الحق على عباس- عدلي صادق
إن "أغلبية الفلسطينيين، تؤيد المقاومة المسلحة" حسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة أميركية، يستند الى استطلاع رأي، أجراه مركز خاص، لغسان الخطيب، الناطق السابق باسم الحكومة.
فقد نقلت الصحيفة عن غسان بعد نشر الاستطلاع قوله "إن الجمهور يقارن بين النهج الدبلوماسي السلمي والتفاوضي لمحمود عباس الذي ظل ينقلنا من سيئ الى أسوأ، مع نهج (حماس) في غزة الذي يبدو أنه أكثر جاذبية للجمهور"!
عموماً، لا تحتاج الخلاصة الأولى الى استطلاعات. فغالبية الفلسطينيين تتمنى أن تتوافر لشعبنا مقومات كبح جماح هذا الاحتلال بالمقاومة المسلحة. فهذا طبيعي، بخاصة في ظل ظروف الانسداد والعربدة الإسرائيلية.
ولكن هناك فارق بين التأييد والاستعداد المجتمعي المحسوب، لمباشرة المقاومة المسلحة فعلياً. أما أن يكون الحق على "نهج عباس" في الإحباط الذي يعاني منه الفلسطينيون، وليس الحق على "نهج" الاحتلال ونتنياهو والمجموعة التي معه، فهذا هو الذي يحتاج الى استطلاع حول وجاهته، لأن اللوم ربما لا يقع على المفاوضات بحد ذاتها، ولا على ما سمّاه غسان الخطيب "النهج". فعلى الأرجح، سيكون العكس هو الصحيح، بمعنى أن المشكلة تكمن في تغييب المفاوضات وليس في إجرائها بشكل جاد وبمرجعيات محددة. فلم تكن هناك قيمة فعلاً للمفاوضات التي حرص المحتلون على جعلها بلا فحوى، في المناسبات القليلة المتقطعة التي جرت فيها. ولكن من العدل والمنطق، إحالة المسؤولية عن الإحباط الى المتسببين فيه، وهم ـ قطعاً ـ ليسوا على الطرف الذي اختار الأخذ بناصية السياسة والمفاوضات، على أمل الوصول الى تسوية متوازنة!
لو كان لمحسوبكم أن يعدد أسباب الإحباط الفلسطيني، لبدأ بعد الانتهاء من عد العناصر الاحتلالية والمصاعب الموضوعية، في الإشارة الى العوامل الفلسطينية الذاتية المحبطة، التي سيكون من بينها، تردي شرائح من الطبقة السياسية، وانتهازيتها، وسذاجتها أحياناً. وسيكون من بين هذه العناصر، قفز الكثيرين من المحسوبين على هذه الشرائح، من الحزب الى الوظيفة، ومن الوظيفة الى نقيضها، ومن اليسار الفقير الى اليمين المترف، ومن اليمين "الطفران" الى اليسار "محدث النعمة"، ومن النقيض الى النقيض في داخل الوظيفة نفسها، مع وضع قدم في الحكومة الى وضع الأخرى في الـ "إن جي أوز".
ومن لمعان العيون على كل مصدر يعدد الدخل ويراكم والأرباح، الى الحرص على أن تظل المسائل رمادية، بحيث يختفي الخيط الفاصل بين طرفين يشتبكان على مسرح المصيبة، فتلتبس الأمور على المحزونين، وينتهز الفرصة تجار الآلام، لكي يروّجوا الشائعة التي تزعم أن الطرف الوطني المتأذي، هو المسؤول الحصري عن المصيبة وعن توابعها، وحتى عن مظهرها العام!
* * *
ولكي لا تكون هناك مزاودة، فإن محسوبكم مضطر للبوح بخاطرة في حجم مخالفة أمنية بالنسبة لكل حكومات المنطقة. تقع هذه الخاطرة، في المساحة الفاصلة بين العاطفة والحقيقة، أو بين التأييد والاستعداد، وبين التمني والاستطاعة.
فكلما ازداد التجبر والقتل الجماعي للناس في سوريا مثلاً، وكلما توغل الطائفيون في طائفيتهم في العراق ولبنان وسواهما، وكلما توغل العشائريون في عشائريتهم والجهويون في جهويتهم، وكلما استنكفت حكومات ماكثة جاثمة على صدر الأمة عن الحلحلة أو اللحلحة، ولو كذباً، في اتجاه مربع الكرامة واحترام النفس وأخذ المقتضى الصحيح لمصالح الناس ولشرفها؛ فإن محسوبكم يتمنى التوفيق لـ "جبهة النُصرة".
