ربيع الأحذية- فؤاد ابو حجلة
يلعب الحذاء دورا مهما في التاريخ العربي، وقد خضعت ومعظم أبناء جيلي لتدريب تلقيني طيلة سنوات الدراسة الابتدائية والاعدادية على كيفية احترام الأحذية التي كانت، وهناك من يقول إنها لا تزال، تحكم العرب.
كنت أسمع جدي يرحمه الله وهو يصف هؤلاء الحكام بالأحذية أو الكنادر عندما يستمع الى نشرة الأخبار التي كانت تذاع من صندوق الراديو الكبير الموجود في مقهى البلد، ورغم إجماع المستمعين من كبار البلد على هذا الوصف الا أنني كنت متمسكا بما أسمعه في المدرسة وما أقرأه في الكتب المقررة عن عظمة هؤلاء الحكام وذكائهم وشجاعتهم، ولم أدرك حينئذ كيف يمكن أن يتساوى هؤلاء مع الأحذية. وعندما بدأت مرحلة الوعي الحقيقي أدركت أن جدي كان بالفعل حكيما وأن معلمي المدارس كانوا يقدمون لنا وجبات تالفة من المعلومات المضللة. ولو كان التخصص موجودا في الجامعات لأكملت دراستي الجامعية في علم الأحذية.
ظل الحذاء، بكل أنواعه حاضرا في تشكيل وعينا، لكنه تغير عبر سنوات الصراع ليتحول من رمز للانحطاط إلى رمز للكبرياء. وتطور حذاء أبو القاسم الطنبوري الذي أشقى صاحبه إلى حذا منتظر الزيدي الذي أسعد راميه وفتح له أبواب المجد والشهرة. وبينما جهد أبو القاسم في التخلص من حذاء بؤسه فإن حذاء الزيدي قدر وبيع بمبلغ يعادل ثروة لما اكتسبه من قيمة سياسية وأخلاقية.
قبل حذاء الزيدي كنت شاهدت تجليات الحذاء العظيم عندما حوله الفلسطينيون إلى سلاح فتاك وصدوا به محاولة عسكرية اسرائيلية لاقتحام الاقصى. يومها تحرك الحذاء الفلسطيني وصمتت صواريخ العرب ومنظوماتهم الدفاعية والهجومية التي يتم استيرادها من اميركا على حساب خبز الفقراء العرب. وأذكر أنني كتبت في ذلك اليوم وفي هذه الصحيفة داعيا الى التوقف عن إهانة الأحذية باستخدامها في الشتائم واستبدال كلمة الحذاء بكلمة الصاروخ في وصف النذل والجاسوس والمنحرف.
ويبدو أن أشقاءنا التونسيين وصلوا الى ذات الاستنتاج في ربيع الأحذية العربية، فهم يعبرون عن رفضهم لواقع ما بعد سرقة الثورة بالتصدي للفاسدين بالأحذية. ولا أشك في أنهم سينجحون في تحقيق أهدافهم بهذا السلاح الذي يثبت من سنين أنه أكثر فاعلية من الحكام ومن معارضاتهم المفصلة على مقاساتهم.
المجد للحذاء العربي في الربيع وفي كل الفصول.