الاقتلاع العنصري- هاشم عبدالعزيز
أطلقت جماعة من قيادة حزب الليكود الصهيوني اتجاهاً تصفوياً للفلسطينيين في الضفة الغربية، واقترح أصحاب هذا الاتجاه الذي يتزعمه موشي فيغلين أحد أبرز قيادات اليمين المتطرف دفع مبلغ 500 ألف دولار لكل عائلة فلسطينية في الضفة الغربية للانتقال إلى الغرب .
حسب ما نقله موقع صحيفتي “يديعوت أحرنوت” و”معاريف”، فإن فيغلين ادعى أن “الغرب يرغب في استقبال الفلسطينيين خلافاً لادعاءاتهم، لأن عدد السكان في الدول الغربية يتناقص بسبب تراجع عدد الولادات والفلسطينيون يعملون في البناء”، مضيفاً: “إذا هاجروا فسيكونون أفضل من مهاجري العمل السودانيين الذين لا يعرفون البناء”، على حد زعمه .
في التبرير الذي قدم لهذا الاتجاه ذكر أصحابه أن “إسرائيل” تدفع نحو 10% من إجمالي ناتجها كل عام من أجل حل الدولتين واتفاقات أوسلو، غير أن هذا التبرير المالي يصير متوارياً أمام الدوافع الحقيقية، وهي تبدو واضحة من خلال المسألة الأمنية والنزعة التوسعية الاستيطانية العنصرية .
في الشأن الأمني وعلى إثر التطورات التي أحدثتها الردود العسكرية الفلسطينية التي لم يتوقعها جيش الاحتلال في عدوانه مؤخراً على غزة بجبروت آلياته، وكيانه الصهيوني بركونه المفرط على قواته أشار أصحاب هذا الاتجاه إلى أن “دولة “إسرائيل” تدفع للجدار الفاصل ولمنظومة القبة الحديدية ولكل حارس في كل مقهى”، وأكدوا أن الدولة العبرية ستضطر لوضع قبة حديدية على كل مدرسة في تل أبيب في هذه الظروف .
أصحاب هذا الاتجاه الذي يدور على “ترحيل” الفلسطينيين من الضفة الغربية ومناطق أخرى إلى أي مكان آخر” يصورونه على أنه سيوفر لهؤلاء “مستقبلاً أفضل” .
لقد استقروا على حقيقة النزعة الصهيونية العنصرية التوسعية، وجاء هذا في التأكيد على “التزامهم بضم الضفة الغربية إلى “إسرائيل”، وأيدوا بصورة غير مباشرة قاطرة المشروعات الاستيطانية التي ستفضي إلى “فرض السيادة “الإسرائيلية” على الضفة الغربية تدريجياً” .
الواقع أن هذا الاتجاه ليس جديداً لكنه يُستجد صهيونياً منذ ما يزيد على ستين عاماً تجاه الشعب الفلسطيني، فقد بدأ مترافقاً مع موجة الجرائم الصهيونية التي أطلقتها العصابات الإرهابية لإبادة الفلسطينيين وتشريدهم، لكنه اصطدم بالصمود الأسطوري الذي اجترحه الفلسطينيون بأفرادهم وجماعاتهم وأسرهم التي لم تكن أية واحدة منها في منأى من حرب الإبادة الصهيونية الدائرة على الشعب الفلسطيني بوسائل وأساليب وحشية، فقد واجهت قدرها وبات سجل كل أسرة في الأرض الفلسطينية حافلاً بالشهداء والجرحى والأسرى والمشردين والمعتقلين والمطاردين .
جديد الاتجاه الذي يُسوَّق الآن لتشريد الفلسطينيين تحت مظلة “ترحيلهم” إلى “مستقبل أفضل” أنه يأتي في توقيت استثماري لسياسة تركيع صهيوني كرست منذ أعوام عدة ضد الفلسطينيين .
في الضفة الغربية تنتشر الحواجز العسكرية الصهيونية داخل الشوارع والأحياء والقرى وفي كامل الطرقات التي تصل بين هذه المكونات العمرانية والكيانات السكانية وهذه الحواجز لا تعرقل السكان في حركتهم فحسب، بل إنها تعطل أعمالهم في كثير من الأحيان باختلاق إجراءات أمنية، وهناك المنع للفلسطينيين من الوصول إلى أعمالهم في داخل الكيان الصهيوني، وإلى هذا تتعرض المحصولات الزراعية للجرف والتلف والأشجار المثمرة للاقتلاع، والأراضي الزراعية للمصادرة، وهناك أعداد كثيرة من القرى التي هُدمت وشُرد أهلها تحت ذرائع أمنية ولأهداف استيطانية توسعية .
وإذا ما أضفنا إلى هذا سياسة الابتزاز التي يمارسها الكيان الصهيوني على السلطة الفلسطينية بمنع استحقاقاتها المالية الضرائبية، وهي تنعكس على قطاع واسع من العاملين في أجهزة السلطة ومؤسساتها التعليمية والصحية والأمنية بمترتباتها على حياتهم ومعيشة أسرهم اليومية .
الحصيلة أن وضع الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية شديد القسوة، فقد احتملوا مواجهة حرب الإبادة ونهضوا لاستعادة حقوق شعبهم المسلوبة، لكنهم يتعرضون للتنكيل جراء السياسية الصهيونية التي تكرس في جانب منها لحرمانهم الحصول على أبسط متطلبات معيشتهم وحياتهم، وعلى هذا الوضع المأساوي يأتي إطلاق اتجاه تشريدهم تحت دعاوى انتقالهم إلى الغرب .
السؤال هو: أين هم العرب من هذا الوضع الفلسطيني المأساوي والسياسات والاتجاهات الصهيونية الهادفة إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وإبادتهم، وهي تكرَّس بالأعمال قبل الأقوال؟ ثم هل هناك غير الأرض والإنسان تقوم عليها القضية الفلسطينية؟
والأهم، إلى متى سيبقى موقف الدول العربية مندفعاً في متاهة الضياع الأمريكية بخداع التسوية وزيف ادعاءات السلام والتي من حصيلتها هذا الوضع الفلسطيني وهذه الاتجاهات العنصرية؟