شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان  

الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان

الآن

أحمد أبو سلعوم: غول المسرح- بسام الكعبي


1
توقف الفنان أحمد أبو سلعوم العام 1995 أمام بائعة في السوق الحرة بمطار تونس، ليشتري هدية متواضعة بما تبقى لديه من مال محلي متواضع، طلب زجاجة عطر فسألته البائعة التونسية على الفور: هل ستقدمها لزوجتك خديجة المقيمة في غزة، وفاء لصبرها وتحملها طول غيابك القسري عنها؟
تفاجئ أحمد من ذكاء البائعة ودقة سؤالها، وأبتسم قبل أن يخبرها أن العطر لزوجته في القدس وليس لزوجة أبي المجد في غزة. أيقن أحمد أن البائعة الجميلة حضرت مسرحية "رمزي أبو المجد"، وتابعت بدقة متناهية تفاصيل مناجاته لزوجته خديجة في غزة، وفق دوره المسرحي الذي لعب فيه دور عامل غزي يعثر على جثة قتيل عربي من يافا، فيتجرأ بتشجيع صديقه وينتزع بطاقته الشخصية الزرقاء، مستبدلا بها بطاقته الحمراء، ليكتشف أن ميتا سلم هويته لميت، في إشارة واضحة للتهميش الإسرائيلي الذي يستهدف العرب داخل "الخط الأخضر"، والاحتلال العسكري الذي يقيد أبناء الضفة والقطاع. تنطلق على خشبة المسرح عقب استبدال البطاقة الشخصية لأبي المجد المتنكر تحت اسم مستعار، المفارقات المضحكة الباكية في حياة صديقين فلسطينيين من غزة ويافا، يحمل كل منهما بطاقة شخصية بلون مختلف، نتيجة للأحداث السياسية التي عصفت بفلسطين وشعبها العربي.
من هو إذاً الممثل الذي تألق بدور رمزي أبو المجد وحصد أرفع جائزة لأفضل ممثل مسرحي في مهرجان قرطاج الدولي السابع العام 1995 في تونس؟

2
ولد أحمد محمود أبو سلعوم في الثاني عشر من كانون أول العام 1952 في حي الثوري في ضواحي القدس في سقيفة متواضعة جدا، كان قد اشتراها والده الشيخ محمود أواخر الأربعينات بمبلغ لا يتجاوز اثني عشر جنيها فلسطينيا:"كانت ساحة النوم مربعة الشكل بطول وعرض أربعة أمتار والمرحاض خارجي مغطى بخرقة خيش فيما يلتصق بسقفها مجموعة كبيرة من الكيل كأنها قطوف متدلية من العنب من أجل تجميع مياه الأمطار واعتراض طريقها قبل سقوطها على رؤوسنا أثناء النوم، وعندما كنتُ أضع رأسي على مخدتي أترك لأذني فرصة استراق السمع للإيقاعات الغريبة التي كانت تحدثها حبات المطر عندما تطرق بشكل غير منتظم قاع كيل التنك"
ينحدر أحمد من بلدة الدوايمة الواقعة جنوب الخليل على مسافة قدرها 25 كيلو مترا، وتعود جذور عائلته إلى عشيرة المناصرة. غادر والده البلدة شاباً يافعاً واستقر في القدس عقب وفاة جده وعودة جدته الأرملة لذويها في مدينة السلط الأردنية: "استقر والدي في جورة العناب المجاورة لباب الخليل، كانت أرض زراعية تفيض بكروم العنب وتطل على نبعة ماء، ويرتفع فوقها حي مونتفيوري الشهير الذي شيده اليهودي الثري العام 1839 وحمل اسمه. اشتغل والدي في بداية حياته عتالا، وروى لنا أنه حمل صندوقا ثقيلا على ظهره لدرجة أن الحبل وشم جبينه بقسوة، وعندما تسلم أجرته المتواضعة رفضها طالبا من صاحب العتلة أن يدفع قرشاً لكل سنتمتر من وشم الحبل المطبوع في جبينه".
امتاز والده بصوته الجميل في تجويد القرآن الكريم ورفعه للآذان في الجامع إيذانا ببدء الصلاة، كما أنه عازف ربابة من الدرجة الأولى ويردد على أوتارها الأهازيج التراثية الشعبية وقد أورث معظم أبنائه صوته العذب.
