الطريق إلى هداريم.. رحلة عذاب للقاء الأحبة
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية - سهير عبده
لقهوة الصباح مذاق ورائحة تحثك على استنشاق هواء يوم جديد، لكن لقهوة «نجاح» شقيقة الأسير محمد عبده، 31 عاما، من كفر نعمة غرب رام الله، ولنحو 4600 أسرة فلسطينية مذاقاً مرا في يوم زيارة أعزائهم خلف القضبان، هذه الزيارة التي حولتها إجراءات الاحتلال إلى جحيم.
تستيقظ نجاح منذ 10 سنوات وأكثر مع من حالفهم الحظ وحصلوا على تصريح زيارة ذويهم في سجون الاحتلال مع أذان الفجر، لتملأ حقائب أثقل من قدرتها على نقلها، وغالبا ما تجبرها قائمة الممنوع إدخاله للسجن على إعادتها ثقيلة.
تقول نجاح: «ركبنا السيارة إلى حافلات الصليب الأحمر الدولي لنقل أهالي الأسرى، وبعد تدقيق ممل في التصاريح والأوراق وصلة القرابة التي تجمعنا مع الأسير استلقى أربعتنا على مقاعد محجوزة لنا في الحافلة، وحبسنا نفسا عميقا استعدادا للبدء بالمعاناة النصف شهرية.»
قضى محمد حتى الآن 13 عاما من أصل عشرين متنقلا في سجون الاحتلال منذ بدء انتفاضة الأقصى إلى أن استقر مؤخراً في سجن هداريم. وقضى ثلاث سنوات منها في العزل الانفرادي.
ويعد هداريم الواقع قرب نتانيا سجناً حديثاً نسبياً أسس وفق نظام السجون الأميركية، صممت أقسامه الثمانية بشكل دائري وتتسع لـ 600 معتقل. ويحتجز محمد والأسرى الفلسطينيون في قسم 3 المكون من طابقين. وفيه 40 غرفة صغيرة يلحق بها دورة مياه ومرحاض ومغسلة ويحتجز في كل غرفة منها معتقلان.
تجول نجاح ببصرها على مدى الطريق التي ستقودها لزيارة شقيقها، ولا تفهم من تلك الطلاسم العبرية شيئا غير المسافة المتبقية للوصول الى السجن، وتبحث بعينيها عن أي معالم عربية. ومن بعد هذه الفوبيا تصحو على بكاء طفل في حضن أمه اشتد به الجوع والبرد وهو يمضي 3 ساعات ذهابا ومثلها إيابا في نفس الحافلة.
تفتيش مهين
عند أول حاجز تفتيش يتفنن الجنود في إهانة أهالي الأسرى: بعضهم يطلب منك التخلي عن الحذاء، وكل ما بحوزتهم وما له علاقة بالمعدن، ضمن تفتيش الكتروني يتحول الى تفتيش جسدي مهين وخادش للحياء على نحو متعمد. فيما تعلو من الغرف المخصصة للتفتيش الجسدي صرخات رافضة للإجراءات. كثيرات أجبرن على التعري الكامل، وحرمن من حقهن في الزيارة بعد رفضهن التفتيش العاري الكامل أمام المجندات ومن وراء جدار شفاف لا يعلم أحد ما يخفي خلفه.
وتحتجز سلطات الاحتلال المعتقلين الفلسطينيين في 23 سجنا ومعتقلا ومراكز التوقيف والتحقيق أغلبها داخل الخط الأخضر في مخالفة صريحة للقوانين والاتفاقيات الدولية، وتحرم عدداً من ذويهم من حق الزيارة بذريعة الأمن وأسباب واهية من ضمنها صلة القرابة التي يجب أن تقتصر على الدرجة الأولى، ولا يندر أن تحرم أم وأب من زيارة ابنهما بذريعة عدم وجود قرابة مع الأسير.
«متى وصلت تواجهك دهاليز إسمنتية عبر لفات أو أدراج تقودك أخيرا إلى مقعد ضيق يتسع ربما لشخصين، ومع قدوم الأسرى يبدأ الأهالي جولات سريعة للبحث عن قريبهم مما يضيع وقتاً ثميناً من حصة الزيارة القصيرة التي لا تتجاوز الدورة الواحدة لعقارب الساعة فيما هو جالس في مكان ينتظر.»
ومتى دنا اللقاء يصدمك وجه شاب سلب السجن منه عافيته وصحته بسبب مشاكل في الجهاز البولي وسياسة الإهمال الطبي المتعمد والتي تطال 1200 أسير يعانون من أمراض مختلفة منهم 20 أسيرا مقيمون بشكل دائم في ما يُسمى «مستشفى الرملة» و18 أسيراً يعانون من أمراض خطيرة وخبيثة، و85 أسيراً يعانون إعاقات حركية وذهنية وحسية.
لا يكترث محمد بصحته، لقد حرمه السجن من ضم ووداع والدته عزيزة جابر، التي خطفها الموت دون أن يلقي النظرة الأخيرة على جسدها.
في يومها انهمكت الوالدة، أم محمد، بتحضير الأطعمة التي يفضلها محمد والملابس وانتقاء الكلمات والأخبار التي ستودعها لديه، وعند اللقاء أصرت على ضم ولدها لصدرها والتقاط صورة تذكارية. ظلت هذه الصورة آخر ما احتفظ به محمد منها، فقد وافتها المنية في طريق العودة على حاجز قلنديا.
