لنجعلْ من الحصار نصراً وطنياً- رفعت شناعة
في هذه الأيام بل منذ شهور ومنظمة التحرير الفلسطينية تعاني من حصار مالي خانق يستهدف مكوناتها وفصائلها. كما يستهدف قدراتها على الاستمرار ومواصلة مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني ، كما يستهدف هذا الحصار أيضاً قدرة المنظمة على مواجهة العدوان الإسرائيلي اليومي، ومشاريعَه الاستيطانية والتهويدية، وحربَه على مقومات الحياة، وكافة الحريات في المجتمع الفلسطيني المتمسك بحقوقه المشروعة، وأهدافه الوطنية الثابتة التي أقرَّتها مختلف الهيئات الدولية.
نحن في حركة فتح أيضاً دخلنا في أتون هذه الضائقة المالية، وهي بالمناسبة ليستَ مفاجئة لنا ، فهي متوقَّعة، ومفاعيلها كبيرة ومتعبة، ولها تداعيات على واقع الحركة.
لكنَّ هذا لا يعني بأيِّ حالٍ من الأحوال الإنصياعَ لهذه التهديدات والمضايقات، فمسيرة الثورات دائماً محاطة بالمخاطر ، خاصة إذا، أرادت القيادات تَبنِّي الخيارات الوطنية، والمواقف السياسية المشرِّفة بعيداً عن المهاترات والمساومات، فنحن لا شك نعيش في أوساط دولية وإقليميه وعربية الغالبية العظمى منها تدعمُ وتمالئ الكيانَ الإسرائيلي كونه الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدةَ، ومعاداة الاحتلال تعني عند الكثيرين الدخول في حقل الألغام، والتعرُّض للأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية، وهذا هو مصدر الخوف عندها.
أمام هذا الواقع فإننا ندرك أسباب الأزمة، ولا نجهل أساليب القرصنة التي يستخدمها الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، ومن يدور في فلكها، أما الأساليب المالية فهي:
أ- قيام الكيان الإسرائيلي بمصادرة أموال الجمارك وهي من حق الفلسطينيين وتبلغ شهرياً حوالي مئة مليون دولار.
ب- تراجع الدولة المانحة عن تقديم ما هو مقرر من المبالغ شهرياً للسلطة الوطنية بسبب الضغوطات الكبيرة من الولايات المتحدة عليها.
ج- عدم وفاء الدول العربية بما وعدت به من شبكة أمان مالية للسلطة مقدارها مئة مليون دولار، ولا بما هو مقرر شهرياً من الأساس إلاَّ القليل، وهذا أيضاً بسبب التهديدات الأميركية.
د- قيام الاحتلال الإسرائيلي بضرب الاستثمارات التي بدأت في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال التحكم بالمواد الخام، وحرية الحركة ، وعملية التسويق.
هـ - ضرب المحاصيل الزراعية من خلال اقتلاع المزروعات ، واتلافها، والتحكم بالاستيراد والتصدير بحيث يبقى الاقتصاد الفلسطيني مرتبطاً بالاقتصاد الإسرائيلي .وإضعاف الإنتاج الوطني.
وعدم إعطاء الفرصة للعمال الفلسطينيين بأن يعملوا، وانخفاض عدد هؤلاء العمال الذين كانوا يعملون في الاراضي المحتلة العام 1948 إلى حد كبير.
هذه الجوانب بكاملها شكَّلت آلية القرصنة المالية على موارد الحياة الاقتصادية والتي تتم بشكل ممنهج ومدروس. أما أسباب وأهداف هذه الهجمة على الشعب الفلسطيني فتعود إلى ما يلي:
أولاً: رفض القيادة الفلسطينية ورئيسها الأخ أبو مازن الإنصياع لإرادة الولايات المتحدة وقراراتها واملاءاتها التي تتجرأ على الحقوق الوطنية الفلسطينية، والاصرار على تنفيذ القرارات التي تتبناها القيادة الفلسطينية عبر مؤسساتها الوطنية.
ثانياً: إصرار القيادة الفلسطينية على وقف المفاوضات طالما أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية التي تعني القضية الفلسطينية وخاصة الاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية على الاراضي المحتلة العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. ووقف الاستيطان على كافة أراضي الدولة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال.
ثالثاً: إصرار الرئيس أبو مازن بما يمثِّل على الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحصوله على الاعتراف بعضوية الدولة الفلسطينية كعضو مراقب، وهي واقعة تحت الاحتلال، وما أثار غضب واشنطن وتل أبيب هو نتائج التصويت (138مع و9ضد) وهذه الحصيلة تمَّت رغم كل التهديدات والضغوطات المالية والأمنية والسياسية التي مورست على دول العالم.
رابعاً: إصرار الرئيس أبو مازن على رفض التقسيم الذي هو خيار إسرائيلي والتمسك بالمصالحة الفلسطينية ، وتطبيق ذلك عملياً على أرض الواقع، والالتزام بكافة الاتفاقات التي تم التوقيع عليها والعمل على تنفيذها.
