الغريق لا يخاف من البلل - احسان الجمل
الحقيقة التي يجب ان يدركها الجميع، ان المشروع الوطني الفلسطيني، حقق الانجاز الاكبر في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني، ورغم اتهام البعض للقيادة الفلسطينية بالتنازل والتفريط، وذلك عائد الى عدم قدرتهم المنطقية على قراءة الواقع بشكل موضوعي وعقلاني، او بسبب سياستهم الكيدية التناحرية مع المشروع الوطني.
هذا المشروع الذي تعاطي مع المتغيرات، وانتهج السياسة المرحلية في اطار الاستراتيجية.
القارئ للتاريخ، يعي ان المشروع الصهيوني قائم على استراتيجية دولة اسرائيل من الفرات الى النيل، وهذا هو الحلم الاسرائيلي الاستعماري، واذا نظرنا الى الواقع الحالي، نجد ان حدود هذه الدولة العنصرية ورغم كل الدعم الذي تلقاه امريكيا واوروبيا وتواطئا عربيا انحصر في جزء من فلسطين التاريخية.
وهذا سقوط لحلمهم ومشروعهم. كان لابد من هذه المقدمة، لنقول لحديثي الولادة السياسية، انهم جاؤوا في المقطورة الاخيرة من القطار النضالي، حيث يمكنهم الرقص والغناء والتصفيق دون الحصول على نتيجة سوى ازعاج الركاب. لكن على الركاب الاصليين في القطار، الذين في مقصورة القيادة، ان يطلقوا صافرة الانذار في وجه من يريد اخراج القطار عن مساره، وايقافه عن متابعة الرحلة او خيارات الصدام او التدهور.
القطار لم يعد يسير في مرحلة ضبابية، بل اشعة الشمس رمت بخيوطها حتى اضحت الرؤية واضحة جدا. وانكشف الابيض من الاسود، حتى الرمادي لم يعد له وجود. ماذا يعني في هذه المرحلة؟؟، والتي اتفق عليها مسبقا، بتأمين شبكة الامان المالي والسياسي، ان يقز العربان من مقصورتهم، ليتركونا لوحدنا، بقرار امريكي واضح، هدفه حصارنا وتجويعنا وقتلنا وتركيعنا واخضاعنا للاملاءات والشروط التي تحمي الاحتلال من سوقه الى العدالة. ان القضية اليوم باشد مراحل التأمر عليها، ولا اقول انها في خطرفقط، ولكنها تتعرض للاغتصاب السياسي والابتزاز المالي. وبالنسبة للرئيس ما اشبه اليوم بالامس، حين يستحضر المشهد الذي ما زال مختزنا بكل تفاصيله في الذاكرة، مشهد حصار الرئيس الشهيد الرمزياسر عرفات في المقاطعة، وكانها سميت كذلك حتى تكون اسما على مسمى. قاطعه كل العرب، حتى من الاتصالات الهاتفية، باستثناء من كانت تحمل تهديدا او عرضا تنقل بواسطتهم. وحاصرته الدبابات من كل حدب وصوب. اليوم الرئيس ابو مازن وان تغيرت الاشكال، فهو في وسط الحصار نفسه، والعربان بدأوا بالمقاطعة بدء من الغاء زيارتهم، بقرار امريكي، الى الهروب من التزاماتهم، الى نقل رسائل التهديد والضغط، الى استعمال بعض الادوات المكتوب عليها صنعت في فلسطين زورا. هؤلاء العربان الذين يجوعون الفلسطينيين بحجب مالهم، ويقتلون السوريين بتدفق مالهم، رغم الفوارق الكبيرة ما بين ما هو مطلوب فلسطينيا، وما يدفع لتدمير سوريا الشقيقة، ومن ضمنها شعبنا واهلنا في مخيمات سوريا. هذه نقطة مفصلية لا تحتمل الدبلوماسية، والعض على الجراح، ولا حتى الحفاظ على شعرة معاوية، فمن يريد قتلك، عليك واجب الدفاع عن نفسك بشجاعة وقوة، ففلسطين امام ان تكون او لاتكون، وهنا تبرز شجاعة القيادة في موقفها السياسي المدافع عن كينونتها، ووجودها وبقائها. على القيادة ابقاء اجتماعاتها في حالة انعقاد، واعلان حالة الطوارئ، ومن هو مرتبط باجندة غريبة فلينزل من قطار المشروع الوطني، ويترك المجال للشرفاء، وعليها ان تضع النقاط على الحروف، وان تقول بكل جلاء ووضوح عن دور عربان امريكا، فأنا الغريق