مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

ماذا لو هُزم السوريون!- ميشيل كيلو


تمر الثورة السورية بواحدة من اللحظات المفصلية الفائقة الأهمية بالنسبة إلى مصيرها ومصير شعب سوريا، الذي سيتعرض لحملات قتل وقمع لا شك في أنها ستشطب ملايين كثيرة منه، إن فشلت ثورته. وقد سبق لقادة الحرب في سوريا من نساء ورجال العائلة الأسدية أن هددوا بإعادة الشعب إلى ما كان عليه حين استولى الأسد الأب على السلطة، أي إلى ستة أو سبعة ملايين نسمة. أنا لا أشك شخصيا في أن هذا سيحدث، إذا لم أتجاهل ما يفعله النظام بشعب سوريا باسم حمايته، وهو مريع إلى أبعد الحدود حتى بالمقارنة مع ما فعلته النازية في أوروبا، وقام به ستالين في روسيا، والأميركيون في فيتنام، والفرنسيون في الجزائر، والإنجليز في كينيا.
هذا ما سيقع على المستوى الداخلي السوري. أما على المستوى العربي فإن النظام سيستغل انهيار النظام العربي داخل الجامعة العربية وخارجها، وحدوث مرحلة انتقال مجهولة النتائج لا يدري أحد بعد إلى أين ستقود، كي «يشبح» في المنطقة بأسرها، ويتعامل مع الدول العربية بالمعايير التي عامل من خلالها شعبه في الداخل، وتنبع من أساسين رئيسيين: جعل رغبته الانتقامية المنفلتة من عقالها القانون الوحيد الملزم له، حين سيطلق عنفه ضد جيرانه إلى آخر مدى ممكن، وسيعمل سيوف إجرامه في أعناقهم بمعونة إيران، التي ستقاسمه الانتصار بعد أن قاسمته أعباء وتكاليف الحرب، وصولا إلى بيئة استراتيجية جديدة تفرض على المنطقة سيتمخض عنها نظام إقليمي جديد يلغي تماما ما تبقى من النظام العربي، وسيحل محله نظام فارسي / أسدي لن يقبل بأقل من إدارة المنطقة ووضع يده على جزء رئيسي من ثرواتها وأموالها وخياراتها العامة، بعد تحويلها إلى توابع تدور في فلكه، تحكم بما يحكم به السوريون: العنف الأعمى وشرعة القتل المفتوح ضد كل من لا ينتمي إلى مافيا محدودة العدد، تحملها قاعدة أمنية / تشبيحية تكره البشر وتنكر حقهم في الوجود. بكلام آخر: لن تبقى أية دولة من دول المنطقة على ما هي عليه اليوم، إن هُزم شعب سوريا. ولن تبقى المنطقة ذاتها على ما نراه حاليا، ومن هدد بجعل دمشق وسوريا ركاما قبل تركه السلطة، وهما جزء مما يفترض أنه وطنه، لن يرحم غيرهما من مدن الجوار العربي أو التركي، وسيطلق يد قتلته المحترفين فيها، انطلاقا من المبدأ الذي يطبقه في كل مكان من «وطنه»: استباحة الدم وأخذ الشعب وممتلكاته غنيمة.
لن يبقى وضع العالم في علاقته مع منطقتنا على حاله، فهو سيكون مهزوما في نظر المنتصر الإيراني / الأسدي، وسيعامل كمهزوم. حتى لا يظن أحد أنني أبالغ: تصوروا أن يشجع انتصار بشار الأسد قيام حكومة مماثلة لحكومته في اليمن وموزامبيق أو الصومال على سبيل المثال، وأن تضغط إيران على الخليج وتتلاعب بمضيق هرمز وممرات النفط، ماذا سيبقى عندئذ من التجارة الدولية وطرقها؟ ومن سيضمن البحار المفتوحة والدروب المائية السالكة؟ وفي أية حرب بلا نهاية سيجد العالم نفسه متورطا قبل أن يستعيد وضعه الطبيعي ويزيل التهديد عنه، في حال انتقل النظام المنتصر من الإرهاب الداخلي إلى الإرهاب الخارجي؟ علما بأنه يمتلك أضعاف طاقات وأموال بن لادن، ولديه قدرة على التخطيط والتنفيذ ليست قدرات مؤسس «القاعدة» غير لعب أطفال بالمقارنة معها.
لن يبقى شيء على حاله في أي مكان من عالمنا، إذا ما هُزم الشعب السوري أو فشل في التخلص من نظامه وفي إقامة بديل ديمقراطي سيكون بالقطع والحتم مصلحة استراتيجية عليا للسوريين كما للعرب والعالم. وإذا كان الصراع السوري قد أطلق صراعا دوليا متشعبا على وطننا يذكر بصراعات القوتين الاستعماريتين الفرنسية والبريطانية على المستعمرات والمراكز الاستراتيجية الحاكمة، وكان قد بين كم هي متشابكة ومتضاربة مصالح الكبار عندنا، وكم يصعب فك خيوطها والتحكم فيها، فإن نهاية الصراع لن تبقى سورية بأية حال وفي أي مجال، وستصير عربية وإقليمية ودولية بكل مقياس ومعيار، ولن ينشأ في أعقابها نظام دولي جديد كما يقال غالبا، بل سيقوم نظام مافياوي كوني لا سيطرة للشرعية الدولية عليه، سيحتل قلب العالم الاستراتيجي ويمتد منه إلى بقية أرجائه، ليجعل منها مكانا لعملياته التخريبية، بعد أن يتدثر بأردية مذهبية ذات طاقات تعبوية وتضليلية مؤثرة، تستطيع تحويل من يؤمنون بها إلى قنابل متفجرة صالحة للاستخدام في أي وقت وأي مكان ولأي سبب.
يتفرج العالم على السوريين اليوم وكأنه يستمتع بموتهم. أي خيار يبقى لدى السوريين، أو لدى من سيتبقى منهم بعد المجزرة التطهيرية الكبرى الدائرة تحت سمع وبصر عالم لا يسمع ولا يبصر، غير أن يتفرجوا على موت العالم باستمتاع من يتلذذ بمآسيه؟ ليس لأنهم يريدون معاقبته، فهم سيكونون أشد ضعفا من أن يعاقبوا أحدا، بل لأنه تركهم يموتون دون أن يفهم أبعاد وحقائق ما يجري، ويدرك أن ثورتهم إنقاذية بالنسبة إليه أيضا، وأنه طرف فيها شاء ذلك أم أباه، وأن هزيمة الحرية قد لا تنهي الصراع، لكنها ستكون بالتأكيد بداية انتقاله بكل ما فيه من عنف وجنون إلى بلدانهم ومصالحهم ومواطنيهم.

 

za

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024