اصبح عندي الان "دولة" !- ابراهيم ملحم
اعاد خطاب الرئيس محمود عباس، امام ارفع منبر دولي ،في"الجمعة الاممية التاريخية"، والذي نالت فيه فلسطين ما ارادت، باغلبية ساحقة .. هذا الخطاب اعاد توازن "الردع الدبلوماسي" المفقود منذ عقود ، في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي ، مثلما استعاد صمود المقاومة في غزة "توازن الرعب" مع القوة العمياء المنفلتة من عقالها، وهو توازن ظل طيلة تلك العقود مختلا لصالح صاحب الدبابة، الذي ظل يذبح امالنا،واحلامنا،ويستحيي طموحاتنا، بالرصاص المصبوب تارة ، وطورا باعمدة النار والدخان ،والتي تكشفت من ثنايا غيومها هشاشة القوة الطاغية التي تجردت من اخلاقها، بعد ان ضبطت متلبسة بفعلها الفاضح، وعلى الهواء ،وهي تقتفي اثر الابرياء من الاطفال، والنساء ،والشوخ الذين لاذوا الى بيوتهم ،قبل ان تختفي تحت اعمدة النار والدخان القاتلة عائلات باكملها .
"لهذا نحن هنا اليوم".. عبارة كررها صاحب رواية الحق ،اكثر من مرة وهو يقص على الامم ،الام طريق الجلجلة، المحفوفة باعمدة النار والدخان، والتي حصدت الارواح، ودمرت الممتلكات ،طيلة ثمانية ايام، لم يبق خلالها بيت في القطاع ،الا وبه ضربة بسيف ،او رمية بسهم ،او طعنة برمح .
"لهذا نحن هنا اليوم".. عبارة تردد صداها في اروقة الهيئة الدولية ،كدوي صافرات الانذار في المدن الاسرائيلية ، وهي تضع العالم امام مسؤولياته،لانقاذ الفرصة الاخيرة لحل الدولتين، وهو الحل الذي دفن او يكاد، تحت انقاض اعمدة النار والدخان، المصبوبة على رؤوس الامنين، في قطاع غزة ،مثلما دفن تحت اسنان الجرافات وجنازير الدبابات في الضفة .
"لهذا نحن هنا اليوم".. صرخة لامست اسماع الامم وضمائرها، التي استجابت سريعا لمعاني الاضطرار، والاستعجال الكامنة فيها، بالتصويت الطافح ،بما يلبي نصاب الثلثين وزيادة ،وهو تصويت وان عكس نفاذ صبر العالم من مراوغات المحتل التي ارادت للمفاوضات ان تبقى اسيرة متاهات لانهاية لها ،فانه في الوقت ذاته يعكس اتساع قاعدة التاييد والتضامن مع الشعب الفلسطيني ،وانحسار اعداد الدول الداعمة لاسرائيل، والتي بدت على خارطة العالم في تلك الليلة التاريخية كباقي الوشم في ظاهر اليد.
لقد وصل الرئيس ابو مازن الى المنبر الاممي محمولا،على كل ذرة تراب، وعلى كل صرخة عذاب ، لشعبه العظيم ،الذي مازال يضمد جراحه، ويواصل دفن شهدائه من النساء والاطفال والشيوخ، بينما هو يبحث حتى الان عن بقايا حياة تحت انقاض البيوت المهدمة تحت اعمدة السحاب .
بميلاد الدولة على ايدي القابلة القانونية الاممية يوم 29/11/2012 يولد في فلسطين انسان جديد ،انسان لاتخدعه الوعود، ولا يرهبه الوعيد ، انسان يؤمن بحتمية انتصار الحق على الباطل، والوطن على الاحتلال، والحقائق الثابتة على عناصر الغطرسة.
اصبح عندي الان "دولة".. عبارة بامكان كل فلسطيني ،وفلسطينية ان يرفع راسه بها وهو بكامل الثقة واليقين، بقرب ملامسة الحلم الذي قدمت من اجله التضحيات، لتجسيد السيادة على كامل اراضي الدولة العتيدة، وهي دولة باتت حاضرة في السجلات القانونية لارفع هيئة دولية ،مثلما هي حاضرة بامالها ، والامها، واحلام ابنائها ،في وعي الامم ،وضمائرها الحية، والتي صفقت، وصوتت تقديرا لقيم العدل والحق، التي نطق بها صاحب الرواية بعد ان عيل صبر تلك الامم من بلطجة صاحب الدبابة وغطرسته
ولان الصديق وقت الضيق فانه من الوفاء ، ونحن نقدر لكل دولة شقيقة اوصديقة تصويتها بنعم لصالح ميلاد دولة فلسطين، ان نقدم كلمة شكر وتقدير لتركيا حكومة وشعبا، ممثلة بوزير خارجيتها احمد داوود اوغلو ، لموقفه النبيل مع اهلنا في غزة عندما اجهش بالبكاء من فرط ما شاهده من حالات صادمة داخل مستشفيات غزة من اثار العدوان ، ولموقفه النبيل بحضور لحظات ميلاد دولة فلسطين في الهيئة الدولية، وكلماته التي لامست مواضع الاحترام، والتقدير لدى كل مواطن فلسطيني وهو يتابع لحظات الفرح بالحدث التاريخي.. فللشعب التركي الصديق نزجي عظيم " التشكرات teşekkürler".