عمل والده مع الحاج طاهر صندوقة في البلاط وبات معلما ذائع الصيت في مهنته، تزوج العام 1947 عائشة هادية صيام من بلدة سلوان واستقر في حي الثوري وأنجب محمد، أحمد، سالم وانتصار،حمزة، إبراهيم، إسماعيل، خولة وعفاف. تمكن من شراء بيت جديد تميز بحجره الأحمر وطراز بنائه القديم، ثم استكمل لاحقا بناء وتوسيع المنزل بجهده. شارك في الدفاع عن القدس أثناء مواجهات النكبة العام 1948 ورفض تسليم سلاحه عقب الهدنة حتى قامت القوات العربية بسحب سلاحه بالقوة، وعلم عن المذبحة التي حصدت أهل بلدته وسبعة أفراد من عشيرة المناصرة التي ينتمي لها ومنهم عمه سالم أبو سلعوم وعمته رفقة.
نشر صحافيان إسرائيليان العام 1984 تحقيقا عن فظائع المجزرة وحجمها في صحيفة "حدشوت" وأظهرت وثائق التحقيق الصحفي وحوار القتلة والمشاركين في المجزرة حجم الكارثة وأساليب القتل التي تعرض لها أهالي البلدة وسقوط مئات الشهداء بدم بارد.
هاجمت العصابات الصهيونية البلدة بعد صلاة الجمعة في التاسع والعشرين من تشرين أول العام 1948 وأطلقت العنان للمسلحين بإطلاق النار على كل حركة في الحارات والطرقات، ولم يتركوا مكانا آمنا إلا وداهموه بما في ذلك جوامع البلدة.
والدوايمة بلدة كنعانية قديمة أطلقوا عليها اسم "بُصقة" أي المكان المرتفع وأقام فيها الفرنجة خلال العصور الوسطى وأسموها "بيتا واحيم" وفيها قبر الصحابي الجليل بشر بن عقبة، وعاش فيها أواسط القرن الرابع عشر رجل صالح يدعى علي الغماري. تعرضت البلدة للتدمير بعد النكبة الكبرى العام 1948 ولم يبق من آثارها إلا القليل وأقيم على أنقاضها مستعمرة "أماتزييه" العام 1955.
كلما مر أحمد من باب الخليل أو بوابة يافا يقف قليلا أمام ضريحين متلاصقين على مقربة من مدخل البوابة يتأملهما ويطلق العنان للأسطورة التي سمعها من والده عن الشيخ المدفون في أحد الأضرحة:"يقال أن جدنا الأساسي الشيخ الغماري جاء قبل 600 عام من المغرب واستقر في منطقة الدوايمة وعراق المنشية وبيت جبرين بعد تعيينه بمنصب تركي، وهو أحد أبناء عبد الدايم الغماري الذي يتمتع حتى الآن بوقف عظيم في المغرب. أرسل له المسؤول العثماني طلبا لجمع ضرائب الأرض من فلاحي المنطقة فرفض لصعوبة أوضاع الناس وقسوة ظروفهم، استدعوه إلى القدس، وعندما وصل المدينة أخبر خادمه بأنه سيتعرض للقتل ويقطعون رأسه وبأنه طاهر وعليه أن يدفنه فورا لئلا يتعرض لنهش الكلاب، ووضع في أحد الأضرحة التي تحمل نقوشا غريبة غير واضحة وغير مفهومة".

3
كان والده عاشقا للعلم رغم أنه لم يلتحق بالدراسة، وحمله في يوم ماطر على كتفيه وانطلق به  تحت المطر، قرع باب المنزل فاستقبلته سيدة المكان:" امرأة تفيض بالوقار، طويلة بعيون واسعة وملابس سماوية غامقة ومحتشمة، سألته هذا أحمد؟ أجاب انه أمانة لديك. غادر والدي بسرعة دون أن يترك لي فرصة للتساؤل، سحبتني من يدي باتجاه طالبين وطالبتين يجلسون على فراش بسيط، كانت الشيخة أميرة اشتي من عائلة التميمي المرموقة في الخليل، كانت تعلم في البيت الذي يقع في أطراف حي الثوري القرآن الكريم واللغة العربية. جلست مقلدا زملائي مستمعا بدهشة لمعلمتي الأولى في اللغة العربية والقرآن الكريم".
في السابعة من عمره التحق بالصف الأول ابتدائي في مدرسة الحزينة التي تبعد نصف كيلو متر عن منزله، كان مبنى المدرسة الذي يعود لعائلة من سلوان يقع في أطراف الحي السكني قرب خط الهدنة الفاصل بين الجيش الأردني والإسرائيلي، وكان المبنى الكبير بساحته الواسعة نسبيا يبدو في الليل شبحا منزويا ومنفردا ولهذا اكتسبت المدرسة شهرتها بالحزينة:"مديرة المدرسة اسمها وجدان وكانت تشرف على المعلمتين مريم أبو الزلف ودلال، وقضيت اليوم الأول في المدرسة برفقة ستين طالبا وقوفا على الأرجل قبل أن يحضر كل منا فراشا بسيطا وقبل أن تتسلم المدرسة مقاعد صف مهترئة وبحجم كبير تكاد تصلح لطلبة المرحلة الثانوية".
