الزحف الغزاوي للسرايا- رأفت صباح
شهد قطاع غزة تظاهرة “مليونية” خلال احتفال حركة “فتح” بالذكرى الـ 48 لانطلاقتها وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، في مشهد لا سابق له منذ سنوات طويلة ، حيث جابت فيه مئات الآلاف من الغزيين الشوارع وصولاً إلى ساحة السرايا وسط مدينة غزة، والتي أطلقت عليها “فتح” ساحة الشهيد ياسر عرفات . حيث قدر عدد المشاركين في مهرجان ” الدولة والانتصار” بنحو مليون فلسطيني ، أي ما يعادل ثلثي سكان القطاع البالغ عددهم نحو 1.7 مليون مواطن . وبالرغم من عدم معرفتها المسبق, موعد ومكان الاحتفال إلا قبل يوم أو يومين من موعده , وبالرغم من تحديد يوم الجمعة للاحتفال , وهو يوم خاص للأسر الفلسطينية , وعلى الرغم من قناعة الأغلبية منهم بأنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى وسط ساحة الاحتفال, نتيجة الازدحام الشديد في محيط السرايا, وهو ما تم مشاهدته على شاشات التلفاز في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة , ورغم من تحمل الغالبية العظمى منهم نفقات المواصلات , كلٌ حسب إمكانياته, وفي ظل تأخر الرواتب والأزمة المالية التي تعانيها السلطة والحركة , التي وفرت لكل منطقة أتوبيسين. فقد بدأت الحشود ، والتي غلب عليها الطابع العائلي, رجالاً وشيوخاً وأطفالاً ونساءاً، تنطلق من الجنوب والوسط والشمال منذ الساعة الرابعة فجراً, ومبيت البعض منهم في ساحة السرايا مساء يوم الخميس، مستخدمة في ذلك, كافة وسائل النقل والمواصلات البرية والبحرية التي وشحت بالأعلام الفلسطينية وبالرايات الفتحاوية الصفراء، وتزينت بصور الشهيد القائد، ياسر عرفات والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وتمكنت من الوصول إلي أرض السرايا, وقد كان لحكومة حماس بصمة واضحة وملموسة من الجميع في إنجاح هذا المهرجان, حيث أنه منذ اللحظات الأولى شوهد رجال الشرطة يعملون على تسهيل حركة المرور من وإلى ساحة المهرجان. بينما خلت المناطق الحساسة المحيطة بالمهرجان من التواجد العسكري لأجهزة الداخلية بغزة، منعاً للاحتكاك بالعناصر الفتحاوية، إضافة إلى عدم حمل الأسلحة الرشاشة والاكتفاء بحمل العصي على مناطق بعيدة من المهرجان لتوجيه حركة المرور . كما أن الجماهير الفتحاوية في العديد من الأحيان بادرت بمساعدة الشرطة المرورية بتسيير حركة المرور وفض المناطق المزدحمة إضافة إلى تجاوبها مع رجال الأمن فلم تسجل أي خروقات أمنية أو مشاكل تذكر تعكر صفو هذا الاحتفال . والآن وبعد الحشد الجماهيري الهائل والذي لم يسبق له مثيل ويعتبر الأضخم في تاريخ حركة فتح منذ انطلاقتها الأولى ، والذي حمل في مضمونه رسالة سياسية وجماهيرية ، الرسالة السياسية هي أن فتح موجودة في غزة وجماهيرها يشكلون أكثر من ثلثي عدد السكان وبالتالي تم إجهاض الادعاءات الإسرائيلية بأنه لا وجود قوة جماهيرية لفتح في غزة وبالتالي لا يمكن أن تفصل غزة سياسيا عن الضفة . إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ومواصلة الحراك الدولي , فلم تفلح سنوات الانقسام البغيضة من ثني عزيمة الفلسطينيين , من المطالبة المستمرة والحثيثة لإنهاء هذه الحالة, والتي خرج منها الجميع خاسراً. الأغلبية من بين مئات الآلاف الذين احتفلوا في مهرجان فتح بغزة، هم ممن دون سن 20 عاماً وبذلك شكلوا رسالة تنظيمية هامة يجب قراءتها بتمعن . وأخشى ما أخشاه أن يجير هذا النصر لأي كان سواء أفراداً أو جماعات أو قيادات ، فالجماهير الفتحاوية هي صاحبة هذا النصر ، وهي التي خرجت من تلقاء نفسها ، لأنها لا تختلف مع ذاتها أي مع فتح ، ولكنها تختلف على كيفية إدارة هذه الحركة وعلى من يديرها ويسير أمورها . ومن هنا أتوجه للأخوة أعضاء اللجنة المركزية وخاصة الأخ الرئيس أبو مازن والأخ نبيل شعث وبصفته المسئول عن ملف قطاع غزة ، لاستثمار هذه الحالة كيفما تسموها والتي تعيشها القاعدة التنظيمية والجماهيرية التابعة والمؤيدة للحركة واغتنام هذه الفرصة للنهوض بكافة المؤسسات التنظيمية وتفعيل كافة الأطر والمكاتب الحركية، وإنهاء حالة الترهل التنظيمي بالدفع نحو إجراء تغيرات وتعديلات جذرية وجوهرية، وإصلاح وترميم البيت الفتحاوي الداخلي، وتشكيل قيادة فتحاوية قادرة على احتواء الجميع بما يخدم مصالح الحركة، ويحافظ على مكانتها الوطنية الرفيعة وتاريخها النضالي العريق، بعيداً عن أي اعتبارات أو حسابات وترك اللعب بالشطرنج ، فحجارة الشطرنج لا تليق مع قيادات تقود هذه الجماهير . وليعتبر نهج التصالح مع الذات مكافئة للجماهير التي جددت البيعة للحركة ولقيادتها الوطنية، ويضمن الاستمرارية ويُعيد الثقة لأبناء فتـــح الذين يتطلعون ويستبشرون بمستقبلاً مزدهراً للحركة التي قادت الثورة الفلسطينية وكان لها شرف إطلاق الرصاصة الأولى. فلا تضيعوا هذه الفرصة من بين أيديكم .