'برنامج أمان' في مواجهة 'الاستغلال الجنسي' في المدارس
أمل حرب
'ما أن بدأ اليوم الدراسي ودخلت الطالبات ساحة المدرسة، حتى بدأت الرسائل المصورة تصل عبر الهواتف النقالة، فيما تهامست الطالبات باستهجان وحياء بفعل صور مشينة وصلت لإحداهن عبر الرسائل المصورة، قبل ان يسارعن بطلب المساعدة مني'.
بهذه القصة بدأت المرشدة الاجتماعية فائقة سيد أحمد، درسها لطالبات الصف التاسع في مدرسة دوما ببلدة الظاهرية جنوب الخليل، طالبة من الطالبات بالتعبير عن آرائهن في المشكلة، وكيفية التصرف في حال التعرض إلى ابتزاز مبني على الاستغلال الجنسي.
الطالبات من خلال الحوار والمناقشة، تقول المرشدة، أبدين وعيا كبيرا، في تفنيد أسباب الوقوع في المشكلة، وكيف يجب التصرف إزاء بعض المواقف التي تستهدف الابتزاز المبني على الاستغلال الجنسي لهن، وفي من يجب أن يثقن، وإلى من يلجأن في حال الوقوع في المشكلة حتى لا تتفاقم الأمور وتصل الحد الذي يصعب الرجوع عنه.
وبينت سيد احمد ، بعض السلوكيات التي من شأنها أن تعزز عدم التعرض لأي ابتزاز أو رفضه في حال التعرض له، وقالت: 'هنالك الكثير من المواقف التي يتم جرنا إليها بهدف الاستغلال من قبل أشخاص سيئيين يستغلون بعض مواقف ضعفنا أحيانا، أو يستغلون ظروفنا في أحيان أخرى'، مؤكدة ان هناك من يخاف ويرضخ نظرا لخطورة التهديدات التي قد يتعرض لها أو لشعوره بالوحدة، فيما يتجرأ البعض على مقاومة هذا الابتزاز، مشددة على أن الخوف يعكس مواقف طبيعية، ولكن يجب عدم الاستسلام له، عبر مقاومة الابتزاز بهدف الوصول إلى بر الأمان.
وفي سياق تعليقها على ما جرى، أفادت المرشدة سيد أحمد، لـ 'وفا' بأنها تلقّت تدريبا في مركز الدراسات النسوية ضمن برنامج 'أمان' لتطوير المهارات الحياتية للأطفال والشباب، للعمل مع الطالبات وتمكينهن من بعض المهارات الحياتية الضرورية للوقاية من الاستغلال الجنسي، مؤكدة أن تجربتها بالعمل في البرنامج قد زادها ثقة وإيمانا بأهميته، فالبرنامج لم يتوقف عند الأنشطة فقط ، بل تعدّى ذلك ليفتح جسورا من الثقة ما بين الطلبة والمرشدات، الأمر الذي أتاح للطالبات إمكانية الوقاية من التعرض للاستغلال أو التحرش الجنسي' .
وحول مدى تقبّل أولياء أمور الطالبات لبرنامج 'أمان' لتنمية المهارات الحياتية للوقاية من التحرش الجنسي في المدارس، أكدّت مديرة مدرسة بنات دوما فريال أبو علان، أنه وفي بداية الأمر شكك بعض الأهالي من جدوى البرنامج وتخوف البعض الأخر من إمكانية أن يفتح المشروع عيون الطالبات على مواضيع ليس من المطلوب طرحها، الأمر الذي شجع إدارة المدرسة إلى تنظيم ورشات عمل وندوات تم من خلالها توعية الأهالي حول المشاكل والحلول التي يطرحها هذا البرنامج، ومن خلال هذه الاجتماعات عبّر بعض الأهالي عن تخوفهم من استعمال الألفاظ والكلمات الصريحة مع أبنائهم وبناتهم، في حين تحفّظ قسم آخر من الأهالي على اسم المشروع وطالب باستبدال اسمه باسم جديد مثل' برنامج أمان للحماية من الاستغلال' فقط.
وأضافت السيدة أبو علان أنه وخلال العمل على البرنامج فقد اتضح للأهالي بأن هذا البرنامج يحاكي مشاكل لم يكن الأهل على علم بها، أو أنهم لم يلتفتوا إليها بحكم أنها مواضيع حسّاسة، لا يمكنهم مناقشة أبنائهم وبناتهم فيها، وبأنه وخلال هذه المرحلة فقد تلقّت إدارة المدرسة دعما وتأييدا من قبل الأهالي للاستمرار بهذا البرنامج، وذلك بحكم النتائج الإيجابية التي ظهرت على الطلبة خلال المراحل الأولى من تطبيقه، ولا سيما في مجال الانفتاح والوعي الذي عبرّت عنه الطالبات بشكل واضح.
