن نهر الكلمات المتدفق متواصل.
هكذا يخرج من لغة النبوءة التي يصدع بها الكثير من الشعراء ويكتفي بايقاع الحياة حيث ان الكلام تواصل وللمتلقي ان يأخذ به او ينصرف عنه:
ها أنا لا اعكر ما قد تعكر من زمن،
فاسمعوا ما يقول لكم شاعر عابر،
ثم كونوا كما ترغبون.. وما يشتهي الانبياء
وقد كنت اتوقع، ولا حق لي ان اتمنى لو انه توقف عند رغبة الناس في ان يكونوا كما يرغبون، لأن اضافة ما يشتهي الانبياء اتت في هذا السياق وكأنها تنقض الرغبة في الانفلات. لكنها الكلمات التي تحقق المتناقضات، وما سلاح الشاعر الا الكلمات، فهل يتخلى عن السلاح؟؟!
للبلاد حصتها
لا يفاجئنا الشاعر في انحيازه الى الوطن، فهذا الذي ينتهي اليه حبله السري، ويشكل بصمته الروحية:
لو كنت يوما اشتهي وطنا
لاختارني العنوان والبلد
شقوا الفؤاد ليقرأوا كتبي
لكنهم الاك لم يجدوا
وهذا الوطن ليس معلقا في الريح، انه حسب القصيدة منتشر في تونس والمغرب ومصر «والقدس لا ينسى اسمها احد». وهذا الوطن مستباح جريح، فهو ليس كأي وطن الذي ابى ابن الرومي ان يبيعه وان يرى غيره مالكا له، بل هو الوطن القضية:
قلبي على وطن تنز جراحه
وخز الضمير فهل يفيق ذبيح؟
عجبا لهم.. وطن يقص جناحه
ويقال: طر ان الفضاء فسيح
فالوطن هو فلسطين الحرة، وهو الصراع من أجل الحرية، وهو ما لا يكون الحنين الا اليه او الى ما يذكر به: حبل الحنين اشده فيشدني وطني المشتت في جحيم خيام، وهو مفردات المكان من الجغرافيا الى الذكرى الى حضن البيت، ولهذه المناسبة افلا يذكر حقل الرعاة الذي تحتضنه بلدته بيت ساحور وهي التي لحق مجوسها نجم الصبح حتى ادركوا ميلاد المخلص، فهي جرح لا يريد ان يبرأ:
سلم على حقل الرعاة وأهله
واكسر رغيف الخبز مع اعمامي
ما زال جرح الارض ينزف في دمي
فاضغط عليه بقوة الابهام
والى هذا، يظل الشعر دليلا الى ذلك الغامض فينا، فهو صورة وفكرة وهو اشراقة دائمة:
ذات يوم دهمتني فكرة غطت سمائي
حجبت عني شعاع الشمس، لم اعرف طريقي
فتعكزت على الماء.. فضاع البحر مني
وان يضيع البحري يعني ان يتميز الشاعر بمفقوده الفريد الذي لا يملك الا البحث عنه حتى النهاية.
أفق اللانهاية
في المجموعتين اللتين امامي من شعر خالد الشوملي، يصعب ان تنسب احدى قصائده الى اي من المجموعتين، فالشاعر هو هو ولكن بلغة تتجدد وتسأل وتبحث: اقضي حياتي كلها سفرا افتش عن سماء.. وسماء الشاعر، بلاشك، هي النزعة المستدامة الى أفق اللانهاية.. ومتى كان الشاعر اي شاعر يكتفي بما يرى او بما يصل اليه.. ان قدره ان يضرب في الارض وفي ادغال روحه بحثا عن المطلق الذي يسبقه في الحالة الفلسطينية، وطن نراه ولا نملك الا ان يجرفنا الحنين اليه، حتى الذين وصلوا اليه منا، يظلون في شوق مستدام كحال ابن الرومي الذي يحن الى محبوبته كلما عانقها وهل بعد العناق تدانِ؟..

 
 


za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024