ماذا تبقى من ارض الدولة؟
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
جميل ضبابات
من أعلى قمة في محيط مدينة قلقيلية يبدو ساحل المتوسط قريبا جيدا: إنها إسرائيل... لكن امتداد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية يشير إلى أن دولة فلسطين تفقد سماتها الطبيعية إذ يتواصل امتداد المدن اليهودية الساحلية مع مستوطنات الضفة المقامة على رؤوس التلال الخضراء.
ومن قرية النبي الياس على بعد كيلومترات قليلة يبدو الوجود اليهودي طاغيا.. وتشير لوحات تسجيل السيارات الصفراء إلى هذا الطغيان للوجود اليهودي على أراضي دولة فلسطين.
وتتنامى حركة الاستيطان بشكل متسارع.
وقلقيلية المعزولة بالجدران يحيط بها عدد كبير من المستوطنات التي تتوسع يوما بعد يوم. اذ حولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 0.7 % من ما اعتبرته 'أراضي الدولة ' للفلسطينيين في حين تم اعطاء المستوطنين 37% من أراضي الضفة لإقامة المستوطنات.
ومن أعلى قمة في النبي الياس تظهر الوقائع أقسى من الأرقام بكثير.
واقفين بالقرب من جدار حماية حديدي على طرف شارع تخترقه السيارات اليهودية من المستوطنات حتى الساحل قال واحد من السكان في القرية' انظر الى النوافذ في تلك المستوطنة. انظر انها تطل على المدن الإسرائيلية والمدن الفلسطينية'.
وترتفع الجدران حول المدينة التي تأخذ طابع 'جيتو' مغلق. وترتفع بنايات المستوطنات. وفي محيط المدينة قرب الجدران العالية يظهر كيف يسري اليأس من تلك الجدران التي التهمت الأرض.
وتشير وثائق للمحاكم العسكرية الاسرائيلية ان هناك 1.3 مليون دونم في الضفة تم الاعلان عنها 'اراضي دولة ' وهي ارض تم تسجيلها قبل عام 67 على اسم الحكومة الاردنية وعام 1979 قرر الاحتلال الاسرائيلي الاعلان عنها ' اراضي دولة ' من اجل الاستيلاء عليها لإقامة المستوطنات، بعد ان كانت المحكمة العليا الاسرائيلية قد منعت الاحتلال من الاستيلاء على هذه الارض بحجج أمنية من اجل اقامة المستوطنات.
وتشكل المستوطنات 30% من هذه الأراضي أي نحو 400 الف دونم، ومكاتب حكومية وبنية تحتية 11% 160 الف دونم، ومبان حكومية وأعمدة الشبكات الخلوية 7% 11 الف دونم، بينما تم تحويل 0.7% للفلسطينيين 8600 دونم.
واعترفت ' الإدارة المدنية ' الإسرائيلية بان الإعلان عن هذه الأراضي كـ'اراضي دولة' جاء لأسباب سياسية من اجل الاستيلاء عليها لبناء المستوطنات.
وقلقيلية واحدة من المحافظات الفلسطينية التي أقيمت على اراضيها مستوطنات تظهر على ارض الواقع هي الأخطر على تجسيد دولة فلسطينية واضحة المعالم.
وقال تقرير حكومي فلسطيني رسمي إن وتيرة التوسع الاستيطاني ازدادت في العام 2012 بنسبة 250% عن العام 2011، بينما تزداد وبشكل مضطرد أعمال هدم المنازل والممتلكات ومصادرة الأراضي وتهجير السكان.
وتبدو المدينة مسيجة، ولا يمكن الدخول اليها الا من مدخلين هما إشارة حقيقية إلى وجود 'جيتوهات' داخل أراضي دولة فلسطين.
إنها حقا تبدو من مقطعها الجنوبي مدينة أنفاق وجسور.
فمن تحت الجسر يمكن للمركبات الفلسطينية ان تتحرك من المدينة الى قراها، ومن اعلى الجسر تسير المركبات اليهودية قاطعة الطريق بين المدن الإسرائيلية والمستوطنات.
وتظهر كفار سابا المدينة اليهودية الأقرب لمدينة قلقيلية على مرمى حجر من اعلى سطح بناية على طرف المدينة. واقفا على بعد امتار من جدران عالية، يحجم صاحب محل لتصليح المركبات عن الاجابة عن الاسئلة، عندما يتعلق الامر بحدود الدولة.
ويظهر الحنق الشديد على انه اجابة واضحة على سؤال اين حدود الدولة التي اكلت اراضيها المستوطنات. ويمكن من امام ساحة محله سماع اصوات محركات المركبات التي تقطع طريق سريع اصبح خلف الجدار الذي يحجب كل شيء.
ولقلقيلية تاريخ زراعي طويل.
فالمدينة التي اشتهرت في زراعة الحمضيات والجوافة تشتهر الان بانها 'جيتو' فلسطيني مغلق.
مستخدما خليطا من السماد العضوي والتراب الاحمر يقول شاب يعمل في مشتل قرب الجدار، ان كل اصحاب البيوت المجاورة للمنطقة يستطيعون ان يشرحوا الوضع.... لكن هو لا يستطيع.
انها الحياة هنا في ظلال الجدران وتحت الاحتلال.
فذاتها قدمت فلسطين المشاركة في لجنة الارتباط المؤقتة للدول المانحة في بروكسل، قبل أسبوع، التقرير الفلسطيني بعنوان 'فلسطين: دولة تحت الاحتلال.
ومن قلقيلية الواقعة على الشريط الغربي للدولة تظهر الحياة وقد قلبت راسا على عقب. فالدولة التي يسعى الفلسطينيون لاقاماتها تتعرض للنهب يوما بعد يوم.
في النهار تتوفر الفرصة الجيدة لاستطلاع جنون البناء الاستيطاني في الجزء الغربي من الدولة، وفي الليل تكون الفرصة سانحة ايضا لاستطلاع تواصل الاضواء بين المدن الاسرائيلية والمستوطنات