إسرائيل وبعض الحقائق الجديدة- عدلي صادق
كل المعنيين بالسياسة، في المنطقة العربية بأسرها، ومعهم المتخصصون في قضايا الشرق الأوسط، والمتابعون لها على مستوى العالم؛ انشغلوا الليلة الفائتة في التعامل بالتحليل، مع نتائج الانتخابات الإسرائيلية. فقد حميَ وطيس التوقعات، وبدا أن رسم سيناريوهات التشكيل الحكومي الإسرائيلي المقبل، أشبه بمسائل رياضية، تتطلب المزيد والمستحدث من الفرضيات. كل ذلك لأن وضع إسرائيل بات معقداً ومضنياً ومدبباً، بالنسبة للأطراف في داخلها، على أصعدة السياسة والمسائل الاجتماعية الاقتصادية، وإشكاليات الصدام بين العلمانية والدين، والتطرف والاعتدال، والنعرات بين اليهود حسب تنوعهم العرقي، وتدرجات النظر الى الفلسطينيين. كذلك فقد ظلت إسرائيل معضلة كبرى على مسرح السياسة الدولية، مُضنية وعدوانية أو ثقيلة، حتى في نظر من يمالئونها أو يصادقونها، وسبباً في اللا استقرار، وفي تنامي التطرف الأصولي في الشرق الأوسط، بسبب عربدتها واستقوائها المجنون والمغامر، على أمة كبيرة عريقة، مع تجرؤها على الإرادة الدولية، وعلى الأعراف والقانون الدولي والحقائق التاريخية!
* * *
بالطبع، كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية هي صاحبة القدح المُعَلّى في رسم السناريوهات المتوقعة للتشكيل الحكومي. وقد استفاد من تحليلات الإعلام الإسرائيلي، كل الذين أدلوا بدلوهم بكل اللغات، في وسائل الإعلام. وبالطبع، استفاد الساسة الإسرائيليون أنفسهم، لا سيما وأن النتائج وضعتهم في حيرة لم يتوقعوها. فهناك التعادل الذي فاجأ الكثيرين، بين الأشد تطرفاً وعنصرية وصلافة، والأقل في ذلك على هذا المستوى، ومعهم المعارضون تماماً لسياسات اليمين، وللاحتلال، من جمهور القوائم العربية وقوائم القوى الاجتماعية اليسارية الراغبة في سلام متوازن. ومن خلال قراءة السيناريوهات الأولى المتوقعة، التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية مبكراً، عبر مواقعها على شبكة الانترنت؛ يتبدى جلياً، أن تشكيل حكومة بمنطق نتنياهو ـ ليبرمان ولغتهما، بات صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وإن حدث، فسيحمل في أحشائه فيروسيْن قاتلين، أولهما عدم الانسجام بين المتطرفين أنفسهم، باعتبار أن بعضهم متدين والآخر علماني، والثاني أن السياسات التي سيجدون أنفسهم ماضين فيها، بفارق ضيق وضئيل ربما لا يزيد عن مقعدين أو ثلاثة؛ سيكون من شأنه التسبب في المزيد من التقهقر لليمين كله، في الانتخابات المقبلة التي لن يطول انتظارها مثلما نوّهنا قبل أيام في هذه المساحة (الجمعة 18/1/2013).
صحيفة «معاريف» بلغت بها الحيرة أن وضعت سبعة سيناريوهات للتشكيل، وكلها تحتاج الى تغيير مواقف وتعهدات انتخابية وكسر «تابوهات». فإن كان نتنياهو لا يرغب في مغادرة لغته السياسية، فإن بمقدوره أن يأخذ مع «الليكود بيتنا» ثلاث قوائم دينية فضلاً عن «كاديما» ويعود بحكومة ضيقة جداً يؤيدها 63 عضواً من «الكنيست». وسيواجه في هذه الحكومة مصاعب كبيرة في تنفيذ برنامجه الاجتماعي ـ الاقتصادي، وسيحافظ على تردي علاقات إسرائيل الدولية ويفاقمها. أما إن كان يرغب في التزحزح عن لغته، وهذا هو المرجح، لأنه كذوب بطبعه وانتهازي ومفتعل للمواقف؛ فإنه سيذهب الى ائتلاف عريض، لا يضمن معه مواقف جماعة «بيتنا» في ائتلاف «الليكود بيتنا» وعندئذٍ ستتناقص كتلته أو يحذو كل أعضائها حذوه، لا سيما وأن القضاء بدأ ملاحقة ليبرمان كبيرهم الذي علمهم السحر!
المسائل لن تبتعد عن التوقعات الرئيسة، لكن ما عبرت عنه النتائج، يدل على أن قطاعاً واسعاً من الجمهور الإسرائيلي، انسحب من صفوف الواهمين المخدوعين، وأحس بمأزق سياسة نتنياهو على كل صعيد. فلم يتبق لهذا الأخير، سوى القليل من الحماقات مع وجود زعامة بديلة أقوى، لكي يتراجع أكثر فأكثر!
adlishaban@hotmail.com