العيش المُـــــــــــــــرّ
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
حمزة الحطاب
أسرع مجموعة من الشبان باتجاه شاحنة جمع النفايات، وتعلقوا بها من الخلف، عندما تهيأت لإفراغ حمولتها. رفع سائق الشاحنة مكبسها الخلفي، ومعه ارتفع الشباب المتشبثون، فأفرغت حمولتها واستقر الشباب على كومة كبيرة من النفايات ، وبدأوا بنبشها بحثا عن "رزقهم"، بعدما ضاق بهم الحصول على مهنة أفضل بعيداً عن النفايات وسمومها ، فأجبرهم عوز العيش على العمل بما هو أمر.
منذ ساعات الصباح الأولى ينطلق العشرات من أبناء بلدة يطا جنوب الخليل باتجاه مكب النفايات، للبحث في أكوام النفايات، علّهم يستخلصون منها ما يسد جوعهم وجوع من يعيلون.
يبين محمد ربعي مسؤول تشغيل المكب، ورئيس اللجنة المحلية لملتقطي النفايات، أن عدداً كبيراً من شبان يطا يعملون في التقاط النفايات، يبحثون في أكوامها عن الحديد والألمنيوم والأخشاب والملابس، والأجهزة القابلة للتصليح، يقومون بجمعها وبيعها ليعتاشوا من أثمانها، بعدما ضاقت بهم كل سبل الحياة الكريمة.
ويضيف ربعي "جملة من الأسباب أدت بهؤلاء للعمل في المكب، أهمها الوضع الإقتصادي الصعب في الأراضي الفلسطينية وبلدة يطا بالتحديد، وسيطرة الإحتلال على أراضيهم الكائنة في منطقة المسافر شرق يطا، فملتقطوا النفايات هنا يمتلكون أراض خصبة مزروعة بأشجار الزيتون وتصلح لزراعة الحبوب، لكن اعتداءات المستوطنين المتواصلة والمتكررة وسيطرة الاحتلال على هذه الأراضي؛ حال دون استغلالهم لها، ما دفعهم للبحث داخل مكب النفيات، إضافة إلى نسبة البطالة المرتفعة بعد منع إسرائيل دخول العمالة الفلسطينية إليها."
يصل عدد العاملين بشكل يومي داخل المكب إلى 86 شخصا، وهناك من يعملون بصفة مؤقتة يقدرون بـ150شاباً، إلا السنة الأخيرة سجلت ارتفاعاً في تلك أعداد ملتقطي القمامة، إذ تردد على المكب بشكل يومي ما لا يقل عن 250 شخصا.
منذ ثلاثة عشر عاماً والشاب عيسى ربعي ورفاقه يعملون في نبش النفايات، فبات هذا المكب مأمنهم ومأمن أسرهم. هنا يصلون الليل بالنهار بحثا عما يمكن الحصول عليه من معادن وأجهزة منزلية، فينتظرون بفارغ الصبر وصول الشاحنات التي تجمع نفايات محافظتي الخليل وبيت لحم والمستوطنات المحيطة ومخلفات معسكرات جيش الاحتلال.
يقول عيسى: "ماذا نفعل؟ لا نستطيع الدخول إلى إسرائيل للعمل إلا بتصاريح، يتطلب الحصول عليها دفع نحو 3000 شيقل شهرياً. نأتي إلى هنا رغما عنا، نبحث في هذه النفايات عن معادن مثل الحديد والألمنيوم والنحاس، بالإضافة للأحذية والأثاث المنزلي والحطب أيضاً. نجمع يومياً ما تقارب قيمته 60 شيقلاً، وأحيانا يحالف بعضنا الحظ ويجمع من النفايات والمخلفات ما يقدر بـ150 شيقلاً. الحمد الله عايشين".
بلدية يطا أكدت أن المكب يمثل مكرهة صحية، كونه يقع في مكان مفتوح قريب من بعض التجمعات السكانية، إذ لا يبعد عن قريتي "الديرات" و"الرفاعية" سوى 9 كلم.
