طريق اللاعنف إلى فلسطين- اوكتافيا نصر
انطبع النضال الفلسطيني من أجل الدولة بالعنف في الجزء الأكبر منه. سواء كنّا نوافق على مساره العنفي والأهداف التي حقّقها أو نرفضهما معاً، لا بد من أن نتذكّر أن فلسطين اليوم هي على وشك أن تصير من جديد جزءاً من المجتمع الدولي بعد سبعة عقود من حرمانها ذلك الحق والامتياز. في الغرب، يستحضر مجرد ذكر اسم فلسطين أو الفلسطينيين صور العمليات الانتحارية والخطف والقتل والفساد والعنف. والسبب هو البروباغندا الصهيونية العالمية التي تصوِّر الفلسطينيين منذ عقود بأنهم إرهابيون خطرون ومتشدّدون يثيرون الخوف ولذلك يجب عزلهم أياً يكن الثمن. هذه الصورة التي تروِّج بعناية وتخطيط منهجي ومنظَّم، غالباً ما تُساهم فيها لا بل تُعزّزها وسائل الإعلام المرتهَنة، والرسائل المركَّزة والمتكرِّرة من الأوساط اليهودية والإسرائيلية الأصولية، ولعل الأهم هو أن أعمال العنف التي ينفّذها الفلسطينيون على الأرض تصبّ في إطار السيناريو نفسه وتزوّده مادّة إضافية عند كل فرصة سانحة. يعاني الفلسطينيون كمجموعة مشكلة في صورتهم في كل مكان تقريباً من العالم. تتغيّر الصورة مع تبدّل المشهد وأوجه التنوّع في كل بلد وقارّة. لكن الوطأة الأقسى هي تلك التي يتحمّلها الفلسطينيون من إخوانهم العرب الذين يتبنّون القضية الفلسطينية من أجل مصالحهم السياسية الخاصة، فيما لا يُقدِّمون للفلسطينيين شيئاً جوهرياً أو عملياً. ووقت يُنظَر إلى الفلسطينيين بعين الإعجاب في أميركا اللاتينية مثلاً حيث يُعتبَرون مهاجرين ناجحين قدّموا إسهامات كبيرة لمجتمعاتهم، وارتقوا إلى مراتب عالية في الأعمال والحكومات، لا يزالون يتعرّضون للمعاملة السيّئة والتعسّفية في مخيّمات اللاجئين في أنحاء الشرق الأوسط. كلمة "فلسطيني" مرادفة في نظر عدد كبير من العرب لخيم اللاجئين الملوَّثة بالمجاري المفتوحة، وللإعاشات الغذائية، والفقر، والشعب غير المرغوب فيه الذي لا يستحقّ التمتّع بأي حقوق أو فرص. يُنظَر إلى الفلسطينيين كمجموعة، وليس لما هم عليهم كأفراد. إنهم في نظر الآخرين شعبٌ مع وقف التنفيذ ينتظر العودة - كمجموعة - إلى وطنه الأم. حتى في الأماكن التي اندمج فيها الفلسطينيون تماماً، مثل الأردن، يصير الاستقطاب الفلسطيني - الأردني واضحاً للعيان ما أن تلوح في الأفق بوادر عدم استقرار سياسي في المملكة. كما كتبتُ مراراً من قبل، يعني الانتماء الفلسطيني اليوم أموراً كثيرة لعدد كبير من الأشخاص. يصعب تحديد ما يريده الفلسطينيون فعلاً في خضم الصحوة العربية التاريخية، تماماً كما يصعب معرفة من يمثّلهم فعلاً ومن يتحدّث باسمهم جميعاً. ليست مهمة سهلة، وهذا ما يشهد عليه كل من يعمل بلا كلل لتغيير صورة الفسطينيين في العالم.
إنها معركة شاقّة. لا يمكن إلغاء سنوات من البروباغندا المدروسة في غضون أيام أو حتى بضع سنوات. فالأمر يقتضي ثباتاً والكثير من الإرادة الطيّبة كي يُظهر الفلسطينيون للعالم أنهم بشرٌ سُلِبوا أرضهم تحت العين الساهرة للعالم "المتمدِّن". ويتطلّب إقامة الكثير من القرى المماثلة لقرية "باب الشمس" من أجل تغيير هذه النظرة السلبية غير الإنسانية عن الفلسطينيين الراسخة في أذهان عدد كبير من الأشخاص حول العالم. بما أنني من أنصار اللاعنف، لا يسعني سوى أن أصفّق لشجاعة مئات الفلسطينيين الذين أقاموا قرية من أجل تمهيد الطريق لقيام دولة فلسطين. خوف نتنياهو من المتظاهرين السلميين واضح للعيان. وخير دليل على ذلك إرساله قوة أمنية مدجّجة بالسلاح تحت جنح الظلام لطردهم بالقوّة على رغم الأمر الصادر عن محكمة العدل العليا الذي يمنع عمليات الإجلاء. مع أن التحرّك الإسرائيلي كان سريعاً وشكّل مفاجأة لكثيرين، ومن هنا تقصير وسائل الإعلام في تغطية الخبر بطريقة وافية، قدّمت فلسطين الى العالم المئات من أمثال غاندي. أعلم مثل كثر، أن لدى الفلسطينيين الآلاف من أمثال غاندي، لا بل عشرات الآلاف ومئات الآلاف الذين يتحيّنون الفرصة للفت انتباه العالم ودفعه إلى الإصغاء إليهم. فهل يدخلون التاريخ بفتح مزيد من الأبواب التي تقودهم الى الشمس؟