السيد الرئيس فلتذهب الى ابغض الحلال- احسان الجمل
نريد ان نفهم، حتى لا نصنف في خانة المتشائمين، هل صحيح نحن على ابواب مصالحة وطنية تنهي الانقسام البغيض، ام ندير ازمة، وندور زواياها، دون البحث الجاد عن حلها، ام ان البعض يستهبلنا ويستغفلنا بشعارات مقتولة سلفا في تفاصيل نواياه.
كما تطلع الشمس في يوم ممطر، فنعتقد ان الصيف قد اتى، ونخرج دون مظلات تحمينا، هكذا هي المصالحة، فكرة خادعة كشمس المطر، نفرح بها، وسرعان ما تتلاشى الاماني، بين رعد وبرق التصريحات، والمواقف من هنا وهناك، حتى تعيد حمى الانقسام الى افكارنا، وحياتنا، فيعود التشاؤم فارضا سيطرته علينا، بفعل احتيالهم، وليس من حبنا للتشاؤم. ونحن البائسين ننظر دائما من فسحة الامل منارا للحياة.
كل الشعب رفع شعار انهاء الانقسام، فليس احد بحاجة الى استفتاء على هذا الموضوع، وكل الشعب متضرر من هذا الانقسام، وليس من المعقول ان يبقى ينغص حياة الشعب. الذي يدفع يوميا ثمن هذا الانقسام، حتى في الارواح، وما يجري في غزة من اهمال ثمنه ضحايا، وما يحصل في الضفة ايضا من توغلات واعتقالات، او محاولات اشاعة الفوضى، ما كانت لتحصل بهذه النسبة لولا عامل الانقسام.
لا يمر يوم إلا ونسمع تصريحات ايجابية عن قرب المصالحة، نستبشر بها خيرا، وفي خط مواز تخرج تصريحات مضادة، تتضمن تفاصيل شيطانية تقتل فرحتنا، وهذا يعني ان لا مصالحة جدية ممكن ان تتحق في ظل هذه الاجواء التي تزداد شحنا عبر ممارسات خاطئة، كما حصل مع الزملاء الاعلاميين في غزة، واعتقال فصائلي.
رغم ان الجهود الاساسية مرهونة بفصيلين اساسيين، هما حركتي فتح وحماس، وهذا ما يسهل المهمة، إلا ان الارادة غير متوفرة لدى حركة حماس لظروف ذاتية وموضوعية تخصها. بدء من التصريحات المتناقضة لقيادتها حول المصالحة، ولا نعرف ذلك هو انعكاس ازمة، ام توزيع ادوار؟؟ او للدور الجديد الذي تطمح له حماس في اطار المتغيرات في العالم العربي وتغير الخارطة فيه نحو قيادة ما يسمى بالاسلام المعتدل للمنطقة، بأشراف امريكي ودعم من اتباعها في المنطقة.
لم يعد الاختباء وراء الاصبع سياسة ناجعة، ولو صفيت النوايا، وهناك ادراك ان القيادة الشرعية مصرة، ولا تريد اعادة يدها الممدودة الى الخلف، لان المصالحة هي صلب مشروعها الوطني، وركن من اركان الاستراتيجية للاستحقاقات المقبلة.
ولكن!! المصالحة بين طرفين، ما مدى جهوزية الطرف الاخر، والارادة الصادقة، وحسن النوايا؟؟ تلك اسئلة لا يمكن الهروب منها، ولا تحويلها الى العواطف بعيدا عن الوقائع.
الوقائع تقول ان كل من الطرفين لديه مشروعه الخاص، ولا قواسم مشتركة بينهما، وكل طرف اصبح في محور سواء اعترف ام لم يعترف بذلك، هناك انقلاب في الصورة، فالقيادة الشرعية التي تملك مشروع تحرر وطني، هدفه الخلاص من الاحتلال، وانجاز الاستقلال، وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. اما الطرف الاخر، والذي لا يملك مشروعا فلسطينيا مستقلا، مهما زينه بشعارات فلسطينية، وهو يأتي في سياق مشروع امة لا ترى في قضية فلسطين سوى وقفا اسلاميا، لا يحتل الاولوية في اجندتها، وتسعى الى الامساك في السلطة خدمة لمشروع الامة وليس الوطن.
كان الشعار المركزي لاصحاب مشروع الامة هو التخوين والتكفير للطرف الاخر، على خلفية العلاقة التفاوضية مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل. اليوم نرى ان اصحاب المشروع الوطني هم اكثر صلابة في مواجهة المشروع الامريكي – الاحتلالي الاسرائيلي، في وقت يرسل اصحاب مشروع الامة رسائل متعددة الاتجاهات سواء للامريكيين او الاحتلال الاسرائيلي، سواء سرا، او عبر وسطاء اقليميين.
