الأسير الشهيد ميسرة ابوحمدية، عاش مناضلا واستشهد صامدا .. بقلم د.مازن صافي
الساعة تشير إلى الثامنة والنصف صباحا ، خبر عن وكالة وفا الفلسطينية تم تداوله عبر صفحات التواصل الاجتماعي يقول : " استشهاد الأسير ميسرة ابوحمدية " .. كتبت على صفحتي " خبر عاجل : ماذا عن " استشهاد السير ميسرة ابوحمدية " .. ثم كتبت أيضا .. " مطلوب منا ان ننصب بعد قليل خيمة كبيرة وتحمل كل ألوان الفصائل ويتنافس الحضور في الخطابة والأشعار وبعض الرثاء وكثير من التزاحم حول أولوية الكلمات .. وسنطبع الصور الكبيرة والكلمات الرنانة مزيلة أسفلها تذكرنا بتاريخ الاعتقال وتاريخ الاستشهاد .. ونغيب في آخر المشهد ونتذكر الباقين الذين ينتظرون ..
مطلوب أن ننسخ آخر البيانات الساخنة ونستبدل الأسماء بالأسماء ونقرؤها بتمعن ونرسلها الى النشر ونفتخر أنها قمنا بالواجب وهددنا المحتل وطالبنا بتفعيل الحضور إلى الرثاء ..
ميسرة ابوحمدية .. حين يطرق جدران الصمت .. يستشهد حاملا الرسالة الخالدة .. فهل نقرؤها سطورا سريعا ام نتوقف عن دورنا الحقيقي في الفعل الذي نرسل رسالته بكل صدق وقوة .. سوف ننتظر بعد الأيام الثلاثة القادمة " .. في الحقيقة إن خبر استشهاد ميسرة هزني من أعماقي .. فقبل أسابيع كان هناك عرفات جرادات .. واليوم مكبلا " يعدم بالإهمال الطبي " الأسير البطل ميسره .. لقد انقبضت القلوب وقرأت خبرا لصديقي إبراهيم حسن شاهين يقول فيه : " يا ناس أنا مش قادر أتحمل .. أنا أريد الخروج للشارع .. بدنا شباب .. ميسرة قتلوه .. ماذا ننتظر " .. كانت كلماته تدلل على الغليان ، وهناك شاب من الضفة المحتلة كتب أيضا " شوارع الضفة تغلي والشباب يتجمهرون والناس غير مصدقة الخبر إنها جريمة ويجب ألا نسكت " .. أنا أجزم أن العشرات قد أجهشوا بالبكاء لحظة سماعهم الخبر الفاجعة .. لقد أربكنا الخبر مع انه كان متوقعا كون آخر الأخبار تدلل على ان الأسير ميسرة يحتضر .. باختصار لقد اغتالوا الصمود وكان يشكل لهم مصدر رعب يومي .. منذ 2002 وهو معتقل مكبل ويتنقل بين الزنازين صامدا صلبا شجاعا شامخا .. انه من مواليد النكبة الأولى والتهجير الأولى وعصابات الصهيونية تغتال الحياة الفلسطينية وتحرق كل الأحلام والآمال .. لقد درس الحقوق في جامعة بيرزيت وتمت ملاحقته واعتقاله ولأنه يؤمن بوحدة الوطن فقد واصل دراسته وانضم إلى جامعة الأقصى بغزة ليدرس التاريخ .. لقد آمن بالثورة منذ انطلاقتها فانخرط في صفوفها فدائيا في عام انطلاقتها الثالث واستمر نضاله واعتقاله حتى تم إبعاده الى الأردن في نهاية السبعينيات ، ومع اندلاع حرب إسرائيل ضد الوجود الفلسطيني في لبنان فقد انضم صفوف الفدائيين دفاعا عن الوجود الفلسطيني والأرض العربية اللبنانية فكان مقاتلا في كتيبة الجرمق الكتيبة الطلابية و كانت بقيادة المناضل معين الطاهر .. ولأنه ابن الثورة ابن النضال ابن الحق ابن الانتفاضة بدء العمل مع مكتب الشهيد أبو جهاد في الأردن منذ العام 1979 و من ثم مكتب الانتفاضة منذ العام 1988، ذلك التاريخ الذي استشهد فيه القائد البطل أمير الشهداء ابوجهاد خليل الوزير في نفس هذا الشهر ابريل الذي استشهد