ترفع العام 1962 للصف الثاني الابتدائي في مدرسة أحمد سامح الخالدي في حي الثوري، مبنى من طابقين يعود لعائلة العباسي من سلوان، كان يدير المدرسة محمد قدورة ثم أصبح لاحقا مطر نخال تلاه محمد حسنين فهمي ومحمد خضر هلال ثم أحمد المغربي أبو الحسن).
منذ نهاية المرحلة الابتدائية بدأ احمد نشاطه الطلابي بمشاركته في الإذاعة المدرسية وإلقاء النصوص في المناسبات البارزة مثل ذكرى النكبة ووعد بلفور ومن المعلمين الذين تركوا أثرا على مسيرة أحمد الأستاذ أبو عرموش الصارم الذي لم تفارق العصا الكستنائية يده يوماً:"لا اعرف اسمه سوى أبو عرموش وهو من أصول تعود إلى وسط آسيا، قصير القامة يحرص على ارتداء بذلة على مدار العام الدراسي والياقة، له نظارات طبية تحت طربوش تركي أحمر لم يفارق رأسه طوال سنوات دراستي، له ملامح جميلة لكن صارمة جدا، ويوم مناوبته في الساحة المدرسية يكون يومنا يقدح نارا، كان يرعب المدرسة، وطوال دراستي في مدرسة الخالدي على امتداد تسع سنوات تلقيت سبع عصي على يدي منها ضربتان من أبو عرموش علمتا طويلا على يدي، وحتى بعد وقت طويل جدا على تخرجي من المدرسة كنت أتجنبه عندما أصادفه يتجول في الأسواق القديمة للمدينة". نجح أحمد في توظيف شخصية أبو عرموش لاحقا في أمسياته الثقافية الكوميدية بل كتب عدة حلقات تلفزيونية ساخرة وبقالب مسرحي كوميدي استندت إلى شخصية المعلم الصارم الذي طغى حضوره المرعب على المدرسة، وتمكن من التحكم بالشخصية والتلاعب بها وتركيبها وفق رغبته المسرحية انتقاما من رعبه أمامها أيام الدراسة.
 من الأساتذة المميزين أيضا محمود الكاظمي الذي علمه اللغة العربية وكمال جبر صبابا من بيت ساحور وقد تميز بالمرح وخفة الظل وعلمه مادة العلوم إضافة إلى الرياضة.
انتقل إلى الرشيدية لمتابعة دراسته الثانوية بعد سقوط القدس في قبضة المحتل، وكان يفتتح النشاط المدرسي صباحا بتجويد آيات من القرآن الكريم برفقة شقيقه الأكبر محمد الذي تميز بعذوبة صوته وقد ورثه عن والده.

4
سيطر الاحتلال على كامل القدس العام 1967 قبل أن يلتحق أحمد في الرشيدية ولا زال يذكر مشهد الاحتلال:" عاد والدي حزيناً إلى البيت بعد أن تيقن أن باقي فلسطين وقعت في قبضة الاحتلال، وقد عاد من مخفر الشرطة الأردنية يائسا بعد رفض مدير مركز الشرطة تسليمه بارودة واحدة من أربع بنادق موجودة في المخفر لعدم توفر الرصاص، بعد وقت قصير اجتاح جنود الاحتلال حي الثوري وبلغ الحارة التي نسكنها ونفذ حملة تفتيش واسعة، وضع جنود الاحتلال فوهة البندقية في وجه جارتنا الشابة الصغيرة منظومة أبو ارميلة التي كانت ترتدي ثوبا أسود، انتزع والدي البندقية وتحدى الجندي قائلا له ضعها هنا في صدري وحذره من الاعتداء على النساء".
تزايد اهتمامه بالثقافة والنشاط السياسي العام 1968 ولعب بعض مدرسي الرشيدية دورا في تنمية هذه الاهتمامات، وكان من أبرزهم المعلم خليل السواحري الذي حثهم على القراءة والمطالعة الجادة، وتفتحت عينا الفتى اليافع على خطابات جمال عبد الناصر والغناء الثوري العربي ومجموعة من الكتب اليسارية والتقدمية والقومية، لكن قبل أن ينهي دراسته الثانوية أقدم الاحتلال على إبعاد معلمه في الرشيدية خليل السواحري إلى الأردن في سياق موجة من حملة إبعاد استهدفت كوادر رئيسة في الحركة الوطنية الفلسطينية.
