حرية (النكتة ) في زمن (المرشد)(الحاكم)(الإخوان)- ماهر حسين
حقا" أنها (أم الدنيا) ففي تاريخ مصر كان هناك ما يُطلق عليه (المضحكخانه الكبرى ) أي بيت الضحك الكبير وفي ذلك البيت كان يلتقي كل الراغبين بالضحك أو بإطلاق النكت وكان يجتذب هذا البيت العديد من رجالات مصر وبالطبع بعض العسس للدولة . من المثير للاستغراب بان (المضحكخانه ) تحولت إلى دار (امن القاهرة) حيث تقع في باب الخلق بالقاهرة . (النكتة ) تمثل في مصر (الخبز اليومي ) للفقراء ووسيلتهم لإظهار اعتراضهم أو انتقادهم لشخص أو لموقف وأحيانا" لقضية أو حزب .
يعتقد البعض بان النكتة المصرية لها أصول فرعونية والبعض الأخر يربطها بشكل حـــاد بالعصر الفاطمي حيث أستخف المصريين بالحاكم بأمر الله الفاطمي وأمطروه بعدد كبير من النكات ولم يسلم منهم الوزير الأيوبي (قراقوش) ولاحقا" لذلك لم يسلم منهم أي من الحكام وان كانت طريقة تعاطي الحاكم مع النكتة تختلف بين حاكم وأخر وقد لوحظ انتشار النكتة كذلك بعد ثورة يوليو المجيدة ...وتعامل معها الرئيس الراحل عبد الناصر باعتبارها مؤشر لمزاج الشعب ومشاكله حيث أخذها على محمل الجد وتعامل معها لاحقا" لذلك الرئيس السادات باعتبارها عادة مصرية أصيلة بينما تجاهلها الرئيس مبـــارك في محاولة منه لاعتبارها غير موجودة. الآن في زمن الثورة ولاحقا" للثورة التي أطاحت بالرئيس مبـــارك نحن أمام تعامل حاد من قبل الرئيس مرسي وحزب الإخوان المسلمين مع النكتة المصرية حيث أن السخرية من الرئيس مرسي أو من حركة الإخوان المسلمين تثير غضب النظام الجديد بمصر وبشكل مبالغ فيه حيث يلاحظ زيادة عدد الشكاوي والقضايا المرفوعة بحق المذيعين والصحفيين من مستخدمي النكتة السياسية .
موقف الرئيس مرسي وحركة الإخوان من (النكتة السياسية) و(البرامج الساخرة) تعبير عن مأزق النظام وحالة الإحباط التي يعيشها النظام الآن حيث أن الحكم أصعب بكثير من المعارضة وخاصة بأن الإخوان المسلمين لم يعتادوا النكتة وهم بالمعارضة حيث كانوا يتعرضوا للقمع مما خلق تعاطف شعبي معهم ومع الخدمات التي يقدموها للمواطن المصري . الآن اختلف الحال ...هم يتعرضوا للسخرية وللنكتة السياسية بشكل دائم وملفت للنظر وقد أدى هذا بالإضافة إلى قلة الخبرة بالحكم ومصاعب التعامل مع المزاج الشعبي إلى ضيق صدر الرئاسة والاخوان المسلمين بالشعب المصري وعاداته المرتبطة به وعبر التاريخ حيث أن النكتة السياسية مرتبطة بهذا الشعب وطريقة تعاطيه مع الحاكم . ضيقهم بالشعب ظهر بشكل واضح من خلال مطاردتهم القانونية للمذيعين والصحفيين حيث تجلى هذا السلوك بمحاولة وقف البرنامج الساخر للمذيع المبدع (باسم يوسف) ...من الممكن أن نختلف مع البرنامج أو نتفق معه فهذا طبيعي ولكن إبداع باسم يوسف جعله يتحول إلى ظاهرة ...نعم ظاهرة ويمكن التأكد من هذا بسهولة من عدد المشاهدات المرتبط بكل فيديو ينشر له وعدد المشاهدات لكل برنامج من برامجه. إن تعامل الإخوان المسلمين مع (سخرية باسم) من خلال ملاحقته عبر النائب العام (الاخواني )في مصر جعلته يتحول إلى بطل شعبي ورفعت من عدد مشاهديه وجعلت قضيته واحد من القضايا التي يتناولها الاعلام الحر بكل العالم . إن الظاهرة (باسم) هي تعبير عن طبيعة الشعب المصري وتعبير عن تاريخ (النكتة السياسية) بمصر وتعامل الإخوان والرئيس مرسي مع هذه الظاهرة تعبير عن عدم فهمهم للمرحلة التي يمروا بها (حكاما") لمصر وكما أن طريقة تعاطيهم مع الظاهرة (باسم) والعديد من الصحفيين تشير إلى تخبط كبير . بالنسبة لي يجب أن يكون من الواضح بأن (حرية الصحافة ) و(حق النقد) و(كلمة الشعب ) هي المكتسبات الأساسية التي تحققت في مصر من بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس مبارك ..فنحن لم نرى أي تطور اقتصادي أو اجتماعي ونحن لم نرى أي تحسن بحال المواطن وبالتالي فمحاولة النظام الآن للقضاء على أصغر مكاسب المصريين تعتبر محاولة بائسة وتعبير عن مأزق عام يعيشه النظام وحزب الإخوان المسلمين . كنت أتمنى أن أرى تركيزا" على قضايا المواطن المصري وعلى تعزيز العلاقات المصرية العربية وعلى الاستثمار والسياحة والثقافة لتعود مصر الكبرى لممارسة دورها العربي ولكن وللأسف على صعيد التطوير لم نرى أي محاولات جادة حتى الآن وعلى صعيد العلاقات هناك ألف ملاحظة وملاحظة تتعلق بإدارة العلاقات المصرية العربية خاصة بان مصر تتجه لإيران بطريقة تضر بالأمن القومي العربي وخاصة لو أخذنا بعين الاعتبار التورط الخطير والتخريبي لحركة الإخوان المسلمين بالعديد من الدول العربية . نحن نريد (للنكتة المصرية) أن تستمر لأنها جزء من تاريخ نعتز به . نحن نريد (للدولة المصرية ) أن تلتفت لقضايا الشعب وقوته وان تكون (الدولة المصرية ) صاحبة دور فعال في الأمن القومي العربي لا أن تكون محطة عبور لكل الأطماع في الشرق والغرب. نحن نريد (للإخوان المسلمين) أن يكونوا جزء حامي للعقيدة وللدين . أما الظاهرة (باسم يوسف ) فهو ظاهرة طبيعية مرتبطة بهذا الشعب صاحب التاريخ العظيم وهذه الظاهرة لن تٌهزم من (نائب عام) أو من (حاكم) . أخيرا" نقول بان (حرية النكتة ) لن تغيب في زمن (المرشد)(الحاكم)(الإخوان) لأنها ظاهرة أصيلة لشعب يٌجيد القدرة على إبداع الحياة والبقاء .