الطبيعة غير الديمقراطية للإخوان- باسم برهوم*
لا يكمن جوهر الأزمة السياسية العميقة التي تشهدها مصر حاليا في الإعلان الدستوري ولا في الدستور، فهذان الأمران هما انعكاس وهما القشة التي قصمت ظهر البعير. وإنما يكمن في أن القوى الوطنية المصرية والليبرالية والقومية واليسارية لا تثق بحركة الإخوان المسلمين ولا بنواياها وأهدافها وتحديدا تلك غير المعلنة. فهؤلاء يعتقدون أن للإخوان استراتيجية واحدة، وهي الوصول إلى السلطة ومن ثم التحكم بكل مفاصلها والإمساك بها وعدم التخلي عنها مهما كلف الأمر باعتبارهم " الممثلين الشرعيين للإسلام والإسلاموية ".
فإلى جانب أن فكر الإخوان والإسلام السياسي بشكل عام في جوهره غير ديمقراطي ولا يؤمن بالديمقراطية، فإن أساليب هؤلاء، والتي يلمسها اليوم أكثر من أي وقت مضى، الشعبان المصري والتونسي هي أساليب أبعد ما تكون عن وصفها بالديمقراطية، فهي تمتد من الإرهاب الفكري إلى العنف الجسدي ضد خصومهم السياسيين والفكريين من القوى المشار إليها.
ويأخذ الإرهاب الفكري عندهم طابع تكفير الآخر وتخوينه وربطه باستمرار بمؤامرة خارجية مآمرة يقولون انها تستهدف الإسلام والإخوان في آن معا. أما العنف الجسدي، فلدى الإخوان كما هو ملاحظ ميليشيا معبأة نفسيا وعقائديا إلى درجة الحقد ضد الآخر الشقيق، وهي ميليشيات منظمة بفرق وكتائب ومسلحة بمستويات مختلفة من التسلح، وتكون جاهزة للنزول إلى الشارع بالأسلحة التي تتفق واللحظة وحسب الطلب. ويشمل الإرهاب الفكري والعنف الجسدي التهديد الشخصي المباشر لمن يعارض الإخوان من السياسيين والمفكرين والإعلاميين، وأيضا التهديد بإشعال البلد بالفوضى والحرب الأهلية إن حاولت المعارضة أن تكشف جوهر الفكر الإخواني وتتصدى له.
وهناك مصدر آخر لعدم ثقة ليبراليي وتقدميي مصر بالإخوان وهو الحديث الذي يدور منذ فترة طويلة حول صفقة قام بها هؤلاء مع المجلس العسكري وعن صفقة أخرى يبرمها الإخوان مع واشنطن تطلق يدهم داخليا وتمكنهم من السلطة في مقابل الالتزام بحفظ أمن اسرائيل والحفاظ على المصالح الاميركية في المنطقة والانخراط في جبهة سنية ضد الجبهة الشيعية الإيرانية في المنطقة. فالخوف هنا ينبع بالأساس من صفقة قد تتيح الفرصة مجددا لظهور أنظمة استبدادية ولكن هذه المرة أنظمة بلباس ديني وهو الاستبداد الأكثر والأشد خطورة.
هنا يكمن جوهر الأزمة في مصر وتلك المتصاعدة بالتوازي في تونس، وما الإعلان الدستوري إلا إثبات على صحة هذه المخاوف والتي أكدها وعمقها إصرار الإخوان على تمرير الدستور الذي فُصّل على مقاس الإسلام السياسي ونظامه الذي سيكون أكثر استبدادا، لذلك فإن الأزمة في مصر مرشحة للاستمرار لفترة طويلة وستأخذ أشكالا مختلفة لكون تلك الطبيعة الإخوانية غير الديمقراطية التي لن تتبدل بسهولة، إن تبدلت فإن ذلك لن يتم إلا تحت ضغط شعبي متواصل يقنع هذه الحركة أن الشعب لم يعد ينخدع بشعاراتها وإنه يريد أن يرى حركة تؤمن فعلا بأن الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطة، وتؤمن بتداول السلطة بشكل سلمي وديمقراطي وليس باستخدام صندوق الاقتراع لفرض دكتاتورية منبعها الأساسي هو الاعتماد على الامية المتفشية وتخلف وجهل قطاعات واسعة من المجتمعات العربية، وعلى المجتمع العربي الأبوي الذي لا يزال أساسه الأمر والطاعة، طاعة الأب والحاكم والمرشد.
* كاتب ومحلل سياسي