بدأ يراقب الحركة المسرحية أواخر الستينات ويدقق في نشاطها ويتابع خطواتها، وواظب على حضور المسرحيات التي عرضت في تلك الحقبة "هزيمة الشيطان" للفنانين مصطفى الكرد وأيوب حجازي وقد عرضت في مسرح دار الطفل و"مالك الحزين" الخاصة بالأطفال للمسرحي الأستاذ أبو حمدي من الجليل، وسجل ملاحظاته النقدية الأولى في مقالة خاطفة على مسرحية "قطعة حياة" العام 1971  التي عرضتها فرقة "بلالين" من تمثيل فرانسوا أبو سالم، علي الحجاوي، ماجد الماني، سامح عبوشي ونادية ميخائيل واميل عشراوي، وشارك معهم في نقاش موسع تناول المسرحية وبناء شخصياتها وأثار اهتمامه الشخصي أسلوب الفرقة في اعتماد طريقة ارتجال النص المسرحي على الجمهور.

5
شارك العام 1972  بناء على دعوة الكاتب المسرحي محمد الظاهر والمحامي توفيق أبو سنينة بحضور "بروفات" مسرحية "الرقاصين"  لفرقة المسرح الفلسطيني التي كانت تواظب على التدرب في المدرسة العمرية المجاورة لجدار المسجد الأقصى داخل أسوار البلدة القديمة، وواصل على مدار ستة أشهر بتقديم اقتراحاته العفوية لأعضاء الفرقة: سمير القباني، عبد قطان، سمير بزبز، روحي عبيدو، ليلى كالوتي وثريا إبراهيم، قبل أن يحصل على دور "المهراجا" في أول عمل مسرحي ظهر به في "الرقاصين". تتناول المسرحية وضع الصحافة الصفراء تحت الاحتلال وكتبها محمد الظاهر وأخرجها فرانسوا أبو سالم. يفتتح "المهراجا" المسرحية باستحضار الصحافة الصفراء على المسرح ثم يغيب عن الخشبة طوال مدة العرض قبل أن يعود في خاتمته ليبدد الصحافة الصفراء ويلغيها بحركة سحرية يطلقها من بين يديه. عرضت "الرقاصين" ثلاثة أيام متتالية في المدرسة العمرية بحضور كبير واهتمام شعبي وثقافي، ورغم الدور القصير للشاب أحمد الذي لم يتجاوز العشرين من عمره إلا أنه أثبت موهبته المسرحية وشق له طريقا لتلمس موهبته في عالم المسرح.
وقف على الخشبة في مسرحية "حريق الجحيم" إلى جانب الممثلين روحي عبيدو، سمير قباني ومحمد الظاهر. تتناول المسرحية التي استندت لفكرة الشاعر فوزي البكري صراع الاتجاهات السياسية والايديولوجية الفكرية، ولعب فيها أحمد دور الشيخ الذي يخضع كل شيء لمنطق الحلال والحرام.
ووقف بعد ذلك إلى جانب الكوميدي بسام زعمط وجورج إبراهيم في مسرحية "الرجل الذي ضحك على الملائكة" للكاتب المسرحي المصري علي سالم وقد جاء نصه المسرحي تحت عنوان "الرجل الذي ضحك على الأبلسة" وأثبت أحمد أنه كوميدي بارع بامتياز "حتى أن أحد ملوك الكوميديا الفنان محمود عوض من سلوان خاطب مجموعة من أصدقائه عقب حضوره المسرحية قائلا أنني غول مسرحي".
عقب انتصار القوات المصرية المسلحة في حرب أكتوبر العام 1973 في مواجهة قوات الاحتلال كتب محمد الظاهر مسرحية "مجمع القبضايات" التي تسخر من حالة العسكرتارية الإسرائيلية وهزيمتها وكسر شوكة الجيش الذي لا يقهر في مواجهة بسالة الجندي العربي، وشارك أحمد مع أعضاء الفرقة: سليمان اللو، راغب دعنا ونكفوري عيسى في ارتجال المسرحية على الجمهور وحثهم على مواصلة النضال حتى التحرر.

