بعد هدنة غزة . . ماذا بانتظار فلسطين؟ - مأمون الحسيني
أثار العدوان “الإسرائيلي” على غزة و”هدنته” التي أبقت الباب موارباً أمام مختلف الاحتمالات، أسئلة عديدة ومتنوعة تمركز أبرزها حول أهداف ومرامي هذا العدوان ونتائجه السياسية الأكثر ترجيحاً في ظل البيئة الإقليمية المستجدة القلقة التي تحاول “إسرائيل”، ووفق صيغ تكتيكية وإستراتيجية منهجية مخطط لها مسبقاً، استغلالها لتطويع الحركة الإسلامية الصاعدة في العديد من الدول العربية، من جهة، ووضع حد حاسم ونهائي للقضية الفلسطينية، من جهة ثانية . وذلك بدءاً من الحديث عن المصالح الانتخابية لنتنياهو وشركائه في الائتلاف الحكومي، ومروراً بالأهداف “الأمنية” التي حددها وزير الحرب ايهود باراك بثلاثة: تقليل إطلاق القذائف الصاروخية، وتعزيز الردع، وتحسين الواقع الأمني اليومي لسكان جنوب فلسطين المحتلة، وانتهاء بالمرامي الإستراتيجية التي تتجاوز عملية الهروب من الاستحقاقات السياسية، إلى الشروع في عملية فصل قطاع غزة، وعلى المستويات كافة، عن الضفة الغربية، وتصديره إلى مصر باعتبار أن “حماس” الذراع الإخوانية للجماعة في فلسطين، وتحويل ما كان حلماً “إسرائيلياً” بالتخلص من غزة إلى جزء من الربيع العربي الذي يقوده الغرب .
في موازاة ذلك، وفي ضوء شبه الإجماع “الإسرائيلي” على الانسحاب من طرف واحد من مناطق التجمعات السكانية في الضفة الغربية التي ستتدحرج نتائج العدوان إليها، ورسم حدودها مع الفلسطينيين والأردنيين، من دون مفاوضات ولا اتفاقيات ولا مرجعيات ولا شرعية دولية، ونقل القضية والبشر والصراع من غرب نهر الأردن إلى شرقه، فإن المرجح هو وضع مشروع “الوطن البديل” على الطاولة من جديد، وفتح أبواب الحل الإقليمي بعد الإطاحة بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية . ولا يمكن فهم إعلان الأمير حسن بن طلال المباغت بأن غربي النهر هي أرض احتلت وهي تحت السيادة الأردنية، وارتفاع وتيرة النقاش حول مستقبل الضفة الغربية، والعلاقة بين الضفتين الشرقية والغربية على هامش العديد من البيانات والمواقف والمقالات التي طفت على السطح مؤخراً في الأردن، إلا في هذا الإطار، وإن كان العديد من المثقفين السياسيين وضعوه في سياق إرهاق الشارع الأردني وتأخير الإصلاح السياسي والمماطلة به .
في مجمل الأحوال، يفيد التدقيق في حيثيات العدوان ومساره ونتائجه بأن الفائدة الانتخابية لنتنياهو كانت محدودة للغاية، إن لم تكن غائبة تماماً، كون الرجل كان يتمتع بأغلبية مريحة في استطلاعات الرأي، فيما تعترف محافل الجيش الصهيوني ومعظم الصحافة العبرية بمحدودية “الإنجازات الأمنية”، ما يعني أن استفراد غزة لم يكن فقط عسكرياً بل كذلك استفراداً على المستوى السياسي، جراء الانشغال العربي بالأزمات والصراعات والفوضى والغموض الذي يلف المشهد الإقليمي الآخذ في التشكل، والذي لا يتيح تقديم أي نوع من المبادرات، ولا يعطي الأولوية للملف الفلسطيني . وهو ما عبر عنه بوضوح معلق الشؤون الحزبية في صحيفة “معاريف”، شالوم يروشالمي، عندما دعا إلى ترك غزة لمصر، واصفاً زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى غزة بأنها فتحت نافذة فرصة فريدة بهذا الاتجاه .
وعليه، وأياً يكن مصير اتفاق التهدئة المبهم الذي تم التوصل إليه، برعاية مصر المطلوب منها “تطويع وترويض” حركة “حماس” وبقية الفصائل الفلسطينية، أو الاتجاه الذي ستسلكه آليات تنفيذه، فإن ما يمكن تلمسه بوضوح هو سعي “حماس” الحثيث إلى جني مكاسب سياسية ترقى إلى انتزاع غربي، وربما “إسرائيلي” بها، وهو ما يفترض التحول إلى سلطة مدنية “مسالمة”، وتراكم مؤشرات إضافية على إمكانية وقوع الحركة الإسلامية الفلسطينية وحكام مصر الجدد في الفخ “الإسرائيلي” المتعلق بمستقبل غزة، من نمط رعاية مصر لاتفاق التهدئة، واعتبارها مسؤولة عن تنفيذه، وإعلان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد بديع أنه “لا مانع من إقامة مخيمات للفلسطينيين في سيناء”، وذلك في مقابل جنوح السلطات المصرية الجديدة، ومعظم الغرب وبعض العرب، إلى فرض ما يشبه المقاطعة على المنظمة والسلطة لدفعهما إلى التراجع عن التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل وضع دولة غير عضو في المنظمة الدولية .
غير أن هذا المسار الذي بدأت ملامحه بالارتسام دونه عقبات وعقد ليست بالقليلة، ولا سيما في ظل خمود “الربيع العربي”، وعدم القدرة على التنبؤ أو استشراف مستقبل دوله التي لم تستطع نظمها الإسلامية الجديدة تحقيق إنجازات جدية، سواء على صعيد العدالة الاجتماعية والتنمية والديمقراطية، أم في ما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي “الإسرائيلي”، وعدم وجود ضمانات بإمكانية موافقة أو قدرة “حماس” “تدجين” قوى المقاومة، ومواجهة الحركات الأصولية، وفق متطلبات الكيان “الإسرائيلي” السياسية والأمنية .