عدنية شبلي تسائل الفن الفلسطيني الجديد
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
عبر الـ «فيديو كونفرنس»، حاورت الروائية المعروفة 15 فناناً فلسطينياً لتخرج بكتاب «حراك» الذي يعكس تجربة هؤلاء وعلاقتهم بالمكان والمنفى والاحتلال ونظرة «الأجنبي» إلى هذا الفن بوصفه بضاعة سياسية
مصطفى مصطفى
في «المدينة الدولية للفنون» في باريس، مرَّ 15 فنّاناً فلسطينياً بين 1999 و2009 ضمن الإقامة السنوية التي تمنحها المدينة لفنّانين من العالم. هذه المحطة الباريسية في مسار الفن الفلسطيني، ذات تأثير في إنتاجه وأدواته، هو الذي قيّد الاحتلال الإسرائيلي حركته، وجعله غريباً عن المكان الذي يعيش فيه بالحواجز والجدران والأوامر العسكرية، وعملية التغريب لم تتوقف منذ النكبة.
من هذه الفكرة، تنطلق عدنية شبلي في «حَراك» (القنصلية الفرنسية العامة في القدس، و«مؤسسة التعاون»، و«مؤسسة عبد المحسن القطّان»، ووزارة الثقافة الفلسطينية). العمل الذي حرّرته الروائية الفلسطينية حاورت فيه عبر الـ «فيديو كونفرنس» 15 فنّاناً من فلسطين المحتلة والمنفى والشتات، أقاموا في «مدينة الفنون».
الترحال والغربة والمكان هي محاور الكتاب (صادر بالعربية والفرنسية) الذي يضمّ حوارات تعكس تجربة جيل جديد من الفنّانين الفلسطينيين مع الفضاء المكاني والاحتلال ونظرة «الأجنبي» إلى الفن الفلسطيني بوصفه بضاعة سياسية. إلى جانب هذه الحوارات، يعكس الكتاب تنوّع أعمال الفنّانين من نحت ورسم إلى تصوير وتجهيز. التشكيلي المقيم في باريس هاني زعرب (1976) الذي قد تلخّص تجربته الفنية والحياتية تجربة الجيل جديد من الفنانين الفلسطينيين: «كان لمكان ولادتي في مخيم رفح للاجئين في غزة وإنهاء دراستي الثانوية هناك، تأثير كبير في حياتي. كبرت وترعرعت خلال الانتفاضة الأولى، حيث كانت وسائل التعبير المتاحة مختلفة عن تلك المتوافرة لأي طفل يهوى الرسم، ووُلِد في مكان آخر غير غزة. وقتها، كانت لوحتي هي الحائط ومجلات الحائط في المدارس والمساجد خلال المناسبات الوطنية وأيام التصعيد والمواجهات، وأدواتي لم تكن سوى قلم رصاص، وألوان الشمع الرديئة التي كانوا يوزعونها في وكالة الغوث للاجئين». لم يُفكر هاني في الرسم على القماش والورق المقوى واستخدام الألوان الزيتية قبل ذهابه إلى نابلس للدراسة في كلية الفنون الجميلة، حيث «جرى لقائي الأول مع مواد الرسم «الطبيعية» كقماشة اللوحة المشدود، وألوان الزيت والأكريليك... لكنني اصطدمت بصعوبة العمل على لوحات كبيرة والمشاركة فيها في معارض داخل فلسطين وخارجها بسبب صعوبة حركة التنقل داخل فلسطين والشحن خارجها التي اختفت بسفري إلى باريس عام 2006، وهو المفصل الكبير التالي في حياتي كفنان. أذكر أنّه في المرة الأولى التي دخلت فيها محلاً لبيع الأدوات الفنية في باريس، لم أشترِ شيئاً، لكثرة الأشياء التي لم أعرف ما هي وكيف تستخدم». وعن كيفية تلقي الجمهور الأجنبي للفن الفلسطيني، يطرح شادي الزقزوق (1981) المولود في بنغازي، قضية التعامل مع هذا الفن بوصفه «بضاعة سياسية». يقول: «في معرضي الأول «مجرد حلم» الذي أقمته في «سيتي- دي- زار»، قدمت ما اعتبره الآن أفكاراً بسيطة حول مفهوم الحرية في ما يخص غزة، مع إشارات إلى الحب والسلام والعصافير وبعض الحمير. الجمهور أحبّ الأعمال، وبيعت جميعها. عندها بدأت تساؤلاتي، هل أكون فناناً جيداً كون المعرض بيع بأكمله؟ مع الوقت أدركت أن الذين كانوا مهتمين بفني ويشاهدونه هم من المتضامنين مع القضية الفلسطينية».
لكن يبدو أنّ الفن الفلسطيني بوصفه «بضاعة سياسة» يشد أيضاً الفنّانين الأجانب ليس في باريس فقط، بل في رام الله. يحكي مجد عبد الحميد (1988) قصته في «الأكاديمية الدولية للفنون» في رام الله حيث درس سنتين: «انتبهت إلى الكمّ الهائل من الفنّانين الأجانب الذين يحضرون للعمل مع الطلاب في الأكاديمية، والهدف هو كوننا فلسطينيين. لا أحد من هؤلاء المدرسين انتقد أعمالي بناء على شكلها ومضمونها البصري؛ كانوا متساهلين كوني طالباً فلسطينياً. بدأت أفهم هذا عندما وصلت إلى باريس، وكان، بالطبع، إنتاجي صفراً».
________________________________________
العودة المستحيلة
الأوامر العسكرية الإسرائيلية كانت سبباً في اعتذار هاني زعرب عن عدم قبول منحة «المدينة الدولية للفنون» في باريس مرتين قبل عام 2006، وكذلك سبباً في بقائه في باريس. اعتذاره كان «لأنّ رجوعي إلى رام الله حيث أُقيم كان مرفوضاً من السلطات الإسرائيلية التي كانت توجه العائدين (الغزييّن) حسب عنوانهم المسجل في بطاقات هوايتهم، لا حسب مكان إقامتهم». وبعد سماح «إسرائيل» للمواطنين «مواليد غزة المقيمين في الضفة بالسفر والرجوع ثانية حيث يسكنون»، سافر إلى باريس، وأثناء إقامته هناك «أُلغي هذا القرار، ولم أعد قادراً على الرجوع إلى رام الله، ولا إلى غزة التي أُغلقت معابرها» يضيف هاني.