محمد مرسي... لستَ إلهاً!- راجح الخوري
كان في وسع حسني مبارك ان يزج معارضيه في السجون كما كان جمال عبد الناصر يزج "الاخوان" فيها، لكن الرئيس محمد مرسي يبدو سجّاناً ادهى يدّعي الحرص على الديموقراطية بينما يحاول سجن مصر كلها وإدخال الشعب المصري في غياهب إرهاب فكري مقونن، وخصوصاً بعدما وصلت به وبجماعته من "الاخوان"، سياسة قضم الثورة اعلاناً دستورياً وراء اعلان دستوري، مرحلة تفصيل "دستور مؤبد" ليس على قياس بلد مثل مصر ولا على طموحات الشعب المصري وثوّاره من الشباب والليبراليين.
ان التدقيق في مسلسل الاعلانات الدستورية بعد التدقيق في التزوير والرُشى الانتخابية الكبيرة التي اوصلت "الاخوان" الى سدة الرئاسة، يكشفان مخطط القضم الممنهج للسلطة الذي ينفذه "الاخوان" بعد اختطاف الثورة والذي يتمثل في مرحلته الاخيرة بالسعي للإمساك برقبة مصر من طريق اختطاف الدستور الجديد الذي فصّل على مقاس يكفل تأبيد الهيمنة "الاخوانية" على الحكم في اكبر بلد عربي.
إن عناد محمد مرسي و"الاخوان" لجهة الاصرار على مصادرة الثورة وفرض "الدستور المقفل"، ولو معمداً بدماء المصريين كما جرى ويجري في الميادين وعبر التراشق بالمليونيات، لن يجهز على ملامح "الربيع" الذي يسحق الآن في مصر بل سيجهز على "الربيع العربي"، اذا تمكن مرسي وجماعته في النهاية من مصادرة مصر وزج المصريين وتاريخهم وحضارتهم الاصيلة، في قفص المادة الثانية من ذلك الدستور ومشتقاتها التي تنسف كل امل في قيام مشروع الدولة المدنية الديموقراطية التي انطلقت الثورة من اجلها وانضم اليها "الاخوان" كما هو معروف في وقت لاحق، ربما على طريقة "حصان طروادة"، الذي يقفز مرسي وجماعته من داخله الآن لحكم القلعة المصرية مرة أخيرة والى الابد اذا قيّض لهم ذلك.
يجب ألّا يقيض هذا مهما كلف الامر المصريين من تضحيات، لأنهم مهددون ليس بفقدان مستقبلهم بل بطمس ماضيهم وتدمير ثقافتهم وما حققوه من التنوير والتنور ودفعهم الى كهوف تورا بورا، فمن يدري، أوَلم ترتفع أصوات دعت الى تحطيم الاهرامات كما جرى لتماثيل بوذا في افغانستان؟ أوَلم يدعُ بعضهم الى طلي ابو الهول بالشمع؟
على من يضحك محمد مرسي عندما يتراجع عن اعلانه الدستوري الاخير ويصر على الاستفتاء لكن في ظل قرارات اتخذها تكفل له ان يتربع فوق الناصرية والساداتية المباركية وحتى الفرعونية وبما يشبه "إلهاً" [استغفر الله] ولو كان يفتقر الى كاريزما سياسي عادي؟
يكفي ان نقرأ رأي منظمة العفو الدولية في قراره منح الجيش حق "الضبطية القضائية" عشية الاستفتاء، لكي نعرف انه يريد ديكتاتورية لا تكفل اقرار الدستور المحنط فحسب بل استمراره الى ما قدّر الله، فالمسألة صارت عند "الآلهة" ومنهم مرسي لا عند شباب مصر ومعارضيها!
*كاتب لبناني