المقاومة في نسختها الرابعة - د.صبري صيدم
أول الغيث في ثورتنا الفلسطينية المعاصرة كان مع الكفاح المسلح والطلقة الأولى والشرارة التي فجرت نفق عيلبون ففجرت معها شرايين اليأس وأوردة المنبطحين.
والنسخة التي تلتها للمقاومة في العقدين الماضيين جاءت بمحادثات السلام وعمليتها المتعثرة ومحصلتها الصفرية التي أثبتت أن إسرائيل كانت مع العملية وليس مع السلام. عملية استنزافية استدراجية دونما سلام ودونما نتائج. لتأتي بعدها النسخة الجديدة من الثورة على الفشل أو ما أسميه المقاومة في جيلها الثالث.
تلك المقاومة السلمية الشعبية التي عكست ثورة الروح الفلسطينية ضد فشل المفاوضات واستفراس إسرائيل في نهش جغرافيا الوطن عبر جدارها المزعوم بأمنه والمجنون بغاياته ووجهاته. مقاومة مستمرة ومتدحرجة وعبقرية في استقطاب الدعم الدولي والإصرار المتعصب للخلاص من المحتل.
الجيل الرابع للمقاومة ونسختها الجديدة والمتطورة يديرها شباب مبدع ينبض بالحياة ومتسلح بالقلم والكتاب والحاسوب والشبكة العنكبوتية. شباب أخجل شخصياً في كل يوم اكتشف فيه مواهبه من إبداع وتميز في مجال العلم والعلوم والتقانة والابتكار. شباب لا يعرف الهزيمة ولا تحده الصعاب أو يثنيه الخوف من عالم الخيال العلمي.
شباب قابلته في كل زاوية من زوايا الوطن على مدار السنوات الماضية فأتى متسلحاً بالإرادة والدراية والفكر والعلم مقدماً إنجازه الفكري والمعرفي بقائمة لا تنتهي من المبادرات. شباب أخجل معه في كل لحظة تقاعس أو تردد أو شح في الإمكانيات.
نعم المقاومة في جيلها الرابع قائمة على التعلم والإنجاز العلمي والإنتاج المعرفي والمحتوى الفلسطيني المساهم في مسيرة الإنجاز البشري والمحتوى النوعي القادر على المنافسة عالمياً ودولياً.
قلم يهزم مدفعا وإنتاج معرفي يحرج العالم الصامت على بشاعة الاحتلال والموافق ضمناً على استمراره.
فالرد على الاحتلال اليوم لا تقدمه الدبابات والصواريخ وطلقات الموت وإنما المساهمات الفكرية والعقول النوعية المتميزة التي تقدم اليوم في جامعات الوطن ومدارسه ومؤسساته الفكرية ابتكاراتها النوعية المتميزة واختراعاتها التي دخلت في تعدادها حيز المئات.
لكن هذه الاختراعات التطبيقية يجب تنظيمها وحصرها وتصنيفها ورعايتها ضمن آلية تكفلها المؤسسة العامة وتمولها بنوكنا المحلية ضمن شروط تحفيزية خالية من التعقيد بحيث يتبنى القطاع الخاص توظيف تطبيقاتها محلياً وضمن سياسة إحلالية لما يكلفنا كثيراً جراء الاعتماد على أسواق الآخرين وأسعارهم.
المستقبل الوطني اليوم ربما سئم عالم الكلاملوجيا المتكلسة واجترارية المواقف ويحتاج لعالم متحرك يوفره العلم والتعلم والإنتاج المعرفي والذي يشكل للأمم مقياساً لمساهماتها البشرية النوعية.
إن هزيمة المحتل لم تعد تحتاج إلا لسلاح المعرفة الذي يقدم إنتاجات وتطبيقات علمية وحضور أممي حضاري يبرهن على إنتاجية المجتمع وأحقيته بالكرامة والخلاص والاستقلال! محتل سيرى نفسه وأمام مجتمع منتج خلاق محل ازدراء من قبل عالم يرى فينا منتجين للمعرفة وفي الاحتلال منتجاً واضحاً للعنصرية والاضطهاد ومنبراً زائفاً للديمقراطية ومقاولاً واضحاً لاستعماره القسري القائم على صمت الآخرين!
s.saidam@gmail.com