فيه ميسرة أيضا .. ولأنه شكل خطرا على إسرائيل فقد رفضت إسرائيل عودته مع المقاتلين الفلسطينيين بعد توقيع اتفاقية أوسلو ، لكن الشهيد القائد الرئيس أبو عمار أبى إلا وأن يشارك الشهيد ميسرة في مسيرة البناء والدولة فكانت عودة ميسرة إلى ارض الوطن في عام 1998 للضفة الغربية إثر انعقاد المؤتمر الوطني السادس .. وبعد ثلاثة أعوام اعتقلته إسرائيل لتحاكمه بتهم ما قبل أوسلو و في تاريخ 200562 حكم بالسجن 25 عاماً.. و في تاريخ 2007422 لم يكتفي الإدعاء العسكري الإسرائيلي بالحكم فاستأنف الحكم و تم الحكم عليه بالسجن المؤبد 99 عاما... ليستمر الاعتقال ويستمر التعذيب وليبدأ المرض في نهش جسده فأصابته قرحة في المعدة و ارتفاع ضغط الدم و ورم في منطقة الرقبة و تضخم في الغدة الدرقية و تدهورت حالته الصحية و نقل عدة مرات لمستشفى سجن الرملة مصابا بمرض السرطان ،وتعرض لإهمال طبي متعمد من قبل إدارة السجون ونقل على إثرها الى العناية المركزة حتى لقي ربه شهيدا صباح اليوم الثلاثاء 2/4/2013 بعد 11 عاما من الاعتقال في معتقلات القتل البطيء الاحتلالية ..
الان وقد رحل ميسره .. تاركا الرسالة الصارخة .. معتقلينا يموتون .. معتقلينا يعانون من ظلم الاحتلال .. معتقلينا أيضا يخرجون للحياة حاملين الأمراض المزمنة القاتلة والتي تعيقهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية .. وحياة ذوي الأسرى بلا معنى .. ماذا نقول لأبنائه الثلاثة ولزوجته ولأهله .. ماذا سنقدم لهم دفاعا عن روحه .. ماذا الذي يتوجب علينا عمله لكي ننقذ أسرانا من براثن المحتل وجبروته وقبضته .. لقد رحل الفارس الفلسطيني الجسور الشهيد ميسرة أبوحمدية وهو في أوائل الستينيات .. كبير القلب باقٍ فينا ...
أكتب مقالي هذا بعد ساعتين من قراءة خبر استشهاد البطل ميسرة .. وأقول وبكل ما يحمله قلبي الآن من حزن كبير وفخر باستشهاد القائد اللواء ميسرة أبوحمدية أننا لن نخذله ولن تنهار المعنويات لأن عقلية المحتل تتمثل فيما قاله هنري كيسنجر " ليس مهما أن تحتل بالحرب أرضا لعدو ، أو تبيد عددا من قواته حتى تنتصر عليه ، لكن المهم والأهم هو تحطيم معنوياته ، فعندما تنتصر عليه معنويا تستطيع أن تهزمه " ..
نقولها وبكل قوة للمحتل الظالم أن الرهان على كسر معنويات أسرانا في المعتقلات سوف يفشل ، فمع كل وجع وألم يخرج الفلسطيني مرفوع الرأس شامخ مؤمنا بقدر الله .. سنصمد وسيهزم المحتل وستشكل روح ميسرة فارقة إن شاء الله وستكون جسرا يمر فوقه المحررين من الأسرى إلى فضاء الحرية ودولتنا الفلسطينية ، لأنه على العالم أن يقف أمام مسؤولياته وعلى كل من يدعي حقوق الإنسان ان يعترف أن إسرائيل لا تعترف بإنسانية الفلسطيني وحقوقه ولهذا يجب أن تلزم إسرائيل بأن تنهي اعتقال خمسة آلاف أسير في معتقلاتها يعانون من الموت البطيء وينتظرون مصيرهم كما كان مصير الشهيد ميسرة صباح هذا اليوم الحزين .. إلى جنات الخلد يا شهيد حركتنا الأسيرة البطلة وان شاء الله موعدنا الحرية والنصر والفرج القريب لكل زملاءك الذين ينتفضون الآن في كل المعتقلات وسيعلنون خطواتهم القادمة .. نعم لفجر الحرية ولا لظلام الاعتقال .