وحين يُعدد متفذلك، ذمائم جبهة كهذه ومخاطرها على السلام الاجتماعي في أي بلد، فإن صاحب الخاطرة، يؤيد هذا التنظير الرشيد، ولكن لا خلاف على كون أنظمة الفساد والاستبداد، والاحتلال، والطائفيين، والعشائريين، والمناطقيين، هم المنتجون لجميع الذمائم والشرور، كلٌ منهم في اختصاصه وعلى صعيد خطه في الإطاحة بالعدالة. وكلهم مجتمعين، هم سبب صعود نجم القوى الاجتجاجية والعنفية!
* * *
بالطبع، كان استطلاع "مركز القدس للإعلام والاتصال" سابقا على مهرجان غزة. فبعض معاني المهرجان داحضة لخلاصات الاستطلاع ولتعقيب غسان الخطيب عليه. فأخونا هذا، في حاجة الى استطلاع آراء الـ 80% من سكان قطاع غزة، لمعرفة سبب خروجهم الى مهرجان "الانطلاقة" تأييداً لحركة "فتح" ولـ "سلطة عباس". من جهتنا نحن مستعدون لتزويد مركز الخطيب، بعناوين وأسماء سيدات وشيوخ، من ذوي الاحتياجات الخاصة، شاركوا بالمقاعد المتحركة وبعضهم نام الليلة الباردة السابقة على الاحتفال، في ساحة المهرجان. ومستعدون لتزويد مركز غسان الخطيب، ومعه حسن خريشة، بأسماء وعناوين باعة ترمس، اشتروا لأولادهم بنقودهم القليلة المتوافرة، رايات حركة "فتح" لكي يسألهم المستطلعون عن سبب هذا الإيثار، وتفضيل الراية الصفراء على عدة ربطات خبز!
فقد نقلت الصحيفة الأميركية على لسان خريشة، ذماً بليغاً لـ "مفاوضات لم تمنح الفلسطينيين إلا المزيد من المستوطنات". ففي هذه القراءة تكون المفاوضات التي لم تُجرَ ولا تُجرى، والمنسوبة الى عباس، هي حصراً، التي "منحت" الفلسطينيين عناصر المصيبة. وهذا كلام أقل ما يوصف به أنه غير سياسي وغير موضوعي. إن ثمة أسئلة في حاجة الى أجوبة موضوعية: لماذا أوقف عباس المفاوضات؟ ولماذا وقف العالم مع عباس ضد التوسع الاستيطاني؟ ولماذا التأثيم الفلسطيني للمفاوضات، فيما المحتلون يحاربونها وإن أرادوها اضطراراً، فإنهم يريدونها بلا مضمون وبلا مرجعيات ولا أسقف زمنية؟
بالنسبة للمقاومة المسلحة، التي نراها محقة من حيث المبدأ، هل نحن مستعدون لها، بالحد الأدنى من مفردات الاستعداد، في بُنية المجتمع وفي القدرة على أدائها، وليس بحسبة مضغ الكلام وتطيير التنظيرات من الموقع الآمن والمريح؟ وهل المقاومة المسلحة هي البديل الرابح فعلاً؟ وهل هي التي ستؤدي الى وقف النشاط الاستيطاني أم ستعززه بانتشار عسكري أوسع وأكثر كثافة؟ هل العقل الفلسطيني بات قاصراً، لكي يواجه المشكلة الخطيرة بعمل مسلح محدود، تنفتح بعده الأبواب لمشكلات أخطر تحل بنا؟ أليس هناك مسارات أخرى، نضالية، فيها من المثابرة والتأثير ما يجعل الاستيطان ذا كلفة سياسية واقتصادية واجتماعية فادحة؟ وهل الاستطلاعيون من إخواننا هؤلاء، يُعدون من رجالات المشاركة أو التنظير للكفاح المسلح؟
يبدو أن الجواب المختصر، عن كل هذه الأسئلة، هو أن "الحق على عباس"!
adlishaban@hotmail.com