حول استنكاف وزراء الخارجية العرب- حمادة فراعنة
قاطع وزراء الخارجية العرب بمن فيهم أمين عام الجامعة العربية، جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/2012، المكرّسة لبحث الطلب الفلسطيني، والتصويت على قرار قبول عضوية فلسطين "دولة مراقب"، ولم يتجاوبوا مع دعوة زميلهم رياض المالكي ومع قرار مجلس الجامعة العربية الذي أكد ضرورة حضورهم جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لأهمية الموضوع وعنوان القضية التي تشكّل محطةً انتقاليةً على طريق استعادة الشعب العربي الفلسطيني كامل حقوقه غير المنقوصة: حقه في المساواة في أراضي 48، وحقه في الاستقلال في أراضي 67، وحق اللاجئين في العودة.
وزراء خارجية البلدان العربية، ولا أستثني أحداً منهم ـ وأكرر لا أستثني أحداً لا القريب منهم ولا البعيد ـ لم يتجاوبوا مع الرغبة الفلسطينية، بل تجاوبوا مع ضغوط السيدة كلينتون، و"تحججوا" بأن هناك دعوةً ولقاءً مسبقاً، عربياً تركياً، بهدف تعزيز العلاقات العربية التركية، مع أن جوهر لقاء أنقرة كان بحث الأزمة السورية، فسافروا إلى تركيا واجتمعوا هناك، ولكن وزير خارجية تركيا تركهم في بلده ولبى الدعوة الفلسطينية وذهب شخصياً إلى نيويورك، لأنه سبق أن شارك مع اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذين أيدوا خطة منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها لتقديم طلب العضوية، بما فيها ضرورة حضورهم جلسة مجلس الجمعية العامة للأمم المتحدة للأهمية السياسية والمعنوية، ولهذا فاجأ أحمد داود أوغلو، وزراء الخارجية العرب وغادر إلى نيويورك لأهمية الدعوة الفلسطينية، وترك أقرانه العرب يستمتعون في مطاعم وفنادق تركيا، ولا أقول غير المطاعم والفنادق، انتظاراً لمضيفهم التركي الذي تأخر عنهم في نيويورك
وزراء الخارجية العرب، لم يتجاوبوا مع الدعوة الفلسطينية، ولكنهم تجاوبوا مع التحذير الأميركي الإسرائيلي ولم يحضروا جلسة نيويورك، يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في 29/11/2012، وقد راهن عدد منهم على عدم نجاح الطلب الفلسطيني، ونصحوا بعدم الإقدام على الخطوة حتى لا يفشل التصويت لصالح فلسطين كما سبق وفشل في مجلس الأمن العام الماضي، حينما قدم الرئيس أبو مازن طلب العضوية العاملة يوم 23/10/2011، ولهذا الوقت لم تفلح منظمة التحرير في توفير النصاب من تسع دول لقبول فلسطين عضو عاملاً وبالتالي "ضربتين بالرأس بتوجع" وسيشكل ذلك ضربةً عنيفةً لعدالة القضية الفلسطينية، ويصبح الفشل عنواناً لفلسطين، لأن الضغط الأميركي قوي، وإسرائيل "مستشرسة" بسبب ذلك، وموقف البلدان الأوروبية متردد ولن تصوت لصالح فلسطين، ولهذا نصح العرب القيادة الفلسطينية بعدم التورط في الذهاب إلى الأمم المتحدة خشية عدم النجاح، ولكن القرار الفلسطيني كان حازماً، وانتصرت الإرادة الفلسطينية وانهزم التحالف الأميركي الإسرائيلي ومن سانده ومن خاف منه.
ولذلك يمكن تلخيص موقف وزراء الخارجية العرب بما يلي:
أولاً ـ أن لديهم حالة رعب (فوبيا مرضية) من "البعبع" الأميركي والوحش الإسرائيلي.
ثانياً ـ أنهم لا يبذلون جهداً كافياً للتدقيق في معرفة مواقف الأطراف الدولية والمجموعات الإقليمية، وكأن الأمر لا يعنيهم، فالأمن القومي والمصالح القومية باتت من تبعات الحرب الباردة، ومن تراث عبد الناصر وسياسات صدام حسين البالية.
ثالثاً ـ أن الفلسطيني وحده صاحب كرة الثلج الصغيرة، مهما بدت متواضعة، إذا تحلى بالشجاعة والحكمة والإصرار، فإنه قادر على قيادة العرب جميعهم ـ ورغماً عنهم ـ نحو خطوات واقعية عملية تراكمية في مواجهة التحالف الأميركي الإسرائيلي الرجعي، ولمصلحة الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
هكذا كان أيام انطلاقة الثورة الفلسطينية، وهكذا كان التصويت على الاعتراف بمنظمة التحرير من قبل العرب كممثل شرعي، وهكذا كان عند كافة المحطات السياسية المهمة، وعلينا أن نتذكر قول كبارنا في المثل العامي الذي يقول "ما بيحك ظهرك سوى ظفرك"، إذا لم يبادر الفلسطيني نفسه إلى الفعل والأداء والقول والقرار فإن ذلك يوفر على العرب فرص المواجهة والحرج والتهرب من تحمل المسؤولية ضد التحالف الأميركي الإسرائيلي.
استقبال الملك عبد الله بن الحسين للرئيس الفلسطيني في عمان بما يليق به كرئيس دولة، وزيارته إلى رام الله، تأكيد على أهمية القرار الفلسطيني، ومدى تفهم وانحياز الأردن لفلسطين، ليس لأسباب قومية فقط بل لأن الفلسطينيين في نضالهم ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وفرض الحل الفلسطيني الواقعي على الإسرائيليين، إنما يدافعون عبر هذا النضال عن الأردن ويحمون هويته وأمنه واستقلاله، فأحد عناوين الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية هو إعادة الحل خارج فلسطين، بالوطن البديل في الأردن ورمي غزة للحضن المصري.