6
إلى جانب فرقة المسرح الفلسطيني لمعت فرق مسرحية عديدة بل تنافست على جمهور المسرح وكان أبرزها: بلالين، دبابيس ومجموعة المسارح الموسمية ذات الشوط الواحد تقريبا والتي تظهر مرات قليلة ثم تختفي، وفي هذه المرحلة دخلت تجربة المسرح الفلسطيني منعطفاً جديدا، إذ تمكن المسرح لأول مرة من تفريغ الممثل أبو سلعوم براتب شهري مقداره مائة دينار، وبات أول متفرغ محترف في المسرح الفلسطيني:" كنتُ أول مسرحي متفرغ براتب جيد إضافة إلى وظيفتي في مصلحة بريد القدس التي عملت بها سنوات عدة حتى سلمني الاحتلال أمرا بالطرد العام 1980، لكني تسلمتُ على الفور مفاتيح مدرسة المطران من مديرها عطية مصاروة لمواصلة نشاطاتي المسرحية، فيما كانت قاعات نقابة الحدادين وأندية الهلال المقدسي والثوري وسلوان تحت تصرفنا، وفي تلك الفترة عرضنا مسرحية "سنزرع الأرض من جديد" بمشاركة أيوب حجازي وأسامة صلاح الذي لمع كرجل أعمال ناجح في الولايات المتحدة وعاد منذ سنوات ليستقر في القدس. كلما أتذكرُ المسرحية يصعد في داخلي على الفور المقطع الذي أعشقه وأردده بصمت وتأمل: نيال من مات فوق أرض بيزرعها ويا ويل من عاش ورغيفه بيد الغير".
شهدت مدرسة العمرية في اليوم الأخير من شباط العام 1975 أحد أبرز أوائل مهرجان المسرح الفلسطيني في القدس بمشاركة معظم الفرق الفلسطينية:" استمرت عروض المهرجان على مدار أسبوع كامل رغم برودة الطقس وتدني درجات الحرارة وسقوط الثلوج، وتابع الجمهور المسرحيات بشغف كبير متجاوزا الطقس البارد، كنتُ لأول مرة أشارك كممثل ومخرج ومعد في المهرجان، وشاركتُ بمسرحية الرسامين التي تتناول دور الفن في التغيير".
ورغم النجاح الذي مَهَر المهرجان إلا أنه سجل انقساماً بصفوف فرقة المسرح الفلسطيني في أعقاب نتائج انتخابات الهيئة الإدارية التي لم ترق للبعض، فانقسمت الفرقة، وبذل أحمد بمساعدة زملائه يونس سمرين، إبراهيم قراعين، سميح النوباني وخولة الكرد جهدا صادقا بهدف تجميع الطاقات لمتابعة المسيرة. نجحت الجهود الجماعية وتمكن الفريق من عرض "مراكز التفتيش" التي تبرز معاناة المواطنين وإجراءات الاحتلال في التدقيق بامرأة حامل واستدعاء الخبراء لسماع صوت جنينها الذي يهتف للمقاومة، ولعب أحمد دور الراوي في المسرحية إلى جانب الممثلين فهمي الششتاوي ومحمد أبو صوي.
عرض العام 1976 مسرحية "عند اللزوم" بمشاركة شفيقة الطل بأول ظهور مسرحي لها في القدس عقب انتقالها من أريحا والتحاقها في كلية دار الطفل وبمشاركة الفنانين حسام أبو عيشة، حمدي الطويل وسمير قباني. قام أحمد بدور حامد قائد المجموعة المسلحة التي يكشفها الاحتلال ويعلن جائزة لمن يدلي بمعلومات عنها، تتوزع الخلية المقاتلة في المدينة فيما يتنكر حامد بملابس عجوز، ويتردد على فندق تمتلكه شفيقة الطل وشقيقها وديع طلباً للعمل، لكن الشاب وديع يستطيع كشف الخلية التي تتواصل مع بعضها عبر نقطة الفندق، ويحاول تسليم المجموعة للاحتلال للحصول على مبلغ من المال لعله يساهم في تسديد ديون الفندق المتراكمة، ويثبت أمام أسرته بأنه غير فاشل أو كسول ويمكن الاعتماد عليه، لكنه يصطدم بشقيقته التي تقتله في نهاية المسرحية وتضع حدا لخيانته:"تواصل عرض المسرحية عشرات المرات على نطاق واسع وشاهدها عدد كبير من المواطنين في وقت تمكنت فيه الحركة الوطنية من انتزاع مجالس البلديات في الانتخابات التي شهدتها مدن الضفة والقطاع، وأذكرُ أكليل الياسمين الذي طوق عنقي على مسرح معهد المعلمين في رام الله عندما نهض مدير المعهد وغمرني به تقديرا للفكرة ومستوى الأداء المسرحي للمجموعة".
