في قاعة الانتظار - هلا أبو بكر- اليرموك
من نحن؟ تائهون بلا أسلحة في حرب تائهة.. كان والد صديقتي نعيمة في الجزائر يخبرها كلما طلبت منه أن يصطحبها الى مكان ما لترفه فيه عن نفسها، أن ذلك المكان مازال يقطنه الإرهابيون.. انتهت الحرب في الجزائر لكن والدها مازال يعتقد أن الارهابيين يحتلون حياتنا كما كان يقول, كنت أمازحه قائلة: «عمي ما نروحوش لبلاد؟» أي: «عمي لن نذهب الى الضيعة؟» يجيب عمي: «لا لا.. الإرهاب», أرد: «عمي محمد.. خلينا الإرهاب عندو خمس سنين من اللي خلاص» أي: «عمي.. دعنا منه هذا الكلام.. الإرهاب انتهى منذ خمس سنوات».. عمي محمد انتظر 22 عاما، ومازال ينتظر رغم أن فترة الأزمة الحقيقية هي عشر سنوات سوداء وانقضت, كنت أتسائل هل عمي محمد لا يحب الخروج، أم أنه اعتاد فكرة الخوف حتى أصبحت جزءا من شخصيته التي نحبها, أم أن الخروج عما كان مألوفا أصبح يخيفه أكثر من الإرهاب نفسه، أم إنه فقط ينتظر.. ماذا ينتظر؟ اليوم كلنا ننتظر العودة إلى ديارنا، وننتظر الخارج من المنزل حتى يعود، فنهلل لسلامته، وجميعنا ينتظر حتى تستقر الأوضاع لنتزوج ونقيم الأفراح، و ننتظر حتى يتوقف الدمار لنكمل بناء ما بدأناه، ونعيد إعمار ما تهدم، وننتظر لنكمل دراساتنا، وننتظر لنطور أعمالنا, وننتظر لموعد جميل على العشاء نرقص فيه معا، وقبل كل ذلك ننتظر ليخفت الألم في قلوبنا.. وننتظر.. وننتظر.. كم ننتظر.. وكم سننتظر؟ في قاعة الترانزيت يطول الملل والقلق, في قاعة الترانزيت في المطارات العربية يطول ما ذكرت أكثر وأكثر لتأتي الطائرة.. وقد تأتي معطلة فينتظر الركاب بالساعات هناك حتى يصلح العطل.. عزيزي المسافر.. «كن صبورا» تلك هي أغبى النصائح.. أنا أقول لك عزيزي المسافر العربي قد تقضي أخر لحظات عمرك هنا في الترانزيت فلا تكن صبورا.. تستطيع الأكل والشرب والتعارف والحب والتعلم والغناء والرقص إن أردت.. لا تعتد المكان كأنه بيتك، ولا تفكر في موعد قدوم الطائرة لأنها قد تأتي وقد لا تأتي، فتأخذك إلى حيث لا تريد.. عزيزي المسافر الحياة لن تنتظر، ولا تعترف حتى بغرف الترانزيت ولن تعترف لك يوما بوقتك الضائع في هذه الغرف.. عزيزي المسافر حافظ على سلامتك ولا تبتعد عن الغرفة كي لا تفوفتك الطائرة، لكن إياك أن تنسى أن الحياة كالقط تحب من يلاعبها.. فبعض الابداع يخلق في رحم التائهين.. فلا تحزن إن لم تعلم ما هو غدك ولا تحزن إن لم تستطع إلغاء ما قد مضى. عزيزي المسافر لا تغادر الحياة حيا.. أرجوك عزيزي المسافر العربي. كبرت صديقة الطفولة نعيمة ولم تذهب إلى الضيعة مع أبيها و لم تزر البحر إلا معي ومع أختها المتزوجة ولم ترافق والدها إلى الأماكن التي أحبتها قط.. السي محمد أعرف أن سلامة نعيمة كانت تعني كل شيء لك لكنك أخرتها عن الحياة أكثر من الإرهاب نفسه, لكن بناتك الأربعة وأنا الخامسة وبقية العائلة لن تنسى جمالك يوما بدندنات الغناء الشعبي التي كنت تسمعنا إياها في البيت العربي الصغير.. «مريومة», «حاسبني وخذ كراك», «يا الرايح وين مسافر».. حتى جعلت دحمان الحراشي والحاج العنقا وكمال مسعودي ومطربين الشعبي الجزائري كلهم يشاطرونا سهراتنا على طول العمر, عمي محمد هذا ما ينسيني عتبي عليك لأنك ربما في الأخر بسهراتك تلك أبدعت الحياة وحفظت سلامتنا على طريقتك الخاصة. قد يبدو حديثي هذا دعوة للعشاء أو التنزه.. لا أبدا فسلامة الأحباب لا تعني إلا شيئا واحدا هو تحدي كل هذا التعب. بل أدعو كل من أحب الى الحياة, لالشيء بل لأننا نستحق الحياة.. ولا تجعلو الانتظار يتفوق على الموت.. فهو منافسه الوحيد.