كما يوضح موسى مخامرة رئيس بلدية يطا، أن المكب مستخدم من قبل المستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعني أن المخلفات والنفايات قد تحتوي على موادّ سامة أو قابلة للانفجار، فضلا عن وقوع حوادث أودت بحياة عددٍ من ملتقطي القمامة.
يضيف مخامرة "منذ افتتاح المكب شرق يطا عام 1994؛ لقي عدد من ملتقطي النفايات مصرعهم. العمل هنا خطير، فمن تدفعه الحاجة للنبش في أكوام القمامة، يعرّض نفسه لخطر مخلفات المستوطنات ومعسكرات الجيش. هذه ظاهرة ننظر لها بكثير من الخطورة، إضافة إلى كونها طريقة لا إنسانية لاكتساب لقمة العيش. كل أسرة ينبغي أن يتوفر لها مصدر رزق سليم وكريم، لا أن تقتات على النفايات، المكب إساءة للإنسان والبيئة".
بذلت بلدية يطا جهوداً حثيثة لمنع الناس من الدخول إلى المكب حفاظاً على سلامتهم، إلا أن كل المحاولات بائت بالفشل، لعدم توفر بديل يتيح لعشرات العائلات الفقيرة الاستغناء عن نبش أبنائها العاطلين عن العمل في أكوام القمامة.
المجلس المشترك الأعلى لإدارة النفايات الصلبة في محافظتي الخليل وبيت لحم، بين أن المكب يقع في منطقة التصنيف ج (C)، ما يشكل حائلا دون فرض سيطرة أمنية فلسطينية عليه.
يقول المهندس ياسر دويك المدير التنفيذي المجلس المشترك الأعلى لإدارة النفايات الصلبة: "لم نسمح لأحد بدخول المكب، وحاولنا منعهم مراراً، لكن نصطدم دوماً بإشكالية أن الموقع موجود في منطقة خارج السيطرة الأمنية للسلطة. هؤلاء الناس وبعد دراستنا لحالاتهم يعتبر المكب مصدر رزقهم الوحيد، وبالتالي وضعنا خطة اجتماعية لتأهيل هؤلاء الأشخاص، فقمنا بتحسين ظروف عملهم، كما ونعمل على توفير أدوات السلامة المهنية من أحذية وقفازات وملابس، كما وضعنا تأمينا صحيا لمقاول المكب يغطى بموجبه كافة العاملين هنا، ناهيك عن حملات الفحص الطبي والتطعيم الدائمة بالتعاون مع وزارة الصحة، بالإضافة إلى أننا أعطينا مهلة للملتقطين حتى يتمكنوا من جمع ما يريدون قبل أن تبدأ الجرافات والمعدات الثقيلة بعملها، دون أن نفغل حملات التوعية الصحية من المخاطر الناجمة عن العمل في مكان كهذا، والتي تنظم بشكل دوري كل ثلاث شهور من خلال لجان العمل الصحي".
مكبّ نفايات يطا سيجري إغلاقه في الربع الأول من هذا العام 2013، إلا أن العاملين بالتقاط رزقهم منه تلقوا تعهدات بإيجاد البدائل لهم.
يضيف دويك "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) قرروا تمويل برنامج تشغيلية لاستيعاب هؤلاء الأشخاص، كما أنهم وعدوا بتعوض النقص الذي سيحصل في دخل البعض نتيجة إغلاق المكب ونقله إلى المقرّ الجديد المعروض باسم (المنيا) في بلدة سعير. هناك مجموعة من ملتقطي النفايات وعددهم 25 شخص سيعملون بشكل دائم في المكب الجديد، في حين أن مجموعة أخرى أبدت رغبة بالحصول على مشاريع مدرة للدخل، لكي تحقق الحد الأدنى من الدخل لأسرهم، وبالفعل سيجري دمجهم في مشاريع بمجالات مختلفة، كالانتاج الزراعي أو الحيواني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي، إضافة إلى مشاريع تجارة محدودة كالبقالات. هذه المشاريع ستقدم لهم من خلال المجلس بتمويل من (UNDP) وتنفذها جمعية الشبان المسيحية. كما تمكنا من إعادة بعضهم للجامعات بعدما وفرنا لهم منحا دراسية لأول سنة ونصف، وهم الآن على مقاعد الدراسة".