شارك العام 1977 بمسرحية "الطاعون" إلى جانب عبد قطان وكوكبة جديدة من الشبان الموهوبين أبرزهم حسام أبو عيشة ورسالة الشوملي. تروي المسرحية التي كتبها وأخرجها محمد الظاهر "فذلكات" نخبة الفكر والفلسفة والتأمل العبثي لمثقفي الأبراج العاجية في الواقع القائم، وأدى أحمد دور الدكتور أيوب المولع بالتنظير المجرد بعيدا عن تلمس الواقع المجرد الذي يحيط به.                                
أنتج المسرح الشعبي الفلسطيني العام 1979 مسرحية "الإنسان قضية" عن رائعة الكاتب الشهيد غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" من إعداد وإخراج أبو سلعوم، وصمم ملصقها الفنان التشكيلي عدنان الزبيدي. تبرز المسرحية فكرة الشهيد كنفاني بأن الإنسان ليس مجرد خلايا بيولوجية صماء بل نتاج تربية مجتمعية وثقافة أسرية ومعلومات مكثفة تجتاح عالمه، ولذلك لم تتمكن صفية العائدة إلى حيفا من استعادة نجلها الذي نسيته رضيعا بعد رحيلها القسري عن مدينتها في عام النكبة لتعود إليه وقد غير أسمه إلى "دوف" ويعمل في صفوف قوات الجيش المحتل. شارك في المسرحية: أسماء الصديق من الجليل، حسام أبو عيشة، بريهان وناريمان       وسفيان المعايطة. لعب أحمد دور "اللبدي" الذي يحاول انتزاع صورة شقيقه من فوق جدار بيته في يافا، فاكتشف ثغرة مرعبة في الجدار فأعاد الصورة مكانها.    
توقفت النشاطات المسرحية العام 1980 في أعقاب تشديد القبضة الحديدية ضد الثقافة الفلسطينية ودعوات جيش الاحتلال بمحاصرة مؤسسات الحركة الوطنية على خلفية عملية الدبويا المسلحة في الخليل، وحتى العام 1982 حيث العدوان الإسرائيلي على لبنان واحتلال بيروت، تعرض أحمد خلال هذه الفترة للاعتقال ومكث شهرين في سجن الرملة.

7
أسس العام 1984 مسرح سنابل بمشاركة محمود أبو الشيخ، حسام أبو عيشة، إبراهيم عليوات وحيان يعقوب الجعبة:"شاركتُ في تأسيس نادي شباب الثوري، وعندما تعرض النشاط المسرحي للحصار تجمعنا معا وقررنا تشكيل مسرح سنابل الذي يواصل حتى اليوم عروضه داخل فلسطين وخارجها، لكن المسرح خسر إبراهيم عليوات أحد أبرز نجومه بعد مغادرته للعمل في الولايات المتحدة، كان عميقا في مستوى إدراكه لفلسفة المسرح ورسالته التقدمية، وكنتُ على تواصل دائم معه حتى المكالمة الهاتفية الأخيرة في مطلع تموز العام 2007، كان صوته عجيبا على غير عادته وردد كلاما غريبا عن الموت، وصباح الرابع من تموز وهو العيد الوطني احتفاء بيوم الاستقلال في الولايات المتحدة، عُثر عليه ميتا بهدوء في منزله، ورحل في مطلع الأربعينات من عمره تاركا خلفه خمسة أطفال لا يتجاوز أكبرهم الثالثة عشرة من عمره ".
"المهرجان" أول مسرحية للسنابل أنتجها العام1985 من إعداد وإخراج وتمثيل أبو سلعوم وبمشاركة عليوات، أبو الشيخ، حمدي الطويل، أكرم كاشور والطفل نضال أبو سلعوم. يؤدي أحمد دور آذن المدرسة الذي يشرف على النظافة العامة ويقدم نقدا لاذعا للمتصارعين على حجز المقاعد الأمامية لحضور مسرحية مدرسية.
تمكن العام 1995 من تسجيل مسرح "السنابل" رسميا في القدس وحصل على ترخيص يتيح له الإنتاج المسرحي:"حصلنا على الترخيص الرسمي العام 1997 وتبرع محمود أبو الشيخ بجزء من محددته وصنعنا من الكهف بعرق الجبين وعلى مدار السنوات مسرحا صغيرا يتسع لثمانين مقعدا ومقرا إداريا متواضعا لتجمع أعضاء فرقة سنابل وأنصارها".
