كيف نحول التنازع إلى حوار .. بقلم د.مازن صافي
كثيرة هي الأفكار الجميلة والرائعة ولكن عيب واحد فيها قد يجعلها غير عملية .. لذلك لا يكفي في الفكرة أن تكون رائعة وجميلة ولكن يجب أن تكون عملية وقابلة للتنفيذ والقبول .. حين نتمسك بأفكارنا التي نطرحها ونعتقد جازمين أنها مثالية وسليمة وعادلة ، فهذا أمر جيد ويعود على صاحبه بالثقة بالنفس والقدرة على التنافس والترويج .. ولكن حين يشكو الناس من هذه الأفكار أو حين يتحول تطبيقها الى قصور وتباطؤ وربما تمنع ... علينا ألا نذهب لاتهام الناس أو المجموع أنهم مشلولي الإرادة غير ناضجين أو لا يملكون الحماسة للعمل ، بل علينا أن نعيد قراءة أفكارنا مرة أخرى وأخرى وان نتعامل معها على أنها قابلة للقبول والرفض في آن واحد ، وأيضا قابلة للتعديل وليست كاملة مكتملة لا غبار عليها .. قبل اتهامنا للناس بالتقصير في قراءة الأفكار أو التطبيق علينا أن ننظر وبعمق لحقيقة التقصير وأسبابه ومتطلبات معالجته أيضا ، ولكي لا تقع أفكارنا في نفس " المطب " نقول ربما التقصير قد جاء من صعوبة الإجراءات التطبيقية أو عدم وضوحها أو شموليتها أو عدم وجود جدولة لتنفيذها .. الفكرة تحتاج دوما الى قبول الناس وإمكانية أن تتحول من إطارها النظري إلى العملي .
لقد جُبِل الإنسان أن يرى في نفسه الجدارة والصلاح والعلم والمقدرة وهذا شيء مطلوب ولكن ألا يصل إلى درجة من الغرور أو الكِبر أو التعالي ، فالأخير قاتل للأول ويعرضه للخطر الشديد أمام الناس وأمام نفسه أيضا .
إن الإنسان يجب أن يكون منطقيا في كل أموره وألا يعتقد أن مسمار صغير يمكنه أن يفتت جبل كبير .. هذا المسمار قد يكون جزء أساس من أداة كبيرة وضخمة تفتت هذا الجبل ، ولكن المسمار نفسه يصبح عاجزا أمام الجبل ، متبعا لحاملة وبل يصيبه بالخيبة والفتور والإرهاق والعزوف ويمكن أن تصبح صخور الجبل من نوع مختلف لم يتعامل معه من قَبل ويحتاج الأمر إلى مسمار آخر يلاءم هذه النوعية من الصخور .. إنها تبريرات تنتهي إلى عجز الإنسان إن يستخدم المسمار في موضعه السليم كي يتغلب على صخور الجبل مهما كانت .. إلقاء التهم والعجز والانتقاص من الآخرين أسهل الطرق للهروب من المواجهة والمعالجة ومنطقية الأمور .
إن أي مجتمع بشري لا يخلو من مشكلات .. وهذه المشكلات هي رمز حياته وحركته الدائبة .. فالمشكلة عامل مُحفز للمعالجة .. ومن هنا تولد الاختلافات في الرأي بين القبول والرفض والجدال والعناد والمرونة وما إلى ذلك .. ونصل بهذا الحالة إلى الأسلوب في المعالجة وهو لُب الحركة الدائبة في المعالجة .. بإسلوبك يمكنك أن تعبر إلى الجزء الآمن في قراءة المشكلة وتجزئتها ومعالجتها بحيث لا يتحول المشرط الى سيف أو المعالجة إلى مشكلة ...
ان التنازع بين البشر أمر طبيعي ومقبول ولا يمكن إزالته بواسطة الكلمات والأفكار النظرية فقط .. بل لا يمكن أن نقفز عنه لمجرد رغباتنا في ذلك .. إن التنازع دلالة على وجود كائن حي .. والتنازع يكون على البقاء .. إن أفكارك هي عقلك ، ومجموعة الأفكار هي مجموعة العقول ، ومتى اجتمعت العقول قويت الأفكار وتصلبت وأصبحت اقرب للحكمة والقبول وقابلة لاستيعاب كل الأفكار المضادة أو ما يعرف بالنقد الذاتي لها ..
في نهاية المقال نقول أن الديمقراطية لا تؤمن بالحجج سواء كانت منطقية أو غير منطقية .. ولا تؤمن بالحق المطلق .. إنها تستند إلى أرقام وتؤمن بكثرة الأصوات .. ولهذا تتحول الديمقراطية في عمقها منافسة للحصول على أصوات الناخبين .. وما أن تنتهي العملية الديمقراطية حتى تتحول هذا الأرقام إلى مجموعة حاكمة وأخرى معارضة وهذا هو المجتمع الذي يجب ألا تتحول النظم فيه إلى نوع من التصارع ، بل وسيلة للبناء والتطور والعمل والقبول والحضارة .