ورجعت نجاح إلى البيت وحدها.
zaلقهوة الصباح مذاق ورائحة تحثك على استنشاق هواء يوم جديد، لكن لقهوة «نجاح» شقيقة الأسير محمد عبده، 31 عاما، من كفر نعمة غرب رام الله، ولنحو 4600 أسرة فلسطينية مذاقاً مرا في يوم زيارة أعزائهم خلف القضبان، هذه الزيارة التي حولتها إجراءات الاحتلال إلى جحيم.
تستيقظ نجاح منذ 10 سنوات وأكثر مع من حالفهم الحظ وحصلوا على تصريح زيارة ذويهم في سجون الاحتلال مع أذان الفجر، لتملأ حقائب أثقل من قدرتها على نقلها، وغالبا ما تجبرها قائمة الممنوع إدخاله للسجن على إعادتها ثقيلة.
تقول نجاح: «ركبنا السيارة إلى حافلات الصليب الأحمر الدولي لنقل أهالي الأسرى، وبعد تدقيق ممل في التصاريح والأوراق وصلة القرابة التي تجمعنا مع الأسير استلقى أربعتنا على مقاعد محجوزة لنا في الحافلة، وحبسنا نفسا عميقا استعدادا للبدء بالمعاناة النصف شهرية.»
قضى محمد حتى الآن 13 عاما من أصل عشرين متنقلا في سجون الاحتلال منذ بدء انتفاضة الأقصى إلى أن استقر مؤخراً في سجن هداريم. وقضى ثلاث سنوات منها في العزل الانفرادي.
ويعد هداريم الواقع قرب نتانيا سجناً حديثاً نسبياً أسس وفق نظام السجون الأميركية، صممت أقسامه الثمانية بشكل دائري وتتسع لـ 600 معتقل. ويحتجز محمد والأسرى الفلسطينيون في قسم 3 المكون من طابقين. وفيه 40 غرفة صغيرة يلحق بها دورة مياه ومرحاض ومغسلة ويحتجز في كل غرفة منها معتقلان.
تجول نجاح ببصرها على مدى الطريق التي ستقودها لزيارة شقيقها، ولا تفهم من تلك الطلاسم العبرية شيئا غير المسافة المتبقية للوصول الى السجن، وتبحث بعينيها عن أي معالم عربية. ومن بعد هذه الفوبيا تصحو على بكاء طفل في حضن أمه اشتد به الجوع والبرد وهو يمضي 3 ساعات ذهابا ومثلها إيابا في نفس الحافلة.
تفتيش مهين
عند أول حاجز تفتيش يتفنن الجنود في إهانة أهالي الأسرى: بعضهم يطلب منك التخلي عن الحذاء، وكل ما بحوزتهم وما له علاقة بالمعدن، ضمن تفتيش الكتروني يتحول الى تفتيش جسدي مهين وخادش للحياء على نحو متعمد. فيما تعلو من الغرف المخصصة للتفتيش الجسدي صرخات رافضة للإجراءات. كثيرات أجبرن على التعري الكامل، وحرمن من حقهن في الزيارة بعد رفضهن التفتيش العاري الكامل أمام المجندات ومن وراء جدار شفاف لا يعلم أحد ما يخفي خلفه.
وتحتجز سلطات الاحتلال المعتقلين الفلسطينيين في 23 سجنا ومعتقلا ومراكز التوقيف والتحقيق أغلبها داخل الخط الأخضر في مخالفة صريحة للقوانين والاتفاقيات الدولية، وتحرم عدداً من ذويهم من حق الزيارة بذريعة الأمن وأسباب واهية من ضمنها صلة القرابة التي يجب أن تقتصر على الدرجة الأولى، ولا يندر أن تحرم أم وأب من زيارة ابنهما بذريعة عدم وجود قرابة مع الأسير.
«متى وصلت تواجهك دهاليز إسمنتية عبر لفات أو أدراج تقودك أخيرا إلى مقعد ضيق يتسع ربما لشخصين، ومع قدوم الأسرى يبدأ الأهالي جولات سريعة للبحث عن قريبهم مما يضيع وقتاً ثميناً من حصة الزيارة القصيرة التي لا تتجاوز الدورة الواحدة لعقارب الساعة فيما هو جالس في مكان ينتظر.»
ومتى دنا اللقاء يصدمك وجه شاب سلب السجن منه عافيته وصحته بسبب مشاكل في الجهاز البولي وسياسة الإهمال الطبي المتعمد والتي تطال 1200 أسير يعانون من أمراض مختلفة منهم 20 أسيرا مقيمون بشكل دائم في ما يُسمى «مستشفى الرملة» و18 أسيراً يعانون من أمراض خطيرة وخبيثة، و85 أسيراً يعانون إعاقات حركية وذهنية وحسية.
لا يكترث محمد بصحته، لقد حرمه السجن من ضم ووداع والدته عزيزة جابر، التي خطفها الموت دون أن يلقي النظرة الأخيرة على جسدها.
في يومها انهمكت الوالدة، أم محمد، بتحضير الأطعمة التي يفضلها محمد والملابس وانتقاء الكلمات والأخبار التي ستودعها لديه، وعند اللقاء أصرت على ضم ولدها لصدرها والتقاط صورة تذكارية. ظلت هذه الصورة آخر ما احتفظ به محمد منها، فقد وافتها المنية في طريق العودة على حاجز قلنديا.
ورجعت نجاح إلى البيت وحدها.