خامساً: تمسُّك الرئيس أبو مازن بالمقاومة الشعبية السلمية، في الوقت نفسه الذي يُصعِّد الكيان الإسرائيلي من الاعتداءات اليومية والاستيطان والمضايقات وخنق الحريات، والهدف الإسرائيلي بكل وضوح هو تفجير الوضع في الضفة الغربية ، وجرِّ الجميع إلى المربع العسكري لتدمير أية إمكانيات، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
سادساً: الاستعدادات المدروسة على الصعيد القيادي لترجمة مفاعيل القرار الاممي بالاعتراف بعضوية دولة فلسطين كدولة تحت الاحتلال، وذلك من خلال تشكيل اللجان ذات الاختصاص القانوني والفني في كل مجال من المجالات التي تسعى الدولة الفلسطينية للانتساب إليها لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي قانونياً وعبر المجتمع الدولي، وخاصة ما يتعلق بالجرائم الإسرائيلية سواء تلك المترتبة عن بناء الجدار العنصري، جدار العزل، أو الاستيطان، أو المتعلقة بمعاملة الأسرى كإرهابيين، وهذا في الواقع ما يقضَّ مضاجع الاحتلال الإسرائيلي والوصي الأميركي.
سابعاً: أثبت الرئيس أبو مازن وعبر سنوات حكمه ومسؤولياته على صعيد م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية أنه متمسك بالقرار الذي يخدم أبناء شعبه وقضاياهم وأهدافهم.
إنطلاقاً من هذه القضايا المالية والسياسية نفسِّر حجم الضغوطات والتهديدات والمعيقات التي أصبحت تؤثر على المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته. من هنا فإننا نحيي أهلنا الصامدين على الأراضي الفلسطينية يتصدون لكل محاولات الاحتلال الهادف إلى تركيعهم وتدجينهم. كما أننا نحيي أبناء حركة فتح، الحركة الرائدة، ونشدُّ على أياديهم مؤكدين للجميع بأنَّ هذه الحركة العملاقة لن تخضع ولن تساوم، ولن تستسلم، لأنها صاحبة الشعار التاريخي ثورة حتى النصر، وأن طريقنا هو طريق النصر أو الشهادة.
نقول لأبناء حركتنا ليس أمامنا سوى الصمود لأنَّ الكرامة فوق الجوع والعطش، ولأننا نحن شعب الشهداء والتضحيات لن نرفع رايةً بيضاء، وعلينا أن نكون في مستوى القرارات التاريخية التي يأخذها الرئيس أبو مازن رئيس الدولة الفلسطينية. يجب أن نعي تماماً أن القرارات التاريخية مُكْلِفة وتحتاج إلى الرجال الطليعيين.
وأن القرار المستقل له ثمن، والحرية ثمنها التضحيات والدماء والمعاناة.
يا أبناء الفتح يا من فجَّرتم الثورة المعاصرة، يا من سطَّرتم تاريخكم بدماء وتضحيات الشهداء يا من شكَّلتم طليعة الأمة في تحدي الاحتلال، أنتم الدولة، فتسلَّحوا بالوحدة والتماسك على طريق صيانة وحماية أهدافنا الوطنية، وارتفعوا بسلوككم وعطائكم وصبركم إلى مستوى تضحيات شعبكم، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون.
أنتم اليوم على المحك ، فلا تجعلوا الحصار المالي يفتُّ في عضدكم، أو ينال من عزيمتكم ، فأمامكم مسؤولياتٌ جسيمة، والطريق شائكةٌ، والألغام كثيرةٌ، وعليكم الإعتماد على سواعدكم، وأن تأخذوا قراركم بأن لا تستسلموا لعدوكم، فمن امتشق سيف الثورة يجب أن يكون مؤهلاً للتصدي لكل المؤامرات، وإزالة كل المعيقات، وتلقين أعدائنا دروساً أولها بأن فلسطين تعيشُ في قلوبنا وعقولنا ووجداننا.
نذكِّر أبناء حركة فتح وكل المخلصين بأن هناك من يحاول دائماً التشكيكَ والتحريض لكسر معنوياتكم، والنيل من ثقتكم بأنفسكم وقيادتكم، فلا تلتفتوا إلى هؤلاء، تمسَّكوا بقناعاتكم التي تكوَّنت عبر ممارساتكم ونضالاتكم، وكونوا على ثقة بأن طريق الفتح هي طريق العزة والكرامة بدأت مع الشهيد الرمز ياسر عرفات واستمرت مع الأخ الرئيس أبو مازن، وسنبقى دائماً قي الطليعة نجوع ونعرى ولا نستسلم. فأنتم اليوم تخوضون معركة مشرِّفة هي معركة الصمود بوجه الحصار والجوع والاحتلال.
وإنها لثورة حتى النصر