قضية الإبعاد.. نقاش هادىء وضروري- راسم عبيدات - القدس
امس تم إطلاق سراح بطل من أبطال ملحمة الأمعاء الخاوية،الأسير أيمن الشراونه، ورغم كل الفرحة بتحرر الشراونه، والإعتزاز والإفتخار بنضالاته وتضحياته وصموده الأسطوري،إلا أن إبعاده الى قطاع غزة،يحمل الكثير من التداعيات التي نحتاج الى التوقف امامها بشكل معمق ومسؤول، وفي مقالة سابقة لي أغضبت من قاموا وأشرفوا على صفقة الوفاء للأسرى،أشرت فيها إلى أنه على الرغم من الإنجاز والإنتصار المتحققين في تلك الصفقة،إلا أنها شرعنت الإبعاد للأسرى،حيث ان 40 % من الأسرى المحررين بالصفقة جرى إبعادهم الى غزة وخارج الوطن، كأحد من المآخذ على تلك الصفقة،وأن الإحتلال لا يلتزم بأية اتفاقيات،ودللت على ذلك بقضية مبعدي كنيسة المهد والذين أبعدوا لمدة ثلاث سنوات خارج الوطن والى قطاع غزة، وحتى اللحظة لم يعد أحد منهم،حتى المناضل عبدالله داود الذي استشهد في بلاد الغربة،لم يسمح بدخول جثمانه ليدفن في وطنه،واليوم نجد ان الأسرى الذين تحرروا في صفقة الوفاء للأسرى،تشرين اول/2011،وأبعدوا لمدد محددة الى غزة أو الخارج،لم يسمح لهم بالعودة بعد انتهاء مدد إبعادهم،وهذا يدلل على ما ذهبت إليه بأن الإحتلال يريد فرض شروط جديدة في أي صفقة تبادل او إفراجات قادمة مستنداً إلى ما حققه وما فرضه من شروط في صفقة الوفاء للأسرى،وبالفعل عندما خاضت المناضلة هناء الشلبي إضرابها المفتوح عن الطعام،كان شرط الإحتلال للافراج عنها،هو الإبعاد الى قطاع غزة،وبالفعل أفرج عنها وأبعدت الى القطاع.واليوم يتضح لنا انه على الرغم من الإنجاز والإنتصار المتحققين في الصفقة كان الموافقة على إبعاد الأسرى المحررين له تداعياته خطيرة، فالموافقة هذه غيرت المعادلات وفرضت شروطاً لصالح الإحتلال في أي صفقة تبادل او تحرر في المستقبل، وليس هذا فحسب فالإحتلال،فرض شروطاً جديدة على الأسرى المحررين،حيث الكثير منهم اقتحمت ودوهمت بيوتهم وجرى إرهابهم وتوقيعهم على شروط تحد من حرية وحركة تنقلهم،والأسرى المحررون من القدس والداخل الفلسطيني- 48 – حظر عليهم الدخول الى الضفة الغربية،او حتى السفر للخارج ولمدد طويلة جداً توازي مدة حكمهم المتبقية، والإحتلال واجهزة مخابراته لم يكتفيا بذلك،بل في ظل صمت مصري كوسيط في الصفقة والطرف الفلسطيني الذي نفذ الصفقة،أعاد الإحتلال إعتقال 13 مناضلاً تحرروا في الصفقة ،وتجري محاكمتهم،على قاعدة خرق شروط الصفقة غير المعروفة او المعلنة حتى اللحظة،محاكمات تعيد فرض الحكم السابق على الأسير المحرر،ولعل هذا الشرط،هو الذي جعل الأسير الشراونة يفضل الإبعاد الى القطاع بدلاً من استكمال مدة حكمه السابقة اضافة الى تدهور وضعه الصحي. وهذا أيضاً مأخذ آخر يسجل على صفقة الوفاء للأحرار،فإبعاد الأسير المناضل الشروانة،او أي أسير آخر، وهنا لا أريد من أحد ان يعلمنا فن "الفذلكة" واللعب على عواطف ومشاعر الأسرى وأهاليهم،والقول بأن غزة والضفة الغربية وطن واحد،وطن واحد نعم،ولكن هنا يوجد إجبار وإلزام بالإبعاد الى غزة وليس إختيار وإرادة حرة،والمسألة ليست مطروحة لكي نزايد على بعضنا البعض،بل نحن بحاجة الى موقف جدي وموحد،فهي على درجة عامة من الأهمية والخطورة، وقبول الأسير البطل بالإبعاد الى غزة، يصعب الطريق على بقية الأسرى المضربين عن الطعام،والذين تحرروا في صفقة الوفاء للأسرى وأعيد إعتقالهم،من تحقيق مطالبهم بنيل حريتهم بدون شروط،وما سيجري في قضية الأسير المضرب عن الطعام،منذ ثمانية شهور الأسير سامر العيساوي،سيحسم الكثير من المعادلات والشروط،فإذا ما أثمرت معركته عن تحقيق مطالبه بالتحرر والعودة الى مكان سكنه في بلدة العيساوية،فإنه سيعيد الهرم الى وضعه الطبيعي بالجلوس على قاعدته،وإذا لم ينجح سامر في معركته،فله أيضاً كل التحية والإحترام،فهو قاد معركة أعادت قضية أسرانا الى رأس سلم الأولويات،ولكن يبقى الهرم مقلوباً،ولا نريد ان نستبق ما ستؤول إليه معركة الاسير العيساوي،ولكن من المهم القول أنه،يجب التوقف أمام سياسة إبعاد الأسرى المحررين الى القطاع او خارج الوطن،فالإحتلال يريد ان يخلق ويفرض شروطاً جديدة في أي صفقة تبادل او إفراجات قادمة،وعلى وزارة شؤون الأسرى والقوى والفصائل ان تتوقف أمام هذه القضية بمسؤولية عالية جداً.نعم أنا أتفهم جيداً،بأن الظروف مجافية وان قضية الأسرى جرى فيها إهمال كبير،من قبل السلطة وكافة الفصائل وحتى الجماهير الفلسطينية،فالأسير الموجود في الأسر منذ 25 عاماً فما فوق،وعرض عليه الخروج من السجن سواء إلى مكان سكنه،أو الى مكان آخر فهو،حتماً في ظل إنسداد الأفق السياسي،وفي ظل غياب الموقف الوطني الموحد من هذه القضية،يريد أن يتنفس نسائم الحرية،ويوافق على مغادرة السجن.ولذلك يجب دراسة هذه التجارب والخلوص الى تشكيل موقف وطني ورأي عام منها،واليوم الحديث يجري عن دولة تحت الإحتلال،وبإمكانها رفع قضايا أمام المحاكم الدولية على الإحتلال،بإعتبار قضايا إبعاد الأسرى المحررين عن أماكن سكنهم جرائم حرب،ومخالفة لقانون والمواثيق والإتفاقيات الدولية وليس هذا فقط،بل كل الذين جرى إبعادهم من مبعدي كنيسة المهد والأسرى المحررين وغيرهم،ولم يلتزم الإحتلال بإعادتهم الى أماكن سكنهم،يجب ان يصار الى رفع قضايا على الإحتلال أمام المحاكم الدولية بشأنهم،وحتى الأمين العام للجبهة الشعبية القائد أحمد سعدات ورفاقه واللواء الشوبكي الذين جرى إختطافهم من سجن أريحا،بالإمكان رفع قضية على الإحتلال بشأنهم أمام المحاكم الدولية.قضية الإبعاد سواء للأسرى المحررين،أو أي مجموعة أخرى يقدم الإحتلال على إبعادها،يجب أن يصار الى اتخاذ مواقف حازمة وصارمة منها،بالرفض المطلق لها، والمدعم بالتوجه الفوري الى المحاكم الدولية،بدون خجل أو مواربة وميوعة.