إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية- أسامة عبد الرحمن
في أعقاب نجاح مسعى السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة بحصول فلسطين على صفة دولة غير عضو بأغلبية كبيرة في تصويت الجمعية العامة على ذلك، قرر الكيان الصهيوني اتخاذ إجراءات عقابية تمثلت في إقرار بناء آلاف الوحدات الاستعمارية في القدس الشرقية والضفة الغربية، الأمر الذي يمثل تكثيفاً في بناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية، ويقضي على مبدأ حل الدولتين الذي تعلن الولايات المتحدة دعمها له .
ويهدف الكيان الصهيوني من وراء ذلك إلى فرض سياسة الأمر الواقع، وفرض وقائع على الأرض تناقض ما صدر من قرارات دولية وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي والشرعية الدولية .
ولعل هذا القرار في توقيته لا يمثل إجراء عقابياً للسلطة الفلسطينية فحسب . ولا للشعب الفلسطيني فحسب، ولكنه يمثل صفعة قوية للأمم المتحدة ورد فعل مباشر على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع تمثيل فلسطين ومنحها صفة الدولة غير العضو . ويحاول الكيان الصهيوني بهذا الإجراء العقابي أن يبين أنه هو القادر على فرض إرادته على أرض الواقع وأن قرار الأمم المتحدة لا يغير من واقع الحال شيئاً . وفي هذا استخفاف بالأمم المتحدة التي اكتسب من خلالها الكيان الصهيوني وجوده واستهتار بالقانون الدولي والشرعية الدولية، وهو يمثل نهجاً دأب الكيان الصهيوني على تطبيقه منذ نشوئه، لترسيخ مشروعه العنصري الاستعماري .
إن إقرار بناء آلاف الوحدات الاستعمارية الصهيونية على الأرض الفلسطينية ليس بالضرورة وليد حدث جديد وإن جاء في أعقاب نجاح المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة وأبرزه الكيان الصهيوني كإجراء عقابي . وهو ليس حدثاً جديداً ولكنه حلقة في مسلسل استعماري متواصل منذ بداية هذا الكيان . وإذا كان الكيان الصهيوني يعتبره في هذا التوقيت إجراء عقابياً فإن وجوده في حقيقة الأمر إجراء عقابي متواصل باستمرار تواصل بناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية .
وإذا كانت الأمم المتحدة تعتبر الاستيطان غير شرعي فإنها غير قادرة على تجسيد ذلك على أرض الواقع . وهكذا تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن تطبيق ما تقضي به الشرعية الدولية . في وقت يفرض فيه الكيان الصهيوني على أرض الواقع كل قراراته وممارساته غير الشرعية . كما أن الولايات المتحدة ذاتها تعتبر الاستيطان غير قانوني ولكنها تبارك الاستيطان بما تقدمه للكيان من مساعدات وهبات مالية تساعده على مواصلة بناء المستعمرات .
إن موقف الولايات المتحدة بعيد تماماً عن المصداقية، ذلك أنها تنقض ما تعلنه من أن الاستيطان غير قانوني . وليس أدل على ذلك من موقفها في مجلس الأمن قبل بضع سنوات واستخدامها حق النقض إزاء إجماع يدين الاستيطان . ولعله بهذا الدعم من الولايات المتحدة يستمرئ الكيان الصهيوني مواصلة بناء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية ولا يعير قرارات الأمم المتحدة أي اهتمام ويضرب بها عرض الحائط، ويفرض الوقائع التي يريدها على الأرض الفلسطينية .
لقد اتخذ الكيان الصهيوني إجراء عقابياً آخر في أعقاب نجاح المسعى الفلسطيني في الجمعية العامة بحصول فلسطين على صفة الدولة غير العضو تمثل في حجز المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي قد يؤدي إلى شل قدرة السلطة الفلسطينية على تسيير الحياة المعيشية ويمثل تضييقاً مالياً واقتصادياً قد يثير احتقاناً داخلياً واضطراباً في الوضع الفلسطيني يسيء إلى السلطة الفلسطينية .
ولعل هذا الإجراء العقابي يمكن تجاوزه بدعم عربي حقيقي يرفع عن السلطة الفلسطينية الضيق المالي، مع أن ما يتخذه الكيان الصهيوني من إجراء بحجز المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية هو سطو على حق ومخالفة للقوانين والأنظمة الدولية . ولكن يبدو الكيان الصهيوني دائماً غير عابئ بالقوانين والأنظمة الدولية ولا يتورع عن مخالفتها وانتهاكها تماماً كما ينتهك الحقوق الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، سواء من خلال سياسة بناء المستعمرات الصهيونية أو من خلال ممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني والمتمثلة في القتل والتشريد والتهويد والحصار .