ومنذ أواسط التسعينات أنتج سنابل عددا من الأعمال المسرحية أبرزها: "ناطرين فرج" عن مسرحية "اصحى يا البرت" للكاتب جنوب افريقي فوجارد  بتوقيع المخرج حيان الجعبة ومشاركة أربعة ممثلين: أبو سلعوم، حسام أبو عيشة، محمود أبو الشيخ وإبراهيم عليوات ويعملون فيها 62 شخصية متنوعة. تروي المسرحية تخبط الشعب الفلسطيني وفقدانه في لحظة حاسمة بوصلة الإجماع للعثور على طريق للخلاص وحل المشكلة المستعصية وتجاوز الأزمة القائمة، ويظهر حجم الصراع واضحا بين طرف ضعيف راضخ ومستكين يمثله أبو سلعوم وآخر متمرد غاضب يحرض على الثورة يمثله عليوات. ومن المسرحيات التي نالت إعجاب الجمهور والنقاد مسرحية "سيدي الجنرال" من تمثيل أبو عيشة وأبو الشيخ، وتألق فيها حيان الجعبة إخراجا وتمثيلا، وتمكن من تركيب مجموعة مسرحيات مع بعضها بطريقة خلاقة إبداعية وذكية لتروي حكاية التحدي والصراع  بين سجين وسجانه في دلالة رمزية واضحة على العلاقة بين الاحتلال وضحيته.
أعد وأخرج "كلاب وأرقام" استنادا لمراجعته مسرحيتي "مأساة بائع الدبس الفقير" و "جثة على الرصيف" للكاتب السوري سعد الله ونوس، وتتناول الفوارق الطبقية ودورها في اختلال التوازن المجتمعي. والمسرحية من تمثيل عماد مزعرو، أبو الشيخ، أبو عيشة، إيمان سرحان، أميمة نصار ونضال أبو سلعوم.              
نجح في مسرحية "ناطرين شو" التي  أعدها وأخرجها في خلق "فانتازيا" تبدع في توظيف الأساطير المجتمعية والغيبيات من أجل تثبيت الواقع القائم بكل سلبياته، ولاقى العمل نجاحا كبيرا بمشاركة عليوات ونخبة من الممثلين أبرزهم عدنان أبو اسنينة، أبو الشيخ، جلال دويك، سهى مصالحه ونضال المهلوس، فيما نجح ابنه البكر نضال من تسجيل حضور مسرحي جيد في هذا العمل وبات يعرف باسمه نضال أبو أحمد.

8
أنتج القصبة العام 1995 مسرحية "رمزي أبو المجد" استنادا على نص للكاتب جنوب إفريقي اوثول فوجارد، وتتناول حكاية مواطنين فلسطينيين أحدهما من يافا ويحمل بطاقة هوية زرقاء والآخر من غزة ويحمل بطاقة هوية حمراء، وتعرض المفارقات في حياتهما كفلسطينيين تفصل بينهما وثيقتين بلونين مختلفين، ثم يستسلم الغزاوي لإغراءات صديقه اليافاوي في انتزاع بطاقة هوية زرقاء لأحد موطني يافا القتلى ويعيش متنكرا تحت اسمه المستعار ومفارقات مناجاته مع زوجته خديجة المقيمة في القطاع. حصل أبو سلعوم في المهرجان السابع لأيام قرطاج المسرحية العام 1995 على جائزة أفضل ممثل على دوره المتميز في المسرحية:"كتبت الصحافة كثيرا عن دوري في المسرحية، لكن بعض النصوص في الصحافة البريطانية ربطتني بالممثل المرموق شارلي شابلن واعتبرتني النسخة العربية لإبداع شابلن بقرحة معدة ووجع فلسطيني دائم".شاركه البطولة في المسرحية الممثل حسام أبو عيشة وهي من إخراج محمد بكري وموسيقى جميل السايح ونص جورج إبراهيم.
أخرج عددا من مسرحيات الأطفال التي أنتجها مسرح سنابل وأهمها: "مدينة السعادة" تأليف الفنان كامل الباشا وشارك في تمثيلها انعام البابا، تمام قلمبو  ناريمان منصور، نداء عيد، نيفين أبو المجد، سهى قراعين إضافة إلى أبو الشيخ ونضال أبو أحمد وتدعو المسرحية لبناء المدينة السعيدة اعتمادا على التعاون والانتماء الصادق للوطن ومن خلال العطاء والمشاركة الفعالة. وتبنت منظمة "اليونيسيف" مسرحية "حمص وبليلة" من تأليف وإخراج أبو سلعوم التي تحض الأطفال على تناول المأكولات الشعبية لأنها تغذي الدم وتفيد الصحة وتحرضهم على تجنب الوجبات المصنعة. وعرضت مسرحية "عيلة ولا أحلى" مئات العروض بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية وذلك منذ إنتاجها في العام 2004   كونها مسرحية تربوية كوميدية، وهي من تأليف أبو عيشة وأبو سلعوم وشارك فيها لأول مرة سهى قراعين وشادن زماميري.
