حكم غير قابل للطعن على المتهمين أدناه- رائد حامد السلوادي
انتهاك يتلوه انتهاك.. بحق اللغة العربية، والمُنتهِك هم من حقُّهم أن يحكُموا إذا حكموا بالعدل، وأن يدافعوا عن ذوي الحقوق، المحاكمُ بقضاتها وكُتّابها وأقلامها والمحامون أصحاب الأرواب السوداء... يتمسكون بقوانينَ وضعية حديثة، ويتراخون أمام قوانين اللغة، تجدُهم يحفظون المواد والقوانين وسنة إصدارها، لكنَّهم يعجزون عن التفريق بين موضع نصب ورفع، فيرفعون مجرورًا وينصبون مجرورًا آخر، وبعملهم هذا يجروننا واللغةَ إلى هاوية،،، ويَنصبون مرفوعًا فينصبّ عليهم لومنا وعتابنا.. وكلّنا أملٌ بأن تتسع صدورهم لنقدنا، وتتفتح أذهانهم لقولنا هذا، فمحاكمنا بنوعيها النظاميةِ والشرعية نصوص أحكامها ودعاواها مثقلةٌ بالأخطاء اللغوية: نحويًّا وصرفيًّا وإملائيًّا، وإليكم بعضًا منها، تاركًا لكم الحكم، تقرأ في نصوصهم: «وهم من ورثة المتوفي فلان...»، أفلا يعلمون أنَّ المتوفي هو الله جلَّ جلاله، وأنَّ (المتوفى) هم البشر أجمعون، ويكتبون: «لذى اقتضى التنويه...»، فـ(لذى) هذه حقها يا أصحاب الحقوق أن تكتب (لذا) فتدبروها، ومن أخطائهم العويصة أن نصوصهم المكتوبة تهمل إرجاع الضمير إلى صاحبه الأصلي، ويكون النص هنا فيه خلل في اللفظ والمعنى، ما يجعلنا نشكك فيما يكتبون أو يحكمون، فنقرأ لهم: «إلى المتهمين فلان، وفلان، وعلان، وعلانة...» فيعدد أربعة أو خمسة يزيد أو ينقص، ولكنّه بعد سطرين أو أقل يفاجئُك بضمير الاثنين أو المفرد «عليكما أن تدفعا...، أو عليك أن تراجع...»، أو يكتب: «إلى المتهمين فلان بن علان...»، ولا تجد في النص كلِّه إلا متهمًا واحدًا، فتضربك الحيرة قبلاً وبعدًا بحثًا عن متهم ثان و/أو ثالث فتفشل؛ لأنّ كاتب النص الرسمي هذا يجهل إحالة الضمائر إلى أصحابها ويعجز أمام المثنى والجمع.
ومن أخطائهم النحويّة التي تقتلك قبل أن تقتل اللغة التي داخلك، كتابتُهم: «كمتهمان فارّان»، وطلاب الصفين الخامس أو السادس الأساسيين يدرسون أنّ (الكاف) حرف جرّ، فحقُّها أن تكون (كمتهمين فارّين)، أو أن يكتبوا: «تعدان فاران»، فالأصل فيمن يستخدم الفعل (تعدان) أن يعلم أنّه سينصب مفعوليه و(فارّين) هو المفعول الثاني، ويكتبون جاهلين أو متغافلين: «لم تقوم، ولن تقم»، لا يا قضاتنا ومحامينا وكتابنا، نقول: (لم تقم، ولن تقوم). ويخاطبون المؤنث في قولهم: «إذا لم تبد أو تحضر إلى المحكمة...»، وهذا خطأ غليظ، فالفعلان (لم تبد ولم تحضر) وأشباههما إذا خاطبت بهما جنس حواء بعد (لم) تحذف النون وتبقي الياء فأصل الفعلين (تبدين، وتحضرين) وعند جزمهما يصبحان (لم تبدي ولم تحضري)، أما من دون ياء (لم تبد ولم تحضر) فيكون الحديث لابن آدم. وهذا غيض من فيض، وإذا شئتم أزودكم بأمهات أخطائهم، فعوا وتبصروا.
إذًا، الأمر بحاجة إلى روية وتأن، وبعض الدراسة لا تنقص من صاحبها، بخاصة أننا نتحدث عن أساسيات في اللغة لا خلافات عليها ولا فيها، وهي نصوص رسمية صادرة عن مؤسسات ذات اعتبار واحترام في المجتمع؛ لذا (طبعًا بالألف القائمة)، حكمتُ أنا كاتب هذا المقال على المتهمين المذكورين أعلاه بتصويب لغتهم ومراجعتها أو الالتحاق بدورات في قواعد اللغة، حكمًا غير قابل للطعن أو الاستئناف، ويعفى من ذلك من يُثبِت خلاف ما ادعيت. اللهُ وسلامة لغتي الحبيبة وسمعة دوائرنا من وراء القصد. وإلى محكمة أخرى.