وحول مدى وعي الطالبات وفهمهن لمعنى التحرش الجنسي، بينّت مديرة مدرسة بنات حلحول التابعة لوكالة الغوث هالة الكرد، أنه وعند سؤال الطالبات عن معنى الاستغلال الجنسي، فقد أجمعت جميع الطالبات وبدون استثناء على أنه 'الاغتصاب الجنسي'، وبالتالي خرجنا بنتيجة بأن الطالبات لا يملكن أي معلومة صحيحة حول هذا الموضوع، وبأنه لا يوجد وعي لديهن حول أشكال التحرش، الأمر الذي شجّع إدارة المدرسة تبني فكرة البرنامج بهدف تزويد الطالبات بالمهارات اللازمة لحماية أنفسهن من الاستغلال من خلال تطوير معلوماتهن ومهاراتهن وتوجيههن لطرق حماية أنفسهن من الاستغلال.
وأكدت الكرد أن تنفيذ البرنامج في المدرسة ساعد في الكشف عن حالات تحرش، تمّت معالجتها بسرعة كبيرة.
وبهذا المشروع تمّ توثيق مركز المرشدة في المدرسة كعنصر مهم وأساسي لحل المشاكل التي تواجه الطالبات.
وأوضحت الكرد أن إدارة المدرسة كانت حريصة على إطلاع الأهالي على المشروع للحصول على دعمهم، حيث تمّ عقد عدة اجتماعات مع أمهات الطالبات من جهة ومع أولياء الأمور من جهة أخرى وتمّ شرح فكرة وهدف البرنامج بشكل واضح وصريح، الأمر الذي أضفى راحة كبيرة في التعامل مع المدرسة وطاقمها من جهة، وبين الأمهات والآباء من جهة أخرى، وفي نهاية هذه الاجتماعات والندوات التأهيلية عبّر الأهالي عن تأييدهم باتخاذ المدارس هذه الخطوة التي قالوا بأنها جاءت لتزيح حملا كبيرا عن أكتافهم..
من جانبها، اكدّت المرشدة الاجتماعية في مدرسة بنات حلحول التابعة لوكالة الغوث علا عرفة،على أن تعزيز المهارات الحياتية والحماية من الاستغلال لدى الطالبات، تجاوز التوعية القائمة على تنفيذ أنشطة ضمن حصة مدرسية لتطوير المهارات الحياتية والوعي، ليصل إلى تبنّي سياسات داعمة تتيح للطالبات المجال للتعبير عن الرأي والمشاعر وبإشراك الأهل في الحوار والنقاش والتفكير والتفاعل مع الموضوع ودعمه، مؤكدة أنه لا يمكن أن يحدث تغيير حقيقي ما لم يترافق التغيير المدرسي مع تغيير مواز في العائلة والمجتمع.
وأوضحت مديرة مركز الدراسات النسوية في الخليل سناء السيوري، أن المركز قد عمل على تطوير برنامج 'أمان' لتطوير المهارات الحياتية للأطفال والشباب وإلى إدماج المهارات الحياتية والتربية الجنسية بين الأطفال والشباب، على اعتبار أن هذه المهارات ضرورية للأطفال والشباب من كلا الجنسين، لتعزيز الذات والثقة بالنفس، وبناء القدرات وبلورة الشخصية، وحماية أنفسهم من التحرشات الجنسية أو أي أذى جنسي قد يتعرضون له، ومن أجل توفير بيئة آمنة تشارك في تطويرها المدارس والأهالي والمجتمع والمؤسسات المجتمعية والأطفال والشباب أنفسهم. كما بينّت أن برنامج 'أمان' يسعى إلى إدماج المهارات الحياتية والتربية الجنسية في المدرسة كمؤسسة تعليمية تربوية يقع على عاتقها توفير المعلومات والمهارات الكفيلة بتمكين الطلبة من حماية أنفسهم، وتوفير بيئة آمنة تحمي الأطفال من العنف الجنسي.
وأضافت، أنه وبهدف مأسسة البرنامج، فقد ركزنا على تطوير قدرات المشرفين والمشرفات التربويين في وزارة التربية والتعليم، ووكالة الغوث المشرفين على مدارس الضفة الغربية، والاخصائيين والأخصائيات النفسيين والاجتماعيين اللذين يعملون في مؤسسات مجتمعية تهتم بالعمل مع الأطفال والشباب، وبأنه وكنتيجة لهذا العمل الجاد فقد عمل المركز على تدريب 70 أخصائيا وأخصائية نفسية واجتماعية من وكالة الغوث حول موضوع الثقافة الجنسية، واستخدام دليل أمان للوقاية من الاستغلال الجنسي في كل من بيت لحم، والقدس، ونابلس، فضلاً عن تنفيذ العديد من الدورات في بعض مؤسسات المجتمع المحلي التي تعمل مع الأطفال والشباب والشابات في كل من نابلس والخليل، والتي ركزّت على مواضيع مختلفة ابتداء من القوانين التي تتعامل مع الاعتداءات على الأطفال، مرورا بكيفية توعية الطلبة حول أشكال وطرق مقاومة التحرش الجنسي، وصولا إلى أهمية بناء جسور من الثقة ما بين الكبار والصغار في المدرسة والبيت بهدف التواصل الدائم لما له من أثر على حل المشكلات قبل تفاقمها من خلال التدريب على استخدام دليل 'أمان' الذي عمل المركز على تطويره.