وما خوفي من البلل، فللشعب الفلسطيني الحق في الحياة، والحق في المال العربي من ناحية شرعية وقومية واخلاقية، وليس منة منهم. ما الضير اذا وقفت القيادة واعلنت للشعب من يشارك في حصارنا، من هو صديق ومن هو عدو لنا، هذا اقل ما يمكن ان يحمي الانجاز الذي تحقق، ويجسر الهوة بين القيادة والشعب، ويستعيد الثقة، ويوحد الصفوف في مواجهة ما يحاك ضد القضية. نحن صناع الرأي العام ايضا امام مهمة توضيح المواقف لمساعدة القيادة،وان ندافع عنها، ليس من موقع التملق، بل من واقع الخطر الذي يحدق بنا كلنا،لان قطارنا مهدد ونحن جميعا داخله. كلنا نقدر ونتفهم موقف الرئيس من المصالحة وحرصه الشديد على انجازها، باعتبارها ركنا اساسيا في مواجهة الاعداء، ولكن يد واحدة لا تصفق. ويجب ان يتم الاعتراف ان طريق المصالحة مسدود ولا افق له. لان الطرف الاخر هو في اصطفاف المشروع المعادي ونزل من القطار الفلسطيني مع العربان ومن يأمرهم. فهل من المعقول ان تتبرى وسائل اعلامه لتبسط الامور وتستخف بعقول الناس لتقول ان عدم الاعتذار للقطري من قبل بعض قيادة فتح هو سبب الغاء الزيارة،( على قول المثل يما لستي عند جدي). ايضا حين يطل موسى ابو مرزوق ويدلو بدلوه تحت شعار الاقربون اولى بالمعروف، ويطالب الرئيس بتسليمه السلطة، عوضا عن ان يسارع الى مد يده للمصالحة ويقول تعالوا نوحد الصفوف، هل لم يفهم ما قاله الرئيس، ام اعلن عن حقيقة المشروع المشارك فيه، الرئيس قال ان سياسية الحصار تفرغ السلطة من مضمونها، ولا يعود مبرر لها، ولا نقبل ان نكون شاهد زور على ذبح شعبنا وقضيته، ليست المسألة تسليم مفاتيح، بل قراءة سياسية. هنا لا بد من القول ان على القيادة ان تقوم بعملية التحول، بكل منظومة النظام السياسي، من هيئات السلطة الى هيئات الدولة، ويكون حل السلطة مبنيا على وجود الدولة البديلة. وان نجبر العالم على التعاطي معنا كدولة تحت الاحتلال. كما يجب امتلاك الجرأة في تحديد الرؤى المستقبلية، وعدم الاستسلام للقدر، بل المطلوب تحديد الخيارات وفقا للمتغيرات والتحالفات الجديدة، فاليوم الكثير ممن وثقنا بهم غدروا بنا، ومن اعتبرناهم سندا غدوا خنجرا في ظهرنا. اليوم هناك ستاتيكو دولي واقليمي جديد، على القيادة اعادة النظر في كل تحالفاتها وتوجهاتها السابقة. لم تعد الولايات المتحدة هي الامبراطور دون منازع، هناك روسيا والصين، ودول البريكس، وكلها تكن الاحترام لحقوقنا وتدعمها بقوة. ويثبتون مدى تأثيرهم الدولي، وفي الاقليم هناك ايران وسوريا، ايران التي لو اختلفنا معها في بعض القضايا تبقى لها موقف داعم ضد اسرائيل والولايات المتحدة، وايضا على المستوى الفلسطيني هناك تبدلات في المواقف يجب اتخاذها بعين الاعتبار، ولعبة تبديل الكراسي في السياسة ليست محرمة طالما تخضع لميزان المصالح. وايضا سوريا التي تتعرض لهجمة من الاعداء انفسهم الذين يطعنوننا اليوم، وها هي سوريا تصمد في وجه المؤامرة، وايضا ترفض اللعب بالدم الفلسطيني، وها هو جيشها يقف على ابواب مخيم اليرموك المستباح من قبل العصابات الارهابية، ولم يتعامل مع المخيم كما تعامل مع مدنه وقراه، رغم حراجة الموقف. ويبقى في خندق الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، ويشكل ضلع رئيسي في مقاومته. اليوم الشعب الفلسطيني قذف الى البحر، يلاطم الموج، ويصارع لاجل البقاء. وحقه اللجوء الى اول جزيرة يصلها وتحميه، علينا البحث عن هذه الجزيرة فالغريق لا يخاف البلل، بل يبحث عن طوق النجاة.