حوارية عبثية- يوسف أبو لوز
هذه حوارية حقيقية في أولها جرت بين مذيع تلفزيوني وطفل عربي لاجئ في أحد المخيمات الواقعة على حدود دولة عربية مع دولة مجاورة لها، أما القسم التالي من الحوارية فهو من تصرف كاتب سيناريو فاشل هو كاتب هذه السطور، ومع ذلك، يمتلك القليل من الخيال العبثي .
المذيع يسأل الطفل: ألا تشعر بالبرد؟ / الطفل: نعم . . أشعر .
المذيع: طيب . . لماذا لا ترتدي “جاكيت”؟ / الطفل: “لأنّو” ما في جاكيت .
المذيع: كم أخاً لك؟
الطفل: خمسة . . لا، نسيت أربعة . واحد منهم مات في الحرب .
المذيع: كم عمرك؟
الطفل: عشرة، ولكنني كبرت عامين إضافيين في سنة واحدة فقط . / المذيع: كيف؟
الطفل: هكذا نحن، و”نحن” أقصد بها الأطفال . . نكبر بسرعة في الحروب . / المذيع: تبدو في العشرين من العمر . .
الطفل: ربما، وقد يكون كلامك صحيحاً، فنحنُ نركض .
المذيع: لم أفهم . .
الطفل: نركض لكيلا تصلنا الرصاصة . علينا أن نكون أسرع من الموت لكي نبلغ الحياة . نركض وراء نقطة الماء، ونركض وراء رغيف الخبز . أحياناً، نركض لكي نختبئ من ذلك الوحش البشري الذي اسمه: القنّاص . نركض في الليل وفي النهار . والركض، إذا لم تعرف، يطيل العمر .
المذيع: إذا انتهت الحرب، ونجوت، وكُتبت لك الحياة . . ماذا تأمل أن تكون؟
الطفل: لا آمل . . بل قررت منذ الآن، إذا نجوت من الموت سأكون رساماً . . / المذيع: لماذا، . . “رساماً”؟
الطفل: لا أريد أن أكون شاعراً، فالشعراء يأكلون لحوم إخوتهم في الشعر، ولا أريد أن أكون روائياً لأن كل كتابة العالم لا تساوي قطرة دم على ثوب أمي . . / المذيع “مقاطعاً”: أمك ماتت في الحرب . . إذاً؟
الطفل: ولذلك، سأرسم، فقط سأرسم وجه امرأة هي أمي . وجه نائم تماماً . وجه جميل لسيدة كانت في الأربعين من عمرها، أجمل ما عندها سقاية الطيور وزراعة الياسمين، والعناية بالبيت والعائلة . خلف بيت أبي كان ينام القطا والحصان في الضحى، وهي تغلي القهوة لأبي الذي يقرأ الجريدة كل صباح لعله يجد في الجريدة خريطة طريق تدلّه إلى وطنه . سأرسم فقط أمي .
المذيع: ولكنك بهذه اللغة، لن تكون رساماً يا ولدي . .
الطفل: لا تقل لي يا ولدي . . أبي والدي، فلا أحد أكثر رحمة بك من أهلك، فإذا ماتوا فإنك لا تشعر بالبرد، ولا حاجة لك بعد هذا إلى “جاكيت” . / المذيع يحوّل الكاميرا إلى مشهد آخر .
الطفل يعد على أصابعه أسماء إخوته فيجد أنهم ثلاثة وليسوا أربعة . .