رسائل : " العقل الحديدي والسجلات السرية " .. بقلم د.مازن صافي
لقد بلغ العدوان الإسرائيلي أبشع مراحله خلال مجازر مخيمي "صبرا" و " شاتيلا " في بيروت قبل ثلاثين عاما .. لقد كانت هناك اتفاقية تمت بواسطة فيليب حبيب وبناء عليه تم إجلاء قوات وكوادر وقيادات م.ت.ف ، وفي المقابل تراجع إسرائيل موقفها وتصغي إلى الاستهجان العالمي لأعمالها ، وتمتثل لمطالبه العادلة ، لكن مجلس الوزراء الإسرائيلي وبالإجماع رفض مشروع " ريجان " للسلام يوم 2 سبتمبر .. وردت إسرائيل بتشييد ثماني مستوطنات غير شرعية على الأرض العربية المحتلة .. وفي 6/9 سلمت لجنتي مخيمي " صبرا ، شاتيلا " جميع الأسلحة المتبقية في المخيمين للجيش اللبناني .
تركت القوات الأمريكية والايطالية بيروت يومي 10،11 سبتمبر على التوالي وإثر ذلك قرر بيجين وشارون – وذلك دون استشارة باقي الوزراء – تنفيذ عملية " العقل الحديدي" والتي كانت تعني القضاء على من تبقى في بيروت من الفدائيين الفلسطينيين .
وفي الساعة الثانية صباحا يوم 15 سبتمبر بدأت عملية اقتحام المخيمات وبدأ تنفيذ المؤامرة .. وكانت المجزرة التي روعت العالم وفي اليوم التالي أذاعت تل أبيب أن " جيش الدفاع الإسرائيلي يسيطر على جميع المناطق الاستيراتيجية في بيروت ، وأنه تم حصار وعزل المخيمات التي تحوي التجمعات الإرهابية" .
وفي رواية الضابط الإسرائيلي " أوعلول " أنه سمع القائد الكتائبي إيلي حبيقه يقول لأحد مرؤوسيه من الجنود خلال اللاسلكي – ردا على سؤال الأخير له عن كيف يتعامل مع وجود عدد كبير من النساء والأطفال في المخين – " أحذرك من أن تلقي عليَّ بمثل هذا السؤال مرة أخرى . فأنت تعرف تماما ماذا يجب عليك أن تفعل بهم" . وقد فهم الضابط الإسرائيلي من خلال ما سمعه بأن القادة الكتائبيين لم يغضوا النظر عن قتل الأطفال والنساء فحسب ، وبل أمروا بذلك القتل .
وفي النهاية لم تثمر عملية " العقل الحديدي " لأن رجال الثورة لم يكونوا في المواقع التي اجتاحتها القوات الإسرائيلية المعادية وإنما كانت تمهيدا للمجازر الرهيبة والمروعة والإرهابية التي كانت بمؤامرة كل من أراد أن ينهي الوجود الفلسطيني في لبنان والقضاء على الثورة الفلسطينية .
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو ما تم نشره في الإعلام حول سجلات سرية لجلسات الحكومة الإسرائيلية التي كانت في فترة الحرب على لبنان ومجازر المخيمات ، سمحت إسرائيل بنشرها الخميس 21 شباط 2013 بعد مضي 30 عاما، وورد في السجلات السرية أن وزير الحرب في حينه أريئيل شارون، أبدى تخوفا من أن تتهم إسرائيل بجريمة "إبادة شعب" إذا ما اعترفت الحكومة الإسرائيلية بمعرفة مسئوليها المسبقة بخطر وقوع مذبحة في مخيمي وشاتيلا، وقد رفض شارون على هذا الأساس الاستقالة من منصبه تنفيذا لتوصيات لجنة التحقيق الإسرائيلية الخاصة بمجزرة صبرا وشاتيلا المسماة بلجنة "كاهان"، ودعا وزراء الحكومة الإسرائيلية الى عدم تبني توصيات اللجنة، لأن ذلك سيقود إلى اتهام إسرائيل حسب القانون الإسرائيلي والدولي بتنفيذ جرائم إبادة جماعية أو ما يعرف بـ"جريمة إبادة شعب"، ويذكر ان اللجنة قررت ان خطر وقوع مذبحة ليس انه كان قائما فقط، بل كان معروفا للمسئولين الاسرئيليين وتم تجاهله، ما اجبر شارون على الاستقالة آنذاك، غير انه أعلن بعد ذلك ما أطلق عليه "مانيفستو شارون النازي" الذي ألقى فيه الضوء على جذور المذبحة والنوايا الصهيونية المبيتة لاقترافها.. وقد تحدث شارون بمنتهى الوضوح عن أدبيات المجزرة التي اسماها "المهمات القذرة" ، وأعرب عن رغبته في أن يطبق على الفلسطينيين ما فعله هتلر باليهود خلال الحرب العالمية الثانية ويأسف لان ذلك لم يحصل عام 1948 ..