أخذت السينما جزءا من نشاطاته وقام بتمثيل عشرة أدوار مختلفة في مجموعة من الأفلام المتفرقة أبرزها "حيفا" يؤدي فيه دور ضابط في السلطة الفلسطينية يتعرض للشلل، فيما يؤدي الممثل محمد البكري دور المجنون العاقل إلى جانب أدوار مختلفة للمثلين فادي الغول، جورج إبراهيم، أبو عيشة، أبو اسنينة، بسام زعمط وهيام عباس. وضع سيناريو الفيلم وأخرجه رشيد مشهراوي، وقد حصل على أحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة. كتبت الصحافة عن دور أبو سلعوم بأنه سباق مارثوني مع الروعة والجمال في التمثيل. شارك في "عرس الجليل" للمخرج ميشيل خليفي و "رباب" و"السنونو لا يموت في القدس" للمخرج التونسي رضا الباهي، "درب التبانات" للمخرج علي نصار. كتب مسلسلات للإذاعات المحلية: "الدار دار أبونا" بمشاركة أبو عيشة و"عائلة أبو فكري" وللتلفزيون كتب مسلسل "وشفتك".

9
أنهى دراسته الثانوية العامة العام 1971 والتحق في كلية الحقوق في جامعة بيروت لكنه لم يكمل دراسته وتفرغ للعمل المسرحي وشارك في عشرات ورشات العمل المتخصصة بالمسرح في بلدان عديدة، وكانت أبرز مشاركاته على مدار شهرين في العاصمة الأردنية عمان مع البريطاني جيف غيلهم مؤسس الدراما في التعليم، وشارك في الدورة المكثفة إلى جانب المسرحي ادوار معلم  والممثلة ناريمان منصور بدعوة من لينا التل رئيسة مؤسسة نور الحسين، وشارك أيضا في دورة متخصصة بالكتابة الإبداعية في القدس لمدة شهرين مع الكاتب الأميركي هارولد بيرمان الذي كتب نحو مائة سيناريو لمائة فيلم من إنتاج مؤسسة السينما الأميركية الشهيرة "هوليوود". التحق في معهد الفنون المرئية في القدس الغربية ودرس الإخراج والتمثيل، وحصل على دروع تقديرية كثيرة وشهادات تقدير من المؤسسات الوطنية والعديد من الجوائز المحلية.
ساهم في تأسيس رابطة المسرحيين وترأس هيئتها الإدارية ثلاث سنوات أواسط التسعينات، وانتخب مرارا لهيئتها الإدارية وهو الناطق الإعلامي باسمها منذ ربيع العام 2009، ساهم في تأسيس رابطة الصحفيين مطلع الثمانينات، وكان قد عمل محررا ومراسلا في صحيفة "الشعب" المقدسية والمكتب الفلسطيني للصحافة.
تزوج العام 1974 في العشرين من عمره وأنجب ثمانية أبناء: نسرين، نضال، وائل، شيرين، نيفين، جمال، كمال وأصغرهم محمد في الثالثة عشرة من عمره وله عشرة أحفاد. وكتب لابنته البكر نسرين بعد أيام على ولادتها أوائل آب 1976 مقطعا شعريا جميلا ثم قام بتلحينه وغنائه:
يا وردة خمرية في الجبال
أنت المنى
أنت الهوى والآمال
عمرين يا ابنتي لهمنا لن يكفيا
وترين أن مدافعي لحربي غافيا
نسرين ثوري والدنيا دوري
قولي بغير العنف ليس هناك شافيا
أواخر تشرين أول العام 2009 أحيا أحمد في مخيم الجلزون بمشاركة أعضاء مسرح سنابل السنوية الحادية والستين لمجزرة بلدته الدوايمة وفاء لمئات من الشهداء الأبرياء الذين قضوا بدم بارد وتضامنا مع ذويهم في المخيم حيث يعيش عدد كبير من أبناء بلدته على أمل انتزاع الحق بعودتهم للأرض التي هجروا لكن بطريقة مختلفة عن عودة الغزي رمزي أبو المجد إلى مدينته الأصلية يافا متنكرا تحت اسم مستعار.

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024