ملاحقـة أصحـاب الصورة والكلمـة الحــرّة !! تميم معمر -غزة
كثيراً ما اعتقدنا بان الفعل أقوى من الكلمة, في حين يتبيّن كلما ازدادت التجارب ونوعيتها , ازددنا يقيناً بأن الكلمة باتت أقوى من الفعل , بل وأكثر تأثيراً منه حتى في قوة تغييرها في مسار حياة أمم وشعوب .
لم تعد هناك سلطة فوق سلطة القلم الذي تحرر ولا زال من مختلف العقد داحضاً جميع السلطات القمعية التي تحاول تقييد حرية الكلمة والعمل الصحفي واستمرار ملاحقة الصحافيين.
لا مراء بأنه بات واضحاً أن مجرد الحديث عن حرية الرأي والتعبير أصبح أشبه بالحديث عن " الشهوات المحرمة " أو " البعبع الأكبر " الذي سيفكك الأفكار .. كما أنه بات واضحاً بأن كل الطرق والأساليب التي تمارسها أي جهة أو حكومة في قمع وملاحقة الصحافيين وتقييد العمل الصحفي مثلما رأينا في بعض الملاحقات الأخيرة بقطاع غزة والتي آخرها استجواب الأخت الزميلة منال خميس واعتقال الزملاء , هاني الأغا , صلاح أبو صلاح , وزياد عوض , وكذلك الاعتداء على مكتب وكالة سما الإخبارية بمدينة غزة , ليؤكد حقيقة ثابتة هي مدى حالة الهلع والقلق عند البعض من حرية الرأي والتعبير والنقد , في حين لا يمكن لأي صحفي أو صاحب كلمة حرة صادقة أن يحيد عن مهنته وأداء واجبه أو زعزعة الثقة بنفسه , انطلاقاً من الإيمان العميق بأمانة مهنته والمضيّ الصادق في قول الحقيقة بصدق وموضوعية . حرية الرأي والتعبير، حق من حقوق الإنسان المكفول بالأعراف والمواثيق الدولية مثل ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وحق تكفله الدساتير الحديثة ، بل إن الغاية القصوى من كفاح الإنسانية هي امتلاك الحرية بما تعنيه الحرية من قدرة الإنسان على تحقيق الذات البشرية ، عبر سيطرة البشر على حاضرهم ومستقبلهم وعلى ما يدور حولهم في الطبيعة والحياة ، الحرية تعني كسر القيود التي تكبل العقل واللسان والسلوك من أجل التقدم والتطور إلى الأمام ، ضد قوى الظلام ، التي تقيد البشر بقوة في أسفل القاع . فلكل فرد في المجتمع الحق في التعبير عن رأيه ومعتقداته دون تدخّل أي جهة لقمع أو إسكات هذا الرأي بأي حجة من الحجج .
دعونا نحاول أن نتعامل مع عقولنا باحترام على أساس أن عقولنا هذه هي السبب في أننا نعتبر أنفسنا بشراً و لو بيننا و بين أنفسنا على الأقل. فالإنسان كائن عاقل بما يكفيه ليستوعب مجموعة من الأوامر و النواهي مستمدة من "رأي" واحد وحيد يشكل " الحقيقة " الواحدة الوحيدة " التي لا يأتيها الباطل من أمامها و لا من خلفها " .
وعليه يجب أن نعيش يومنا دون قلق أو خوف من التعرّض لحجز أو ضرب أو يقام علينا قيود أو توقيف .. وإلا فهناك موقفين لا ثالث لهما , إما أن تعترف بحرية غيرك في الرأي علناً .. وإما القمع والاستبداد علناً دون خجل أو من خلف ستار ! وفي المقابل يتوجب على أصحاب الرأي خيارين لا ثالث لهما , إما الرضوخ أو الاستمرار .. قانون الحياة يؤكد أنه لا يمكن لأعداء حرية الرأي إطفاء مصابيح الحرية ، وحتماً فإن النور لابد أن يغمر الحياة بالبهجة والأمان . فلولا حرية التعبير، والاحتجاج ، والتظاهر ، ولولا النقد لما كان العصر الحديث ، حق التعبير تم انتزاعه بالقوة في سياق بناء مجتمع جديد ، في مواجهة أنواع التخلف والقيود .
فحرية الرأي و التعبير ترافق كل بناء جديد وفق الصالح العام بما يخدم جميع أفراد المجتمع ، في سبيل صون حرية الأفراد والجماعات المختلفة ، حتى لا يتم الانتقاص من حرية الأفراد وليس وفق منظور مصالح فئوية خاصة . برأيي المتواضع أن استخدام حرية الرأي و التعبير مقياس أساسي للدرجة التي يصل إليها كل مجتمع في سلم التحول الديمقراطي ومحرك أساسي نحو التغيير .. وكذلك مقاساً للشكل الديمقراطي الخاص التي تتبعه أي حكومة ، فمن حيث المبدأ لا مجال لوجود ديمقراطية ، من دون حرية التعبير، لكننا للأسف نراها في بعض المجتمعات مجرد شعارات أو حبراً على ورق أو وفق " حرية مقيّدة ومشروطة ..! " لا تعكس حقيقة الواقع .. وستبقى أي محاولات لتحجيم وتقييد حرية الرأي كمن يحاول حجب شعاع الشمس بالغربال , فالحرية تعني قوة المجتمعات وتماسكها وفق قانون طبيعي تؤكده وقائع هذا الزمان وإلّا سنبقى هاربين من نور الحرية التي هي أساس في بناء كل المجتمعات وازدهارها وقوتها .