لم يعد مبرر لوجود الخجل السياسي والدبلوماسي للقيادة الشرعية، طالما هي في دائرة الاستهداف، يحتم الواجب عليها ان تنفض ريشها وتدافع عن نفسها، وبقوة وشراسة. فالسياسة المصرية اصبحت البوابة والعراب لتكريس الامر الواقع الذي تقول عنه حماس ( هناك واقع سياسي في قطاع غزة ورئيس للوزراء اسمه اسماعيل هنية، وهناك حكومة فلسطينية هي التي تدير الاوضاع في قطاع غزة وهذا الامر لا يمكن تجاهله، كما لا يمكن لأي دولة عربية ان تتجاهله فضلاً عن الحجم الذي تمثله حماس في الارض الفلسطينية '). وبناء عللى ذلك رتبت زيارات لاطراف في هذا الاصطفاف الى غزة دون المرور عبر البوابة الشرعية التي تفرضها البروتوكولات الدبلوماسية، مع تجاهل كلي للشرعية، يضاف اليها المشاركة في الحصار المالي والسياسي عليها.
هذا ليس رغبة لدى هذه الاطراف، انما دورا رسم بعناية لزيادة الضغط على الشرعية المتمسكة بموقفها دفاعا عن الثوابت الفلسطينية، حتى تعود الى مفاوضات عبثية دون مرجعية او سقف زمني. في وقت يطرح الاخر نفسه بديلا للتفاوض باطار مشاريع ديموغاجية، كمثل نحن لن نعترف بالعدو، ومستعدون للهدنة. وكأن الناس لا تدرك ان اي تفاوض لا يكون إلا مع العدو. سواء مباشر او غير مباشر.
اذا اين يأتي موقع المصالحة في ظل هذا التناقض؟، او بالاحرى الصراع بين مشروعين لكل منهما اهدافه واجندته، حتى ان اكثر القادة تفاؤلا عضو اللجنة المركزية لحكرة فتح عزام الاحمد المسؤول عن ملف المصالحة ابدى مخاوفه وقلقه بقوله (" كان هناك اجتماع ، وكان سلسا للغاية، لكن اجتماعا عقد في السابع عشر من الشهر يناير، وكان مقرر أن ينتهي في 10 دقائق، لكنه استمر نحو 6 ساعات، وأصبحت قلقا حينها".) وتابع" (سمعت تصريحات متضاربة قبل فترة من حركة حماس، حول اختيار رئيس الوزراء، فبقيت متخوفا من داخل كل شخص، لكن آمل بشيء جيد وهو إنهاء الانقسام").
هذه الدوامة تذكرنا بسياسة الاحتلال الاسرائيلي والمفاوضات معه، وشعار المواعيد الغير مقدسة. وقد نستهلك في مباحثات المصالحة اكثر ما استهلكنا في المفاوضات.
لماذا؟، اولا حماس طرف غير مهيأ للتنازل عن المكتسبات الخاصة، والعودة الى كنف الشرعية، ثانيا كنا نقول ان مصر بوابة الحل وسوريا مفتاحها، يعني ان لا مصالحة بغياب الباب و المفتاح لان ما فيهما من مشاكل لا يسعفهما في لعب اي دور مرجعي، ناهيك عن الانحياز المصري الى حماس لانهما الاثنان تحت مظلة الاخوان. سوريا في المقلب الاخر.
التحرك الحمساوي للتسويق لفكرهم، وما جرى في لقاء الملك عبدالله في الاردن اخيرا يستحق القراءة بتمعن، عن الرسالة الموجهة الى اوباما، وعن الحديث عن الكنفدرالية. للعب دور الوكيل الى حين ان يصبح الاصيل، ولا يمكن استبعاد تحويل فلسطين الى فرع اسلامي من فروع الشجرة التي تمتد في المنطقة، وبذلك تذوب القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، في ظل صفقات تكون السلطة ثمنها، ويراهن البعض من اعادة التجربة حين صعود الفكر الناصري والقومي، والامساك بيد الرئيس عرفات ورفاقه ومساعدتهم كقيادة للشعب الفلسطيني، على ان يمسك اليوم الاخوان يد مشعل الى سدة الحكم، ولكن شتان ما بين وبين، من قائد كان يقود ويضحي لاجل شعبه، وبين من يريد ان يكون حاكم ويضحي بقضية شعبه.
من هنا تدل المؤشرات، على عدم نجاح المصالحة رغم كل الارادة والصدق عند الرئيس عباس، والاصرار والعزيمة، لذلك عليه ان لا يضيع الوقت، ويذهب الى ابغض الحلال، وهو الطلاق ممن خرجوا عن المشروع الوطني وانقلبوا عليه، او زواج الخطيفة بمعنى ان نقوم بكل الترتيبات التي تنتج انتخابات شاملة تحدد فيها اتجاهات وخيارات الشعب