وهنا نعود إلى " إيلي حبيقة " و " شارون " ونقول أنهما نفذا المؤامرة والمجازر على أساس : " أن المذابح التي ترتكب ضد السكان المدنيين الفلسطينيين والعرب طبيعية ".. جنود إيلي حبيقة كانوا يرددون " إنهم انتظروا هذا اليوم سنوات طويلة مضت وأنهم سوف يثارون لمقتل قائدهم الرئيس اللبناني " بشير الجميل " الذي قتل إثر تفجير قنبلة ... وجيش الاحتلال يقتل والرأي العام الإسرائيلي مقتنع أن قتل الفلسطينيين هو حاجة طبيعية لأجل وجودهم وبالتالي أصبح كل شيء مسموح .. القتل والتدمير والمجازر ونازية الفعل الإرهابي كان في نظر المنفذين انتصارا لا بد من تحقيقه .. فموت الفلسطيني بنظرهم حياة لهم ..؟! .
وما ورد في السجلات السرية إفصاح شارون عن نواياه الإجرامية الشريرة ضد الشعب الفلسطيني قائلاً: "اليوم.. أنا مستعد أيضاً لأجل الشعب اليهودي بأن أتكفل بتنفيذ العمل القذر، بإقتراف مجازر عربية حسب الحاجة، بأن أطرد، أحرق وأنفي كل ما يجب لجعلنا مكروهين، مستعد لأن ألهب الأرض تحت أقدام "يديش الدياسبورا" إلى أن يضطروا إلى الإسراع إلى هنا وهم يعوون، حتى ولو اضطرني الأمر إلى نسف بعض الكنس اليهودية، سيكون ذلك سيان، ولن يهمني الأمر أيضاً إذا قمتم، بعد خمس دقائق من إنجازي العمل القذر، من تحقيقي الهدف ووضع كل شيء في مكانه، إذا ما قمتم بمحاكمتي على نمط نورنبرغ.. إذا ما حكمتم علي بالسجن المؤبد، إذا ما شنقتموني بتهمة جرائم حرب، إذا ما كان ذلك يعجبكم. بعدها ستغسلون ضمائركم الجميلة بعناية بالماء المعقم وتصبحون جملاء بما يكفي، كباراً وأصحاء بما يكفي للانتساب إلى نادي الشعوب الحضارية، لا تترددوا، دعوني أتكفل بهذا العمل القذر، صفوني بكل الصفات التي تخطر ببالكم، فما لا تستطيعون أن تفهموه هو أن العمل القذر للصهيونية لم يكتمل عام 1948، وبسبب خطئكم أنتم".
الجرائم الإسرائيلية ضد الوجود الفلسطيني لم تنتهي .. والعداء التاريخي ضد رجالات الثورة لم ينتهي .. وعقلية نفي وقتل الفلسطيني لازالت تسكن العقلية الاحتلالية .. ولم تتوقف الألة الحربية الإسرائيلية عن تنفيذ أفكار هذه العقلية ولا تمض فترة حتى تنفذ إسرائيل مجزرة جديدة وجرائم ضد الإنسانية .. لم تكن صبرا وشاتيلا البداية .. بل كان استمرارا للجرائم التي اقترفت ضد أجدادنا وأهلنا في بدايات تمكين المستعمر البريطاني للعصابات الصهيونية لاحتلال الأرض وسرقتها وقتل السكان العرب الفلسطينيون ..
ونحن على يقين أن فتح المزيد من السجلات السرية الإسرائيلية سوف يكشف مدى فظاعة العقلية الاحتلالية في ممارسة القتل والتدمير والنفي والاعتقال ضد الوجود والهوية الفلسطينية .
ملاحظة : وزير الخارجية الكندي جون بايرد هدد أمس الثلاثاء 5/3/2013 خلال خطاب أمام أعضاء اللوبي المؤيد للاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة، بوقف المساعدات التي تقدمها بلاده للسلطة الفلسطينية في حال توجهت إلى المحكمة الدولية في لاهاي لمحاسبة "إسرائيل".